المقالات

اضواء على النظريات الاسلامية في فلسفة الحكم 2 - 5


( بقلم : سليم سوزه )

كنا قد تحدثنا في الحلقة الاولى عن النظرية الاولى للحكم، وهي نظرية ولاية الفقيه الخاصة، وتطرقنا الى فلسفتها في عملية ادارة الدولة والآن ننتقل لنرى ماهية النظرية الثانية والتي يؤمن بها فريق من علماء الشيعة الامامية وابرزهم السيد الخميني والشهيدين الصدريين الاول والثاني والسيد كاظم الحسيني الحائري مع آخرين غيرهم، وهي نظرية ولاية الفقيه العامة والتي ترى بوجوب طاعة الفقيه في الامور الدينية والدنيوية والتصدي للامور السياسية باعتباره الحاكم والآمر الناهي في زمان غيبة الامام .. اي انه يقوم مقام الامام في كل شيء اثناء غيبته.لم يكن هذا الرأي شائعاً عند الشيعة الامامية في السابق، بل نشط وتطور في المئة عام الاخيرة بشكل ملحوظ، حيث اعتمد الفقهاء المؤيدون لهذه النظرية على مقبولة عمر بن حنظلة التي تروي عن الصادق عليه السلام قوله في الفقيه الجامع للشرائط ( فأني قد جعلته حاكماً) وهنا ذهب هؤلاء الفقهاء الى ان المقصود بكلمة (حاكم) اعطاء الحاكمية المطلقة للفقيه في عصر الغيبة بما فيها الحكم والادارة وليس القضاء فقط.

ان ما شهده التشيّع من مآسي وويلات وابادة منظمة من قبل الذين حكموا طوال تلك السنون المنصرمة كانت بحق سبباً آخراً بالاضافة الى هذا الحديث في تحريك وجدان العلماء والفقهاء نحو التصدّي لامور الحكم والتخلص من ظلم واضطهاد الحكومات المتعاقبة على الدول التي فيها عدد غير قليل من اتباع هذا المذهب. ففي ايران مثلا ً نشط روح الله الخميني في معارضة نظام الشاه الدكتاتوري الذي خنق الحريات الدينية واضطهد شريحة العلماء بنظامه العلماني القاسي رغم انه ينتمي الى نفس المذهب الذي ينتمي اليه الخميني .. فبعد نجاح الثورة الاسلامية وسيطرة ثوارها على السلطة تحت امرة الخميني اصبحت نبراساً لثورات عدة، حاولت القيام بنفس الامر في بلدانها ولم تقتصر على اتباع المذهب الجعفري، بل شملت حتى ابناء المذاهب الاخرى في دول اسلامية عديدة.اما في العراق فقد حاول من قبل الشهيد محمد باقر الصدر وهو من ابرز المروجين لهذه النظرية واهم منظريها، القيام بثورة مماثلة لتلك التي حصلت في ايران وانتزاع الحكم من البعثيين، الاّ ان بطش الحكومة الصدامية واستخدامها المفرط للقوة استطاعت ان تسيطر على الثوار في مطلع الثمانينيات واجهاض الثورة باعدام الصدر واخته، واعتقال كافة قيادات هذا التوجّه.

فلسفة المراجع الذين يؤمنون بضرورة تصدّي الفقيه للامور السياسية وفق النظرية الثانية، كانت تنبع من رؤية، بان الحكم بيد الفقيه على ما يكون من اخطاء و انتهاكات، فهو افضل بكثير من ان يكون هذا الحكم بيد الظلمة والفسقة مستندين في ذلك على ان دولة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام ودولة الخلفاء من بعده شهدت انتهاكات ايضاً وحصلت فيها اخطاء غير قليلة لكنها كانت في العموم تطبق الشريعة الاسلامية وتحكم بالقرآن، وهي بلا شك امور جيدة فالدولة لا يعقل ان يكون كل ابناءها صالحين، اي لابد من وجود الطالح والنفعي والانتهازي الذي يؤثر بصورة او باخرى على سمعة الدولة وهيبتها في اي نظام كان .. بما فيه النظام الاسلامي وهذا كان على ما يبدو رداً على الذي يقول بحتمية وقوع الاخطاء في دولة الفقيه (مؤيدو النظرية الاولى).يبدو ان هذا الفكر جاء كردة فعل لما اقترفته الحكومات بحق التشيع مذهباً وافراداً في محاولة استباقية لنيل الحكم من الظالمين وتأمين المذهب من شرهم حيث سيترك الفراغ السلطوي الناشيء من عدم تصدي رجل الدين، الفرصة الى من هو غير اهل لشغله وهذا ما جعل الجميع يدفع الثمن حسب راي انصار الولاية العامة اي انهم ليسوا طلاب حكم او سلطة مثلما يتصور البعض، بل يرومون انهاء الحيف والظلم الذي طالهم من باب اذا لم اتقدم انا فسيتقدم غيري واكون الخاسر عندئذ.

هذه هي الفلسفة التي يبلّغ لها انصار النظرية الثانية بلسان حال يقول (ما لا يدرك كله لا يترك جزءه) وما نستطيع انجازه بدولة اسلامية افضل بكثير مما يمكن ان نخسره تحت نظام يستعبد الاسلام ويقتل ابناءه، حيث يجب ان تكون هناك فرصة لهذا الدين في الحكم كي يصارع احدث نظريات العالم وفلسفاتها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وبيان بان هذا الدين قد وضع كل شيء من اجل رقي الانسانية وتكاملها على مستوى الافراد والمجتمعات، ولا يكون ذلك، الاّ اذا كان حاكماً على الناس ومهيمناً عليهم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك