( بقلم د. علي عظم )
التيارات والأحزاب السياسية لابد أن تكون لها نظرية حكم سياسية, علاوة على نظرية عمل اقتصادية واجتماعية, لاسيما بعد أن أصبحت في سدة الحكم, وفي عالمنا العربي وصل الإسلاميون إلى الحكم وعن طريق الانتخاب لأسباب أسهينا في تناولها في حلقات سابقة أساسها السياسة الأمريكية المتقلبة والقائمة على دعم الدكتاتوريات طوال القرن العشرين, واليوم نريد أن نستشف مستقبل تلك الحركات والأحزاب الإسلامية من خلال التجربة العلمية, حيث تبدو إنها ذات مستقبل غامض إن لم نقل مستقبل غير موفق إذا بقيت ضمن إطارها الحالي.
الأسباب من وجهة نظرنا متعددة وكثيرة يأتي في مقدمتها التراجع على المستوى الشعبي, إذ إن الشعب العربي في الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلى الحكم خاصة الهيمنة على السلطة التنفيذية مثل العراق وفلسطين أو الدول التي أصبح الاتجاه الإسلامي احد المكونات السياسية في البرلمان "السلطة التشريعية" كما هو الحال في مصر والأردن والجزائر والسودان, وتراجع المد الشيعي يعود إلى عدم مقدرة تنفيذ البرنامج السياسي الذي وعد فيه الإسلاميون وهو برنامج آني من جهة وغير قابل للتطبيق من جهة أخرى بسبب التدخل الخارجي وبخاصة الأمريكي كما هو الحال في العراق بصورة مباشرة كما يظهر من خلال تشكيل الحكومة الذي فرض فيها السفير الأمريكي أفكاره مثل قضية تشكيل حكومة ائتلافية على حساب الاستحقاق الانتخابي وتظهر الصورة جلية فيما يخص وزير الداخلية والدفاع, أو فتح الحوار السياسي مع المسلحين واجتماعات السفير الأمريكي المتكررة بقياداتها وتحول عملياتها ضد الشعب بالدرجة الأساس مثل اجتماعات السليمانية, وبالتالي أصبح الشعب يشك في تصرفات كل الأحزاب السياسية ومنها الإسلامية بل النظرة إليها على إنها تريد تحقيق مكاسب ذاتية دون الالتفات إلى مصالح عامة الشعب وتعاملها مع قوات الاحتلال وفق ذلك التصور لاسيما وان الشعب العراقي نزف كثيراً من الدم بسبب الفتنة الطائفية
أما فيما يخص فلسطين فقد لجأت الحكومة الأمريكية وبدعم من الأوربيين إلى فرض الحصار الاقتصادي بدعوى إن الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس حكومة إرهابية, وهذه السياسة قد استفادت منها حماس أكثر مما تضررت, حيث لفتت أنظار المسلمين في العالم إلى طبيعة السياسة الأمريكية التي تساند الإرهاب الإسرائيلي المنظم ضد الشعب الفلسطيني دون تميز, بل انعكس الموقف الأمريكي سلباً على الرئاسة الفلسطينية التي تحظى بدعم أمريكي, إذ أصبحت كل خطوة تخطوها الرئاسة نحو السلام موضع شك لدى الشعب الفلسطيني والمسلمين بصورة عامة, وهذا يعني إن سياسة التطويق الإسرائيلية - الأمريكية اقتصادياً وسياسياً ضد حكومة حماس لم تؤتي ثمارها المرجوة, مما دفع الأوربيين إلى استئناف المساعدات الاقتصادية, للشعب الفلسطيني ولو محدودة وفق آلية معلنة على إنها لن تمر عبر الحكومة وهذا يعكس تراجعاً في السياسة الأوربية - الأمريكية عما كانت تعلنه قبل تسلم حركة حماس الحكم.
وأما مسالة الاستفتاء حول ما يسمى بوثيقة الأسرى فهي تكتيك سياسي من أطراف متعددة عربية مثل مصر والأردن كما يبدو وبتوجيه من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أوربية مثل بريطانية فهذه الخطوة هي الأخرى محكوم عليها بالفشل, ولهذا نرى بان مستقبل الحركة الإسلامية في فلسطين في المدى المنظور ستحقق فوزاً بسبب السياسة الأمريكية ولكن يبدو بعد قيام الدولة الفلسطينية ستواجه الحركة الإسلامية انحساراً شعبياً, لان مبرر وجودها يتجه نحو الزوال وهو تحرير فلسطين, وتحرير فلسطين بالكامل وإنهاء وجود دولة إسرائيل أطروحة لا يؤمن بها حتى الإسلاميين الفلسطينيين والسبب الآخر في تراجع المدى الإسلامي وهذا على المدى البعيد في تقديرنا, العالم العربي يرتبط بنقطتين أساسيتين الأولى, هي لابد أن يحدث تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي إذ إن السياسة الحالية لم تثبت نجاحها لا في العراق ولا في إيران ولا في فلسطين التي قطعت شوطاً كبيراً في البناء الديمقراطي, ولا يمكن للساسة الأمريكان العودة إلى سياسة الخمسينات من القرن العشرين القائمة على احتضان الحكومات الدكتاتورية مثل مصر والمغرب والسلفية مثل السعودية بل الانفتاح على أنظمة دول العالم العربي والإسلامي بشكل متزن قائم على احترام المصالح المتبادلة, وهذا يؤدي إلى تراجع المد الإسلامي, وصعود المد الليبرالي.
والسبب الآخر تأثير العولمة حيث تؤدي تلك الحالة إلى الانفتاح بالنسبة للعالم العربي والإسلامي على العالم الآخر اجتماعياً وسياسياً مما يؤثر في بناء مجتمع متعدد الأطراف وبناء أنظمة سياسية قائمة على التعددية وهذا يعني بان التيار الإسلامي لا يشكل إلا تياراً من تيارات عدة خاصة وان الفكر السياسي للتيارات الإسلامية مبنية على أسس تاريخية فيها كثير من التزمت والتي لا يجرؤ الساسة الإسلاميون على تغييرها أو تطويرها كي تلائم العصر, مما يؤدي إلى ابتعاد الجماهير بشكل كبير.
د. علي عظم رئيس الجامعة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha