( بقلم قاسم محمد كفائي )
كنتُ في الباكستان يائسا من السفر الى الخارج بمساعدة مكتب الأمم المتحدة في إسلام آباد منها لأسباب ذكرنا بعضها في الحلقة التاسعة من – عالم المخابرات - . قلنا أن تعطيلي في الباكستان كان بمثابة الضوء الأخضر لكل قوى الشر للتخلص مني وبأية وسيلة . كنتُ التقي مترجم المكتب كلّ شهر في المصرف لأستلام راتبي وكذلك باقي اللاجئين . ذات مرّة فكّرتُ مليّا وصممت على طرح أمر له بهدوء أعصاب وتواضع . فاقتربتُ منه وسلمتُ عليه وكان طيّبا بمهنية وله دور ومصداقية عند مسؤولي المكتب فهو يعرف الكثير من خزعبلاتهم . قلتُ له إسمع يا شريف ، قال تفضل أخ قاسم . قلت أنا لم أكن عميلا لأيران على الأطلاق والسلام . فمسك بيدي وقال : عندك ورقة ؟ قلت وماذا تريد بها ردّ عليّ قائلا : أكتب طلب للسؤال عن سفرك … أكتب الآن . لم أذهب معه بعيدا فسكتُّ وكتبتُ بالعربية حوالي سطرين فقط فأخذها مني وقال سيأتيك الرد.بعد أقل من عشرة أيام استلمت رسالة فيها موعد حضوري في مكتب الأمم المتحدة . ذهبت وأجريت تحقيقا وباركوا لي أن اسمي ذهب الى السفارة الكندية في إسلام آباد لغرض قبولي بالسفر الى كندا وسيأتي الرد لاحقا . لم أنتظر طويلا حتى استلمت الرسالة وفيها موعد المقابلة . ذهبت الى السفارة الكندية ودخلت في الموعد على المحقق المختص فسألني عن إسمي وبعض الأسئلة لخمسة دقائق وقال سيأتيك الرد . عرفت أن الأمر فيه فبركة وبحاجة الى تعطيلي مدة أطول ، ولكن الأمل يبقى يملأ القلوب بمشيئة الله تعالى . جاء الرد وبُلّغتُ به بالرفض .الى الآن يبقى دور المكتب ليبحث لي عن دولة أخرى تقبلني فانتظرتُ أشهرا حتى وصلتني رسالة تطلب فيها سفارة كندا حضوري فيها مرة أخرى .. ذهبت على الموعد . دخلتُ على الموظف المختص فأجرى معي تحقيقا دقيقا ومفصّلا وكانت معه على الطاولة خرائط العراق فطلب مني تعيين مواقع عديدة منها موقع بيتي ومواقع أقربائي في العراق . عرفتُ في حينها أني سأسافر وكنتُ أحسّ بضيق في صدري من هذا السفر، وأحس بانغلاق في القلب .
للمرّة الأولى يجري هكذا تحقيق مع لاجىء في الباكستان . ما جرى على غيري قط . في المقابلة الأولى والثانية أعطيتهم أسماء أولادي الثمانية أما تواريخ تولدهم فاعتذرت عن تقديمهم فقبلوا اعتذاري واتفقنا على تواريخ تقريبية . بعد أقل من عام غادرتُ الباكستان فوصلتُ مدينة فانكوفر في آب من عام 1993 . لقد سرّني العيش فيها وأنا حذرٌ جدا بكل تنقلاتي وتصرفاتي . لكنّ الذي عطّل سروري والى اليوم هو مشهدٌ حصل معي عندما كنتُ أعيش في قرية جميلة وهادئة بعيدا عن ضوضاء المدينة ، جاء شخصٌ ونزل من سيارته أمام داري وأخذ يراقب الدار يمينا وشمالا ولما رآني فزع وعاد مسرعا من حيث أتى . بقيتُ أترقب وبقيتُ أقلب أخماسا وأسداس ومن خلال فهمي بوضعي العام وسلوكي اليومي عرفتُ أن هذا الرجل هو دبلوماسي عربي . والدي في ذلك الوقت كان ( أسيرا ) في معتقل رفحاء آل سعود ومعه بن بنته وزوجته … محمد كاظم علي نصر الله ، شاب رياضي لا يتجاوز الثانية والعشرين من عمره ، قوي الجسم ، وصحته ممتازة . ذهب الى الطبيب لأمر بسيط فقرر الطبيب إدخاله المستشفى .. في نفس الليلة دخلا عليه إثنان لم يعرفهما أحد من المرضى وزرقاه إبرة بحجة المعالجة فغفى بسببها ومات ودفن هناك . كان ولده جعفر صغيرا وصادق في بطن أمه العلوية المظلومة . هذه الواقعة لها أسباب وجذور لم افلح بترميمها قبل الأغتيال في زيارتي الخاصة الى بيت الملحق العسكري السعودي أبوحازم . فمباحث آل سعود هم الذين قتلوا ولدنا محمد ، ولنا موقف منها لا يلين . نعود مرّة أخرى الى حالة تعطيل سروري .. أنا أعرف جيدا أن الرجل الدبلوماسي ( مباحث ) الذي جاء ليستكشفني لا يستطيع أن يتحرك لمسافة (130 ) كم من فانكوفر الى قريتي مالم يكن لمخابرات كندا علم بتفاصيل غامضة وهامة مسبقا مما يستوجب التغطية له طوال الطريق . في القصة تفاصيل أخرى نكتفي بهذا القدر . نعود مرّة أخرى الى الباكستان حيث المترجم شريف المصري من أصل باكستاني . كنتُ لقرابة خمسة سنين أستفسر عن سفري فلا أجد غير جواب – مافيش ولا حاجه لك يا سيد قاسم - . ولما اقتحمت الأسلوب البارد بعد نفاذ صبري بطريقة تذهب كلماتها الى عمق مشاعرهم ومنهاجهم ومسؤولياتهم لأقول الى شريف أنا ليس عميل الى إيران . عندها وجدوا ضالتهم فقال ضابط السفر مرة الى أحد العراقيين المقربين لهم ( لا نعتقد أن السيد قاسم له ارتباط مشبوه … ) ، فأجاب ذلك الرجل بالأثبات نعم ليس عنده ارتباط مشبوه . هكذا عشتُ حفنة سنين من عمري مع أغرب مؤسسة مخابراتية وأخطرها ، وهكذا كان دور السفارة الكندية في أسلام آباد في ضربي وتعطيلي ليستمر الدور وأكتشف أن وصولي الى كندا كان عملا دراميا خفيا وخطيرا ، وكان بمثابة تنقلات مسجون من سجن الى آخر حتى تحقيق حالة وفاته بأذكى الطرق والطفها ديمقراطية وأحلاها مذاقا . إنها الحيل التي تضع الضحية في خندق التصفية فيظنها الفردوس ثم يموت أو يسجن أو يصبح معلولا . والى حلقة أخطر منها من حلقات عالم المخابرات
قاسم محمد كفائي
كاتب عراقي _ كندا
https://telegram.me/buratha