المقالات

أنا وأنت وهو..!


الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي ||

 

قال تعالى: ((قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) سبأ 24.

          في ظل صراع الارادات الحاكمة التي تحيط بالإنسان وسط جنسه الذي يشايعه في كثير من المشتركات السلوكية والفكرية ويتقاطع معه في بعضها يحاول كلٌّ منا إثبات نفسه وهُويَّته بما يسعه من المحاولات التي تختلف في وسائلها وسُبلها لينتج عنها سلطة وجدانية تختلج في دواخلنا وتقود بنا إلى شبهةٍ نتصور فيها أنَّ التمام والكمال لا يغادرنا والنقص قرين من يخالفنا, وبذلك تتسع الهُوَّة بيننا ولا يستقرُّ أمرنا, فكلٌّ ينشغل بنقص غيره ولا يلتفت إلى ما ينقصه بعد أن انغمس في لذات البحث عن سقطات غيره ففاته ما سقط منه. 

          أمَّا الخّطاب القرآني فقد وجَّه معالجة الذات في محور (الأنا) بمحاورة الآخر المتمثِّل بـ (أنت), ولم يتغافل عن الغائب الذي تضمَّنه (هو), فكل الذوات في ميادين الصراع من أجل إثبات الهوية يسعى إلى إظهار البعد الايجابي ويتغافل عن الجوانب السلبية التي تكمن فيها خطورة النقص؛ لذلك أكَّد الخطاب القرآني على لغة أخرى في الحوار لقبول الآخر بما هو عليه, من منطلق أنَّي أتبنى الصحيح وقد يراودني الخطأ وغيري يتبنى الخطأ وقد يكون مصيباً, وهذه اللغة بحدِّ ذاتها لها القدرة على استيعاب الآخر بالرغم من شراسته وهيمنته كما أنا.

وقوله تعالى((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ)) يخلق جوًّا من القبول من لدن الآخر المتمثل بـ (أنت)؛ إذ يُشعره بأنَّ احتمالية خطأ المنتج وصحة المتلقي غير بعيد؛ لذلك يمكنه أن ينسجم مع الخطاب ويتراجع بقصد مراجعة الذات لاحتمال وقوع الخطأ في مرحلة ما من الحوار, وهذا الأمر يحقق منجزاً في مجال التنمية البشرية بأسلوب قرآني من شأنه أن يهب ثقافة قبول الآخر إلى حدٍّ ما من دون اللجوء إلى الحكم غيابياً أو مسبقاً كما في كثيرٍ من اللقاءات والمجادلات التي فقدنا فيها قدرة استيعاب الآخر ففقدنا بذلك فرصة الوصول إلى المساحات المشتركة التي نتفق على كثرتها بين الفُرقاء.

إننا جميعا بحكم اختلاف الثقافات والمشارب نتفق على ضرورة التواصل وإنتاج الخطاب بما يتوافق مع قدرة المتلقي على الاستقبال, فليس من الحكمة النفخ في البوق المفتوح الذي يتسبب في هدر طاقاتنا من دون أن نحصل على أدنى طموحاتنا؛ ومن هنا فإنَّ الاحتكام إلى المناهج السماوية في الوصول والتواصل أقرب من غيرها التي جاءت عرضيَّة عبر نظريات مفضوحة قد يُفاجؤها العيب والتغيير بمرور الزمن, على خلاف القوانين السماوية القرآنية التي جاءت شفاء لما في الصدور واستوعبتنا أنا وأنت وهو عبر سلسلة من الحقوق متبوعة بواجبات تضمن صلاح حالنا ونهضة مجتمعنا.   

 

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك