المقالات

مدينة الصدر .. صورتان من الامس واليوم


( بقلم : احمد عبد الرحمن )

قد لايحتاج المراقب والمتابع الى جهد كبير او وقت طويل للمقارنة بين ماكانت عليه الاوضاع في مدينة الصدر قبل ابرام الاتفاق بين التيار الصدري والائتلاف العراقي الموحد، والذي نص على انهاء المظاهر المسلحة وترسيخ سلطة الدولة وهيبة القانون والتعاون للضاء على الجماعات الخارجة عن القانون، وبين ما امست عليه بعد ابرام الاتفاق.ولعله في كلمته في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الثلاثين من شهر نيسان-ابريل الماضي، رسم رئيس الوزراء السيد نوري المالكي صورة دقيقة وواقعية عن حقيقة الواقع القائم في مدينة الصدر.

من بين ما قاله المالكي في المؤتمر الصحفي "نحن نريد ان نبني، او نهدم الاخلاقيات السابقة، نواجه بمن يصر على ادامة الاخلاقيات السابقة، ادامة اخلاقيات حزب البعث، ادامة اخلاقيات التحكم وتهميش الاخر، اخلاقيات السيطرة والتهديد وفرض الاتاوات وانشاء المحاكم، هذه كلها تتناقض مع العراق الجديد، ونحن نبني على ان نواجه هذه الجهات التي تصر على الاستمرار بعقلية الجهل وعقلية السذاجة والضعف".

و"حينما تتحول مصالح البلد الى مجالات لكسب المال تحت عنوان هيئة اقتصادية او مؤسسة اقتصادية تجبي الاموال من خلال المقاولات لايمكن ان نبني الدولة، ويهدد المواطن ويهدد الموظف في مختلف دوائر الدولة، فكل يوم نسمع عن احد المواطنين العاملين في اجهزة الدولة اما هو او عائلته تعرض الى قتل او اعدام، لايمكن ان نبني الدولة ويأتي التجار ويقولون انقذونا من الاتاوات، دوائر كاملة وكأنها دولة الى جانب الدولة، لايمكن ان نبني دولة ويأتينا اصحاب محطات الوقود ويقولون انقذونا من الذين يفرضون علينا اسعارا زائدة وضرائب اضافية".قد تكون تلك الاشارات السريعة والمقتضبة في حديث رئيس الوزراء غيض من فيض، وتعبير وانعكاس لهموم ومعاناة شرائح وفئات اجتماعية عديدة في مدينة الصدر ومناطق ومدن اخرى عانت اشد المعاناة من سطوة وهيمنة الجماعات الخارجة عن القانون.

ينقل احد المواطنين، الذي يعمل تاجرا في سوق الشورجة ان مجموعة مسلحة جاءت اليه في احد الايام الذي صادف ذكرى استشهاد احد الائمة الاطهار عليهم السلام ، وبكلمات نابية وبخه افراد المجموعة لان فتح متجره في تلك المناسبة، وطلبوا منه اغلاقه وماكان منه الا ان اذعن لهم ليسلم على حياته وحياة العاملين معه، وبعد دقائق قليلة وبينما هو يعيد بعض المواد الغذائية الى المخزن المبرد للحفاظ عليها من التلف جاءه احد افراد المجموعة وقال له الم نأمرك بأغلاق المحل، ورد عليه التاجر بأنه فعل ذلك وانه يحتاج الى دقائق لاعادة السلع الى مكانها المخصص لتجنب تلفها، فما كان من ذلك الشخص الا ان صوب سلاحه الى اجهزة تبريد المخازن ليخربها بالكامل ويغادر المكان!.

وهكذا فأن الامثلة والشواهد المماثلة او المشابهة لتلك الواقعة كثيرة جدا، ويصعب عدها واحصائها، وكان ضحاياها نساء ورجالا واطفالا، واناسا من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، وكانت تبعاتها قطع ارزاق وتخريب ممتلكات عامة وخاصة، واشاعة اجواء ومناخات الرعب والفزع والقلق في نفوس الكثير من الناس بطريقة تذكر بعهد النظام الصدامي البائد، حينما كان ازلام الامن والحزب والمخابرات والاستخبارات وفدائيي صدام يسومون الناس سوء العذاب.

ان الاربعة او الخمسة اعوام التي تلت الاطاحة بنظام صدام شهدت ظاهر ومظاهر عديدة عبرت تعبيرا دقيقا عن سلوكيات الحقبة البعثية السابقة، رغم اختلاف التسميات، وكان لمدينة الصدر حصة الاسد في ذلك، وهو ما انعكس على الواقع الحياتي والامني والسياسي العام على ابنائها، وجعل المعاناة تمتد وتتواصل بينما كان مفترضا ان تطوى صفحة المأسي والويلات بطوي صفحة نظام صدام.

ولاشك ان تلك الاعوام شهدت غيابا شبه كامل للدولة بأجهزتها الامنية والعسكرية عن تلك المدينة وحضور واضح وملموس ومؤثر في توجيه مسارات الامور للجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.وهذه التجربة ربما كانت كافية للتدليل على ان التهاون مع كل من ينتهك القوانين ويتجاوز على سلطة الدولة، ويتعدى على ارواح وممتلكات واعراض الناس ويروعهم، ويجعل حياتهم جحيما لايطاق، لم يؤدي الا الى نتائج كارثية، تفاقمت يوما بعد اخر حتى بلغ السيل الزبى ولم يعد الناس يحتملون المزيد من المعاناة، وراحت صرخات استغاثاتهم تتعالى وتصم الاذان.

واتخاذ الدولة عبر اجهزتها امنية والعسكرية ومؤسساتها السياسية والقضائية المختلفة الاجراءات الحازمة والحاسمة والجادة لوقف حالة التداعي الامني وتمادي الخارجين عن القانون، في البصرة ومدينة الصدر والموصل وقبلها الانبار وديالى والديوانية ومناطق ومحافظات اخرى، اثبت ان ذلك يمثل الخيار والحل الافضل والانجع للتعامل مع من يصر على الاحتكام الى منطق ولغة السلاح لفرض اجنداته ومطاليبه، والسير بالاتجاه المعاكس لمنطق القانون والنظام والدستور، والمشاركة الايجابية في بناء البلد ودفعه الى الامام.

صورة مدينة الصدر اليوم التي تبدو مختلفة الى حد كبير-ان لم يكن بالكامل-عن صورة الامس، تعني اشياء كثيرة وكبيرة ومهمة، لكن ينبغي القول انه ما زال هناك ما ينبغي انجازه، ولعل الخطأ الاكبر هو التوقف عند ما تم تحقيقه والاكتفاء به دون مواصلة السير الى الامام، لان هذا من شأنه ان يعيد الامور الى الوراء او يهيء الارضيات والاجواء لعودة صورة الامس القاتمة والمظلمة، وهذا ما يخشاه، وما لايتمناه ابناء مدينة الصدر الطيبين والشرفاء والمخلصين والمضحين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك