المقالات

رجال في ضمير الامة سماحة آية الله الراحل السيد محمد رضا الشيرازي (طاب ثراه)


( بقلم : ميثم العتابي )

تختلف رجالات الأمم في كل زمان ومكان، وحسب الطبيعة الخاصة لهذه الأمم والشعوب، فمن رجالات فكر وتحرر وشخصيات وطنية لها الدور البارز في إظهار الحقوق الإنسانية والمطالبة المستمرة بها. إلى رجال خطّوا بدمائهم صفحات التاريخ ليبقوا شعلة منيرة يستدل بها الأجيال ويهتدوا بخطواتهم نحو مجد وضعوه وما تركوه من إشراقة تتعطر بها صفحات الزمن.

وفقدان أي من هذه الشخصيات ذات الأبعاد الإنسانية، يعد خسارة كبيرة تصيب الناس أجمع لا فقط الحيز الذي كانت تشغله هذه الشخصيات، ما لهذه الشخصيات من أبعاد إنسانية مهمة، مهما كان تعاملها مقتصر أحيانا على المستوى الإقليمي أو ذا الإطار المحلي الضيق، فالإنسانية بحاجة دوما إلى أي بذرة ومهما كانت في سبيل إسعادها، والتقدم بها وحفظ كرامتها.

والتاريخ الإسلامي مليء بهذه الشخصيات العظيمة التي حاولت وما تزال الحفاظ على الخط الواضح للمنهج الإنساني، والعمل الدائم على دعم الحركة الإنسانية بكل جوانبها ومتطلباتها ومشاريعها. ذلك منذ قيام الدولة الإسلامية الأولى بقيادة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثم إكمال هذا النهج بيد أبنائه من ذريته من أهل البيت صلوات الله عليهم، متجليا ذلك في الحضور الدائم للأئمة عليهم السلام وما مارسوه من التضحيات البالغة الجسام والدور الخطير في سبيل الارتقاء بالإنسان، وجعل كلمة الله هي العليا.

ولإتمام الدور الإلهي المنوط بهم في سبيل الإنسانية وخلق مجتمع كريم يليق بما أوصاهم به الله جل في علاه، انبرى أبناء المعصومين عليهم السلام إلى التصدي بكل طاقاتهم وشحذ هممهم في سبيل الدرب الذي خطّه لهم جدهم الاكبر الرسول الاكرم محمد ابن عبد الله صلوات الله عليه وآله وسلم، وما سار عليه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب سلام الله عليه، وما أظهره جليا الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه، وما خلده الإمام الحسين في يوم عشوراء من معاني سامية وبطولة وتضحية فريدة، ولا يخفى دور الأئمة في التصدي الدائم للظلم والطغيان وقول كلمة الفصل بالحق، كل ذلك كان ملهما للعلماء الاجلاء من شيعة أهل البيت عليهم السلام ومن أبنائهم.

ولقد كان الدور البارز للحوزات العلمية في العراق كان ومازال متمثلا بحضوره الدائم والكبير على المستوى السياسي والاجتماعي والديني، وماله من ثقل واضح في صنع القرار والتصدي في اللحظة المناسبة لأعداء الدين والمذهب والإنسانية بشكل عام.

ومن خلال الفترات المتباينة التي مرت بها الساحة العراقية وما شهدتها من تغيرات واسعة ومختلفة جاءت تأثيراتها بشكل مباشر على جميع الدول والطوائف والشعوب الأخرى، ذلك منذ بداية القرن الماضي حيث نرى ان الشارع العراقي قد تصدى للإحتلال البريطاني بقيادة مراجعه الكرام.

ولا يخفى ان من اعرق العائلات التي تصدت إلى العمل الحوزوي سواء على الصعيد الفكري أو الجهادي، هم العائلة العريقة التي أنارت بعلمها الآفاق وملئت بنورها الأرض، (عائلة الشيرازي) هذه العائلة والبيت والمدرسة التي أنجبت الفحول الذين أظهروا قدرتهم في التفوق والارتقاء.

وكان من بينهم نجمهم الزاهر سماحة آية الله العظمى الإمام المجدد الثاني الراحل سليل البيت العلوي الطاهر السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته). حيث كان قدس سره نموذجا رائعا لما أراده الرسول الأكرم وأهل البيت صلوات الله عليهم، متمثلا ذلك بعلمه وعمله، بسيرته واجتهاده، بتربيته الروحية للأمة، بنهجه وسلوكه وأخلاقياته الفردية السامية، بأبنائه من ذريته وما خلفه فيهم وأستودعه لديهم.

