( بقلم طالب الوحيلي )
من مظاهر الشارع البغدادي التي اعتادها الناس كثير ،تزاحم سير الجهات الأمنية المختلفة ،وكلها تنذر المارة بكافة أنواع الإنذار ،ولاسيما الصياح والتعنيف واطلاق النار في الهواء بقصد إفساح المجال للقادم ،دون ان تعرف من يكون .
فإذا كان الأمر يخص القوات الحكومية او القوات المشتركة او الشرطة بمختلف ألوانها او سيارات الإسعاف ،فهو أمر فيه نظر ،ويمكن تبريره لان الدافع اليه يتعدى الحدود الدنيا للحرية الفردية بل ويقتضي تضامن الجميع من اجل إنجاح الخطط الأمنية او إجراءات التدخل السريع التي قد يجد الباحث عن الأمن انها قد تكون متخلفة امام الكم الهائل من الحوادث اليومية التي تجتاح الشارع العراقي بعمومه ناهيك عن العاصمة ،بل تقتضي حالات الاستخفاف بعمل تلك الأجهزة من قبل البعض الذين يفضلون خرق النظام او ترك الأمور سائبة ،الى اتخاذ إجراءات صارمة ضدهم ماداموا لا يعبأون بثقل المسؤولية وجسامة الهم اليومي الذي تحاصره الكوارث الدموية في أي لحظة وعند أي مفترق طرق او ساحة مزدحمة بالكسبة او عابري السبيل .بل تجد الرضى يرتسم على وجوه الكثير من المواطنين حين يشعرون انهم تحت رعاية ورقابة رجال الأمن ،لكن الأمر يأخذ منحا آخر ،حين تفاجأ بعجلات تسير بسرعة جنونية وقد اشهر راكبوها أسلحتهم المختلفة بوجوه المارة ومستقلي السيارات ،وهم يعنفون من يضايقهم بسبب صعوبة السير وحراجة الطريق ،دون ان تعرف هوية هؤلاء هل هم حراس شخصيين لمسؤول حكومي او سياسي او انهم زمرة إرهابية في طريقها لارتكاب جريمة او انها انتهت للتو من ارتكابها !!
ويقف بذهول رجل المرور بين ان يتعرض ذلك الموكب فيداس بالأقدام ام يلوذ بصمته مادام غير قادر على اتخاذ القرار المناسب وهو محق دون شك لانه قد يقع بورطة لا تحمد عقباها ،ولاندري أي ضوابط تحكم رجال الشرطة او نقاط الجيش المنتشرة اذا ما مرت بهم تلك المواكب المريبة ،سوى انها توحي بكونها حمايات شخصية او قوات حماية منشئآت التي تجاوزت اعداد عناصرها حتى فاقت عدد رجال الشرطة ، اذ بلغت إعداد المنتسبين اكثر من 140 الف رجل موزعين على الوزارات،كما أشار إلى ذلك السيد عبد العزيز الحكيم في حديثه الأخير لوكالة فرانس بريس، وقال (هناك الان 33 مجموعة في الوزارات يمكن ان نطلق عليها ميليشيات ارتكبت جرائم كبيرة بحق الشعب العراقي ،وهناك مجاميع موجودة في الشارع نحن مع ادخالها في وزارة الدفاع وستتحمل الحكومة حماية المواطن وفي نفس الوقت تعطي الفرصة للناس من خلال لجان شعبية مرتبطة مع الشرطة في كل منطقة بالتنسيق مع مراكز الشرطة) .
لقد جاءت هذه الدعوة ضمن سياق البحث الجاد عن استراتيجية وطنية للامن ،حيث اشر الى واحدة من المعضلات الخطيرة التي أسست لها إدارة الاحتلال قبل مرحلة تسلم السيادة الوطنية ،حين ابيح تشكيل هذه القوة كوسيلة لملئ الفراغ الأمني قبل التأسيس لوزارتي الداخلية والدفاع الجديدتين ،لكن الامر ينبغي ان يستدرك الآن بعد ان قطعت تلك الوزارتان أشواطا بعيدة في تطورهما المطرد ونجاحهما في فرض النظام في ميادين وممارسات عديدة ،فيما ينبغي ان تدعم بمؤسسات استخباراتية ومعلوماتية غير إجرائية ،أي لا تتعدى صلاحياتها إلى سلطة الضبط والمداهمات التعسفية .
المتابع لعمل قوات حماية المنشئآت يجد أنها قد تعثرت كثير في الإيفاء بمهامها في وزارات ومؤسسات كثيرة ولعل ذلك يذكرنا بالقوة المكلفة بحماية الروضة العسكري المقدسة ،حيث كانت بعهدة ما يناهز الخمسين عنصرا ،ومع ذلك ارتكب الإرهابيون جريمتهم الكارثية بعد ان تمكنوا من تقييد العناصر الخمسة الذين كلفوا بواجب حماية مرقد في وسط إرهابي طائفي مستعر ،ومعروف لدى الجميع ما يعنيه نهب او تهديم مرقد مقدس قد يكون سببا لإشعال حرب لاتنطفيء نارها ،وقد أنهي الأمر بطريقة قد يراد منها إخماد الفتنة الطائفية ،لكن ذلك لا يعفي قوة حماية المنشآت تلك من المساءلة كما ينبغي ، كما ان ما كلف لحماية الطاقة الكهربائية او المنتجات النفطية وخطوط نقلهما من أعداد هائلة واموال طائلة يضعنا أمام تساؤل عن مدى جدواها وذلك مدار تساؤل المواطن العراق الباحث عن حياة تليق بتعبة وصبره.
https://telegram.me/buratha