بقلم: طالب الوحيلي
تعددت تفاسير مفهوم الفيدرالية وتباينت بحسب الفهم الايديولوجي لها ،وبحسب مستويات التقبل او النفور منها ،ولشدما يقف ضد هذا المفهوم طائفة من الذين لايبغون استقرار العراق على الوجه الاكمل وعلى وفق اسس دستورية رصينة ،بعد ان وجدوا ما اصاب بضاعتهم المتخلفة من كساد امام انتصار قوى الشعب العراقي في بناء القواعد الديمقراطية التي تؤمن افضل سبل العيش والعدالة ،وفي الوقت الذي يصر البعض على رفض هذا الاسلوب من الادارة للبلاد ،نجده قد قام فعليا بتقطيع اوصالها بسيوف وسكاكين ،كلما اوغل في قطع رقاب ابناء شعبه تحت ذريعة باطلة باسم المقاومة ،وهي مقاومة فعلا لكل ماهو خير وصالح لبناء وطن متطور متحرر،وقد تزايد حقده وتكالبه حين تبلورت فكرة فيدرالية الجنوب والوسط ،كاقليم منسجم جغرافيا واثنيا واقتصادين وقد توافرت به كل مبررات التطور المادية والمعنوية التي تكفي لانتشاله من واقع الفقر والحرمان والتخلف الذي صاحب بناه التحتية بالرغم من انه يطفو على اغلى كنوز الارض في هذا الكون ،وجوهر الامر ليس الخوف على وحدة الاقليم العراقي ،بعد ان نجحت تجربة كردستان العراق ،وانما هو اليأس من عودة الانماط الانقلابية في استلاب الحكم وهيمنة الاقلية على مقدرات البلاد ،لكي تسلط الطغاة والجلادين ويعملوا السيوف والمشانق برقاب ابناء وادي الرافدين ،وقد فعلوا طغيانهم بتقسيم ظالم لمثلثات الموت وامارات ظلامية وحكومات قرى ومناطق ،وهي خارجة في كل الاحوال عن سيادة القانون والدولة العراقية التي لها كل الحق في تطبيق القوانين النافذة والموروثة اصلا من النظام القانوني العراقي منذ العهود السابقة بما تحمله من نصوص قاسية جدا في معالجة الخارجين عن سيادة الدولة والمتمردين على النظام العام ،فيما افردت ابواب عديدة في قانون العقوبات العراقي بشأن الجرائم الماسة بامن الدولة الداخلي .لقد سقط نظام الاستبداد الدكتاتوري المبني على اساس سيادة الاقلية الطائفية وتهميش الآخر ،وقد احتكم الجميع لصناديق الاقتراع عبر عمليات انتخابية ثلاث ،اتيحت لها كل شروط واسباب النجاح والعدالة ،وقد شهد لها القاصي والداني بالجدية والنجاح وغدت مثالا ومثارا للاعجاب ،فيما استحق المهمشون والمضطهدون على حقهم التأريخي في الحكم ،لكن الذي افرزته تداعيات الارهاب والنوايا الخبيثة التي تخفي تحت مكامنها الكثير من المؤامرات التي يراد منها تدمير ما تحقق من انتصار وخلق معادلة اكثر ظلما من السابق ،يدعو الى التمسك الشديد بالفدرالية ،بعدما نالت تأييد المرجعية العليا وحظيت بسندها الدستوري،وبهذا الشأن قال السيد عبد العزيز الحكيم زعيم الائتلاف العراقي الموحد: (الضمان لاستمرار الوضع الذي حصلنا عليه بعد ثلاث سنوات وعدم حدوث انقلاب عسكري او حكومة انقاذ وطني هو الفدرالية واذا حصلنا عليها فليس باستطاعة احد ان يؤذينا ولا يستطيع احد ان يتحكم بنا ويعيد المظالم مرة اخرى والفدرالية بابسط معانيها هي حكومة الناس لانفسها) . واوضح سماحته، ان هذه الموجة المضادة للفيدرالية في الجنوب سببها انها منطقة ستراتيجية مهمة تمتلك ثاني اكبر مخزون نفطي في العالم تحت اقدام سكانها هؤلاء الحفاة والعراة وهي منفذ بحري وهذا ما لاتمتلكه أي منطقة في العراق وهناك عدة دول جوار ويمكن ان يكون لها تاثير على كل المنطقة، وقال (اذا اريد للعراق حكومة مركزية فيجب ان تكون للكل ولا مركزية او اقاليم ولكن يجب ان لاتأخذ منطقة امتيازات وغيرها يحرم منها .. اذا اقمنا الفدرالية سنضمن وضعنا ونضمن مستقبلنا ومستقبل ابناءنا واحفادنا وهناك امتيازات كثيرة في الفدرالية كمشاريع الاستثمار وفيها ونحن الذين نقرر الاستثمار وغيره ونرى ما هو الصالح ونعمله) .لقد تكونت النظم الفيدرالية كرد فعل مباشر للخشية من الانفراط والتشتت ،وقد تمكنت من ترصين وحدة الاقاليم وتخليصها من تالنزاعات الازلية ،وبالتالي صارت سببا لوحدة الشعوب الاقليمية في الدول ذات الاثنيات المختلفة ،ان ارقى الدول في العالم هي ذات نظام فيدرالي لا نظام مركزي صارم. مثلا على ذلك سويسرا. فهي تدعى بالاتحاد الفيدرالي السويسري لأنها تضم العديد من الكانتونات ذات الاستقلالية الذاتية والمرتبطة في ذات الوقت بالدولة الفيدرالية. كذلك النمسا والمانيا والامارات العربية المتحدة كاقرب تجربة ادت الى تحويل هذه الدولة من مشايخ متخلفة يمكن ان تستهلكها النزاعات الحدودية ،الى انموذج راق للازدهار الحضاري، فالفدرالية هي نفسها نظام الولايات الذي كان صورة الحكم الوحيدة التي عرفتها الدولة الاسلامية حتى سقوط الحكم العثماني،وهي نظام سياسي من شأنه قيام اتحاد مركزي بين مقاطعتين أو إقليمين، أو مجموعة مقاطعات وأقاليم، بحيث لا تكون الشخصية الدولية إلا للحكومة المركزية مع احتفاظ كل وحدة من الوحدات المكونة للاتحاد ببعض الخصائص الادارية الداخلية، بينما تتنازل كل منها عن سيادتها في العلاقات الدولية التي تنفرد بها الحكومة الاتحادية، كعقد الاتفاقيات والمعاهدات أو التمثيل السياسي، ويكون على رأس هذا الاتحاد، رئيس واحد للدولة هو الذي يمثلها في المحيط الدولي.والفيدرالية كمفهوم حقوقي ونظام سياسي، هو في الواقع، توفيق أو توليف بين ما هو متناقض في بعض المفاهيم، وفي عناصر بنية النظام، أي بين الاستقلالية والاندماج، وبين المركزية واللامركزية، وبين التكامل والتجزئة. وفي بعض الأنظمة الفيدرالية بين القومي وشبه القومي، إذ يتخذ النظام الفيدرالي أشكالاً مختلفة وفقاً لتراكيب السكان والكيانات المتحدة – القومية، العرقية، التاريخية، اللغوية، أو الدينية … إلخ، هذا إلى جانب تكوينات اتحادية سابقة لأمم وشعوب وأقوام وأديان مختلفة، كما في الاتحاد السوفيتي (السابق) ويوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا.اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha