نبيل محمد سمارة
في لحظة فارقة من الصراع، وعند مفترق طرقٍ سياسي وعسكري، لم تكن غزة وحدها. فحينما علا دويّ الصواريخ في سماء تل أبيب، وارتجف كيان الاحتلال تحت وقع الصواريخ الإيرانية، تنفّس الفلسطينيون في غزة الصعداء، لا فرحًا بالدمار بل نشوةً بالإنصاف، وشعورًا نادرًا بأن هناك من يردّ الصفعة بصفعة، ومن يقف معهم لا بالكلمات، بل بألسنة النار.
دافع عقائدي لا تزعزعه المصالح
لإيران، وفقيهها الأعلى السيد علي خامنئي، موقف ثابت من فلسطين لا يعرف المساومة. هو ليس مجرد موقف سياسي أو تكتيك إقليمي، بل دافع عقائدي متجذر في وجدان الثورة الإسلامية منذ انتصارها عام 1979. فقد وُلدت الثورة وهي ترفع شعار "الموت لإسرائيل"، وتعتبر القدس قضية الأمة المركزية، لا قضية حدود، بل قضية كرامة وهوية دينية وإنسانية.
هذا الموقف لم يتغير رغم العقوبات والحصار والمؤامرات الدولية. بل ازداد عمقًا، وارتبط بدعم عملي متواصل، ظهر جليًا في تسليح فصائل المقاومة، وتقديم التكنولوجيا والخبرات، بل وحتى في بناء قدرات غزة الصاروخية التي باتت تُرعب الكيان في كل مواجهة.
غزة... الفرح الصامت تحت القصف
حينما انطلقت الصواريخ الإيرانية في ردّها الأخير على الاعتداءات الصهيونية، وبلغت عمق تل أبيب، لم تكن الفرحة في غزة عادية. كانت دمعة في العين وابتسامة في القلب. لم تكن احتفالًا بالحرب، بل تأكيدًا أن الدم الفلسطيني لم يُهدَر عبثًا، وأن هناك قوة إقليمية كبرى تقف خلفه، لا تبحث عن تطبيع، ولا تتودد لواشنطن، بل تمضي بثبات في مواجهة المشروع الصهيوني.
الشباب في غزة تبادلوا التهاني، وكأنما أصابت الصواريخ شظايا من ثأرهم. وفي عيون الشيوخ الذين عايشوا النكبة، لمع بريق أمل، بأن الأمة لم تنس فلسطين، وأن القدس لا تزال تعيش في وجدان الأحرار.
وفاء الفلسطينيين لإيران... موقف لا يعرف النكران
رغم الظروف القاسية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، ورغم تعدد القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الملف الفلسطيني، إلا أن الوفاء الشعبي لإيران ظل حاضرًا. ليس فقط لأن إيران قدّمت ما لم يقدمه آخرون، بل لأنها فعلت ذلك دون مقابل سياسي، ودون أن تُساوم على الثوابت.
قادة المقاومة، وعلى رأسهم كتائب القسام وسرايا القدس، لم يخفوا يومًا شكرهم لطهران، وأكدوا مرارًا أن ما وصلت إليه المقاومة من قوة هو بفضل الدعم الإيراني، ماديًا وعسكريًا وتقنيًا. وفي كل مرة تنفجر فيها جولة قتال، تعود الجماهير الفلسطينية لرفع صور قادة محور المقاومة، وتصدح الحناجر: "شكراً إيران".
في الختام...
ما بين دافع عقائدي في طهران، وصمود أسطوري في غزة، ووفاء لا ينسى من شعب جُبل على المعاناة، تتجلى قصة نادرة في عصر التحولات. قصة أمة تُعيد كتابة التاريخ، لا بالحبر، بل بدماء الشهداء وصواريخ المقاومة. وبين طهران وغزة... طريق واحد محفور بالإيمان والكرامة.
https://telegram.me/buratha