وبعد رحيل سماحته إلى جنان الخلد إلى جوار أجداده رضوان الله عليهم، باتت الأمة تعلق الآمال تلو الآمال على اخيه المرجع الديني الحالي السيد صادق الشيرازي (دام ظله) وأبناء الامام الراحل السيد محمد الشيرازي (قده) لما يحملونه من فكر متحرر غير مقيد بالتطرف والتعنصر والتخندق والتحزب والتكتل، وما يحملونه من وجهة نظر بعيدة الأمد وفي الوقت ذاته قريبة من الحياة العلمية للناس أجمع ومتطلباتهم وحاجاتهم، لما تتوق الإنسانية لهم فيما يختصون به من تجدد وتفكر وتمحور لتنظيم العلاقات بين الناس اجمع، وبينهم وبين الخالق سبحانه.

لذا كانت الأعين مشدودة والقلوب تهفو نحو ربيع الفكر ومساحة التجدد إلى سماحة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي، العالم الرباني والفقيه الذي بذل للدين وخدمة أهل البيت ما بذل، فكان مسيرة حق تتجه نحو الله سبحانه وتعالى بكل إخلاص، في سيرته وأعماله وعلمه ونصيحته وإرشاده ووعظه وأخلاقه.

بيد اننا نريد والله يفعل ما يريد، حيث وفي صبيحة احد ايام جماد الأولى الاخيرة وبعد صلاة الفجر، وبعد ما كتبَ وصيته الصغيرة التي وُجدت في جيبه لاحقا، أغمض سماحته عينيه ليتجه بروحه وقلبه وكيانه إلى بارئه وخالقه سبحانه وتعالى، وكأن الجنة اشتهت مقدمه، وكأن الملائكة سالوا الله ان يرفعه لهم فيكون بينهم ومعهم، فغاب نجم في ربيع آوانه ليكون الخسران للأمة من بعده والذهول يلفها، هذا الصرح المجاهد العالم الفقيه الروحي الرباني، هذا الفقد هو الفقد الإنساني لما كان تجتمع في شخص سماحته من عناصر الانسانية الجمعاء وما يبشر به من خير للأمة ككل.

كان مشتاق لمجاورة العلي الاعلى، واللحاق بأجداده الذين سبقوه فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
البحراني
2008-06-12
السلام عليكم شكرا للأخ الفاضل كاتب المقال لم تجانب الصواب أخي الفاضل وعظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب
عبد الأطهار
2008-06-10
بسم الله الرحمن الرحيم . والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريّاتنا قُرّة َ أعيُن ٍ واجعلنا للمتّقين إما ما أولئك يُجزون الغرفة َ بما صبروا ويُلقّو ْن َ فيها تحيّةً وسلاما ,صدق الله مولانا العظيم عندما نسترسل فيما رأيناه من هذا السيد الجليل الذي ربما يعرف عنه البشر النزر القليل ولكنّ المعرفة الكاملة من الطبيعي أن تكون عند الخالق الذي يهب ما يهب لعباده الذين يعلم بهم وبأسرار قلوبهم ما عندهم من مزايا لا يمتلكها غيرهم وأقول ونحن ودّعنا سيدنا ومولانا وشفيعنا عند الشفاء ودّعناه بحسرات تقتلع القلوب من مكانها وآهات تفتفت الضلوع ودموع تُحرق العيون مع أننا ليس لنا به قرابة ولا جمعتْنا دراسة ولم نكن نعرف هذا الرجل المبارك إلاّ عندما نُطفيءُ كل قناة وكل إذاعة عندما نرى أو نسمع شخص هذا السيد الفاضل أو نسمع صوته فكان شخصه لا تفارقه عيون إذا رأتْه ُ لما يمتلك هذا الجسد الطاهر من مؤهّلات تسرّ الناظرين وكان صوته لا تملّ آذان ٌ منه إذا سمعتْه ,وأقول ونحن على هذه المعرف القليلة بهذا السيد المبجّل وقد أخذ منّا ما أخذ من دموع وحسرات وآهات وأنّات فكيف بمولانا أمير المؤمنين عندما فارق أخا له وأي أخ سيد الأولين والآخرين وسيد الخليقة من ألفها الى يائها فكيف به وقد فارق الحبيب وذا الخلق العظيم وكيف به ثانية وقد فارق سيدة الأخلاق وسيّدة النساء وأم أخيه رسول الحق , وهكذا رحل هذا السيد المبارك ليلقى جدّه رسول الله وجدّه أمير المؤمنين وجدّته الزهراء فهنيئا لهذا العالم العامل ولهذا العالم الزاهد ولهذا العالم المعلِّم ولهذا العالم المفيد وقد لايأتي الزمان بمثلهِ قبل أن يقضي الله أمرا كان مفعولا -عبد الأطهار-
ابومحمد الساعدي
2008-06-10
اعلى الله تعالى درجاته مع الصديقين والشهداء اسال الله تعالى ان لايحرمنا من انوار ال بيت محمد
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك