( بقلم : المحامي ماجد شناطي نعمة )
يقول الدكتور منذر الشاوي في مؤلفه القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية العراقية، سنة 1966 ص 21 ( .... غالبا ماتثبت السمات الأساسية او فلسفة الأنظمة في الدستور . فمن الدستور يمكن ان نعرف الى حد كبير تحت أي نظام يعيش بلد ما ) ويقول الدكتور حسان محمد شفيق في مؤلفه الدستور ، سنة 1981 ص7 ( ومما لأريب فيه ان أقامة الدستور ووجوده في الأنظمة السياسية قد اقترن كثيرا بالنضال من اجل الحرية السياسية والديمقراطية . ألا ان الواقع يشير بان العديد من الأنظمة السياسية ومع تبنيها للدساتير فانه لايستبعد ان يكون الدستور عمليا ماهو ألا تكريس لحكم الفرد او القلة كما هو الحال في دساتير ألمانيا الهتلرية او ايطاليا الفاشية ، كما ان كثير من دساتير دول العالم الثالث فقدت محتواها ومضامينها كقواعد منظمة للسلطة وللعلاقة مابين السلطة والمجتمع ، بحيث أفاد وجود اعلان دساتيرها أشارة الى استقلال هذه الدول ليس الا ، وهذا مايلاحظ من تعاقب وتغير الدستور بصورة مضطردة في كثير من دول العالم مما يبين عدم اكتراث والتزام السلطات بالقواعد الدستورية حين وقوع احداث سياسية مهمة في البلد ) ولأهمية القواعد الدستورية ولضمان عدم مخالفتها وجعلها حبرا على ورق ، فغالبا ماتنص تلك الدساتير على نصوص واضحة تضمن المحافظة عليها وعدم خرقها مع الإشارة هنا الى ان مجرد وجود النص لايكفي ان لم يقترن وجوده بوضع الآلية الحقيقية والواضحة للتقيد به ، من هنا فان المشرع الدستوري العراقي وعند أقراره الدستور عمل على وضع الضوابط التي تضمن التقيد به وذلك من خلال :أولا : التأكيد على مبدأ سمو الدستور : ويعني هذا المبدأ اعتبار الدستور أعلى وأسمى قانون في الدولة ولا يجوز مخالفته ، وان أي مخالفه لأحكامه توجب البطلان للأمر المخالف للدستور، سواء كان ذلك الأمر تشريعا وطنيا أو محليا او تعليمات او أنظمة او قرارات ، ويذهب الأستاذ د.محمد كامل ليلة .في مؤلفه القانون الدستوري 1971.ص 111 إلى القول بان مبدأ سمو الدستور يعني ( ان قواعد الدستور تكون لها مركز الصدارة بالنسبة لسائر قوانين الدولة . ولهذا يتعين على السلطات احترام نصوصه وقواعده والعمل في نطاق الدستور وبمقتضاه . فالدستور يعلو ويسمو على القوانين الأخرى العادية الموجودة في الدولة ) وتبعا لذلك يشير الأستاذ الدكتور حسان محمد شفيق في كتابه الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة .2007 ص 261 إلى انه ( من هذا يمكن ترتيب ثلاث مبادئ أو افتراضات على سمو القواعد الدستورية بالمقارنة مع القوانين العادية الموجودة في الدولة . وهو ما يصح بالقول بوجود تدرج في التشريعات الموجودة في الدولة تتدرج في التشريع بحيث تكون القواعد الدستورية في قمة الهرم القانوني والقواعد القانونية تكون قاعدة هذا الهرم . يستتبع من ذلك : أولا : الثبات النسبي للقوانين الدستورية : ويعني هذا المبدأ بان المشرع العادي لايستطيع تعديل النصوص الدستورية بمثل مايستطيع من تبديل النصوص العادية .ثانيا : لايلغى قانون دستوري ألا بقانون دستوري أخر : أي أن القوانين الدستورية لايمكن فسخها أو تعديلها ألا بقوانين دستورية جديدة فالقانون الدستوري الذي هو أسمى درجة وقوة لايمكن أن يلغى او يعدل بواسطة قوانين عادية .ثالثا : وجوب عدم تعارض القوانين العادية مع أحكام الدستور : فالمنزلة السامية التي تحتلها القواعد الدستورية في النظام القانوني تدعو بان لاتشرع قوانين تتعارض مع القواعد الدستورية ... ويوجب هذا المبدأ التزام المشرع في حدود فقرات الدستور من حيث استعماله لسلطته وصلاحيته) ولقد أكد الدستور العراقي النافذ على هذا المبدأ في المادة (13): بقوله :(اولاً :ـ يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في إنحائه كافة، وبدون استثناء. ثانياً :ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الأقاليم، أو أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه) ثانيا : تأسيس المحكمة الاتحادية العليا : لم يكتف المشرع الدستوري للحفاظ على الدستور بإقرار مبدأ سمو الدستور وفقا لنص المادة 13 من الدستور ، بل حدد وبشكل واضح وبنصوص دستورية الجهة التي ستأخذ على عاتقها موضوع الحفاظ على الدستور من خلال تأسيس المحكمة الاتحادية العليا تلك المحكمة التي تأخذ على عاتقها مهمات هامة تدخل في أطار الحفاظ على مبدآ السمو والعلوية للقواعد الدستورية اذ أكد الدستور في مواد عديدة على أحكام هذه المحكمة وصلاحياتها وقراراتها اذا عالج هذا الأمر في المواد 92و 93 و94 منه إذ نصت المادة (92): أولا :ـ المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً.ثانياً :ـ تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.في حين نصت المادة 93) ) على اختصاصات المحكمة الاتحادية بقولها تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي:أولا :ـ الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة .ثانياً :ـ تفسير نصوص الدستور.ثالثاً :ـ الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الإفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة. رابعاً :ـ الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.خامساً :ـ الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الأقاليم أو المحافظات.سادساً :ـ الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون.سابعاً :ـ المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.ثامناً : ـ أ ـ الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.ب ـ الفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للأقاليم، أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم .في حين اعتبرت المادة 94 من الدستور قرارات المحكمة باتة بقولها (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة). ولقد أصدرت هذه المحكمة قرارات عديدة تضمنت تفسيرا للدستور كشفت الغموض عن نصوصه وأعطت الفهم الواضح له ، وقدر تعلق الأمر بالموضوع محل البحث فقد سبق لنا أن اشرنا وعند صدور قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم وفي بحثنا الموسوم ( الدستور وقانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم ) وبحثنا الأخر ( صلاحية تعيين وإقالة الأجهزة الأمنية بين الدستور وقانون مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم ) المنشوران في الكثير من مواقع الانترنيت ، إلى بعض النصوص التي_ وحسب اعتقادنا _ وجدنا فيها مخالفة لبعض نصوص الدستور ، وأكدنا في بحثينا السابقين ، ونؤكد هنا أيضا ان الغاية من تسليط الضوء على هذه النصوص القانونية ، هو لمحاولة تجنب الصياغة القانونية المخالفة للدستور التي قد تربك الوضع القانوني للدولة ، وذلك لضمان بناء الدولة على أسس قانونية سليمة ومتينة ، من هنا ، فأننا سنقف في هذا البحث لنتحدث عن موضوع أخر يتعلق بالصلاحيات التشريعية لإصدار القوانين المحلية تلك الصلاحيات التي منحت لمجالس المحافظات بموجب قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم منطلقين من أهمية السلطة التشريعية كونها تعتبر من السلطات الهامة في الدولة لما لها من دور هام يتمثل بإصدار القوانين التي تنظم شؤون الدولة والفرد على حد سواء ، وتؤدي الى خلق المراكز القانونية الجديدة او إنهاء المراكز القانونية القديمة او تعديلها و تعمل بالتالي على بلورة الأفكار أو الرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في حياة الأفراد والمتبناة من قبل الجهة الراعية للعملية التشريعية ، ولقد مرت عملية تشريع القوانين وإصدارها وإقرارها بمراحل عديدة ، فمن السلطات الفردية التي كانت تستحوذ على عملية اصدرا القوانين والأوامر وتقوم بتنفيذها بصورة فردية ، إلى أن وصل الأمر وبعد دوران عجلة الحياة المدنية في جوانبها المتعددة الى تأسيس الهيئات التي تأخذ على عاتقها عملية صياغة القوانين ، ولقد تعددت التسميات التي تطلق على تلك الهيئات التي تختص بالتشريع فتارة يطلق عليها اسم مجلس النواب وتارة المجلس الوطني وتارة مجلس الأمة او المجلس التشريعي ، ولكن مهما تعددت او تغيرت التسميات فان القاسم المشترك بين الجميع هو أنها جميعها تمارس وظيفة إصدار التشريعات ، ولم يكن الدستور العراقي بعيدا عن هذا الموضوع ، فقد عالجت نصوصه موضوع السلطة التشريعية ، وكيفية تشكيلها ، وكافة المسائل المتعلقة بها بنصوص دستورية نظمت الجوانب المتعلقة بهذه السلطة فقد اقر الدستور تأسيس مجلس النواب باعتباره الجهة المختصة في الوقت الحاضر بإصدار التشريعات فاصدر هذا المجلس قوانين عديدة على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة ويعتبر قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 الصادر بتاريخ19/3/2008 من تلك القوانين الهامة جدا واحتوى على نصوص غاية في الأهمية لعل أهمها يتمثل بمنح الصلاحيات التشريعية لتلك المحافظات وذلك من خلال أقرار هذه الصلاحية في نصين وردا في القانون ونعتقد أنهما جاءا مخالفين للدستور، ويعزز قولنا هذا قرارا صادرا عن المحكمة الاتحادية العليا، وسنتناول هذا الموضوع بالبحث منطلقين مما أوردناه في أعلاه من خلال استعراض المسائل في أدناه : أولا : النص القانوني محل المناقشة .ثانيا : النصوص الدستورية ذات العلاقة .ثالثا : قرار المحكمة الاتحادية العليا .رابعا : المناقشة .خامسا: المقترحات .أولا : النص القانوني محل المناقشة:ذهب قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 الصادر بتاريخ19/3/2008 الى منح الصلاحيات التشريعية لمجالس المحافظات وذلك في مادتين :1- المادة (2) الفقرة اولا التي نصت على : ( مجلس المحافظة هو أعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن الحدود الإدارية للمحافظة لها حق إصدار التشريعات المحلية في حدود المحافظة بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية)2- المادة (7) الفقرة ثالثا التي نصت عن هذه الصلاحية التشريعية بقولها : (يختص مجلس المحافظة بما يلي: ثالثاً:إصدار التشريعات المحلية والأنظمة والتعليمات لتنظيم الشؤون الإدارية والمالية بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية).فالملاحظ هنا من خلال النصين أعلاه أن قانون المحافظات قد أعطى الحق لمجالس المحافظات في تشريع القوانين المحلية والأنظمة والتعليمات لتنظيم الشؤون الإدارية وفقا لمبدأ الإدارة اللامركزية وان كلا النصين أكدا على وجوب أن لا يكون ذلك التشريع المحلي متعارضا مع الدستور والقوانين الاتحادية .ثانيا : النصوص الدستورية ذات العلاقة :لقد أكدت نصوص الدستور وبمواد واضحة على الجهة المختصة بإصدار التشريعات وكيفية تشكيلها وعملية إصدار التشريعات وحيث أن مايهمنا هو عملية إصدار التشريع فسنشير إلى المواد ذات العلاقة بالتشريع ، فقد نصت المادة (47) من الدستور على تكوين السلطات الاتحادية بقولها ( تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات).وقد أكدت المادة (48) وعند حديثها عن تكوين السلطة التشريعية بقولها (تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد). وذهبت المادة (65)وعند حديثها عن مجلس الاتحاد الى قولها (يتم إنشاء مجلسٍ تشريعي يُدعى بـ (مجلس الاتحاد ) يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانونٍ يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) وقد نصت المادة (137): على ان (يؤجل العمل باحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد أينما وردت في هذا الدستور، الى حين صدور قرارٍ من مجلس النواب، بأغلبية الثلثين، بعد دورته الانتخابية الأولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور) . مما يعني أن السلطة التشريعية ألان مكونه من مجلس واحد هو مجلس النواب الذي نصت المادة (61) من الدستور على اختصاصاته بالتشريع بقولها (: يختص مجلس النواب بما يأتي: أولا :ـ تشريع القوانين الاتحادية)ثالثا : قرار المحكمة الاتحادية العليا : قبل أقرار قانون المحافظات حدث على مايبدو مايوجب اخذ رأي المحكمة الاتحادية العليا حول تفسير بعض النصوص الدستورية ذات العلاقة بتشريع قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم لذلك فقد طلبت الدائرة البرلمانية في مجلس النواب ـ شؤون اللجان بكتابها المرقم 1/9/2751 في 26/حزيران /2007م من المحكمة الاتحادية العليا تفسير بعض مواد الدستور وقد وضع الطلب موضع التدقيق للمداولة في جلسة المحكمة الاتحادية العليا المنعقدة في 16/7/2007 وتوصلت المحكمة وذلك بموجب قرارها ذي العدد : 9/اتحادية/2007إلى الرأي الأتي: (من خلال تدقيق أحكام المادة 115 والمواد الأخرى من دستور العراق لعام2005 تبين أن مجلس المحافظة لا يتمتع بصفة تشريعية لسن القوانين المحلية ولكن يمارس صلاحياته الادارية والمالية الواسعة استنادا لحكم الفقرة الثالثة من المادة(122) من الدستور بما يمكن المحافظة من ادارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الادارية وطبقاً لاحكام القانون الذي سيشرع وفق مقتضياتها ..... ) رابعا : المناقشة :بعد ان استعرضنا النص القانوني الوارد في قانون المحافظات ونصوص الدستور وقرار المحكمة الاتحادية نطرح السؤال الأتي: (هل ان النص القانوني في قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم في المادة 2 اولا والمادة 7 ثالثا القاضي بمنح مجالس المحافظات صلاحية تشريع القوانين المحلية يتفق مع الدستور ام انه جاء مخالفا له ؟ ) ولغرض الإجابة على هذا السؤال نشير إلى الحقائق التالية :1- : لقد نصت المادة 61 من الدستور على ان اختصاص مجلس النواب يتعلق بتشريع القوانين الاتحادية مما يعني ان تشريع القوانين المحلية هو ليس من اختصاص مجلس النواب لان النص الدستوري حدد القوانين التي يشرعها مجلس النواب بالاتحادية ولو أراد أعطاء مجلس النواب الحق بتشريع القوانين المحلية لأشار إلى ذلك صراحة في ثنايا النص .2- : لقد حدد الدستور وبنصوص واضحة صلاحية السلطات الاتحادية فبعد ان حددت المادة (109): واجبات السلطات الاتحادية بقولها (تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي) وأشارت المواد ألاحقة الى اختصاصات السلطات الاتحادية فقد نصت المادة (110) من الدستور على ( تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية:اولاً :ـ رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.ثانياً :ـ وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها، لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه. ثالثاً :ـ رسم السياسة المالية، والكمركية، واصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي، وادارته.رابعاً :ـ تنظيم أمور المقاييس والمكاييل والاوزان.خامساً :ـ تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي.سادساً :ـ تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد.سابعاً :ـ وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية.ثامناً :ـ تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب تدفق المياه اليه وتوزيعها العادل داخل العراق، وفقاً للقوانين والأعراف الدولية.تاسعاً :ـ الإحصاء والتعداد العام للسكان.ومن خلال ملاحظة بنود المواد الدستورية أعلاه التي تحدثت عن الصلاحيات الاتحادية نلاحظ أنها لم تشر في ثناياها الى أي أمر يتعلق بتشريع وإصدار القوانين المحلية . 3- : بعد ان حدد الدستور الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية عاد ليحدد وفي نصوص أخرى الصلاحيات المشتركة بين الحكومات المحلية والمحافظات غير المنتظمة في إقليم والأقاليم فقد نصت المادة (114):على مايلي ( تكون الاختصاصات الآتية مشتركةً بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم أولا :ـ أدارة الكمارك بالتنسيق مع حكومات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم، وينظم ذلك بقانون.ثانياً :ـ تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة وتوزيعها.ثالثاً :ـ رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث، والمحافظة على نظافتها، بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم.رابعاً :ـ رسم سياسات التنمية والتخطيط العام.خامساً :ـ رسم السياسة الصحية العامة، بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم.سادساً :ـ رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة بالتشاور مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم.سابعاً :ـ رسم سياسة الموارد المائية الداخلية، وتنظيمها بما يضمن توزيعاً عادلاً لها، وينظم ذلك بقانون) .ومن ملاحظة الصلاحيات المشتركة أعلاه لم نجد أيضا مايشير فيها الى تحديد المسائل الخاصة بتشريع وإصدار القوانين المحلية . 4- : حدد الدستور بعد ذلك وبموجب أحكام المادة (115) صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم بقوله (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم، تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في حالة الخلاف بينهما).ومن خلال الاطلاع على هذا النص ، والوقوف أمامه جليا وملاحظة مااشرنا له سابقا وبالذات المادة 61 من الدستور التي نصت على صلاحية مجلس النواب لإصدار القوانين الاتحادية ، فقد يتبادر الى الذهن ان صلاحية تشريع القوانين المحلية هي من صلاحية المحافظات غير المنتظمة في إقليم وذلك لان الدستور لم ينص على تحديد الجهة المختصة بإصدار تلك القوانين ، وحيث ان تلك القوانين تعتبر من الاختصاصات غير الداخلة في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ( كون السلطة التشريعية الاتحادية مختصة بإصدار القوانين الاتحادية ) مما يعني ان إصدار التشريعات المحلية يدخل في صلاحية المحافظات غير المنظمة في اقليم ، ولكن ومع هذا الفهم الذي قد يتبادر الى الذهن من خلال الجمع بين النصوص الدستورية ، فأننا وعند ملاحظة نص المادة ( 122 ) من الدستور الفقرة ثانيا بالذات التي نصت على ( تمنح المحافظات التي لم تنتظم في اقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من أدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون ). والفقرة خامساً التي نصت على ( لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو أشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله ماليةٌ مستقلة ). يتضح لنا ان المشرع الدستوري لم يشر الى منح المحافظات صلاحية التشريع بل اكد على منح المحافظات الصلاحيات المالية والإدارية الواسعة وفقا لمبدأ اللامركزية الإدارية ولو أراد المشرع الدستوري منح المحافظات الصلاحيات التشريعية لأشار إلى ذلك صراحة كما نص على ذلك بالنسبة للأقاليم وفقا لما أشارت له المادة ( 121 ) من الدستور الفقرة أولا التي أعطت الحق للأقاليم بممارسة الصلاحيات التشريعية بصورة واضحة بقولها (لسلطات الأقاليم، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية) .5- : تعتبر المحكمة الاتحادية العليا الهيئة القضائية المستقلة والوحيدة التي تمتلك الحق في تفسير النص الدستوري والبت في المسائل المتعلقة بتطبيق الدستور وقد اراد المشرع الدستوري و من خلال أقرار الأحكام الخاصة بهذه المحكمة ان يحافظ على الدستور من المخالفة الامر الذي قد يعرضه الى خطر التعطيل او الانتهاك لذا فقد نص الدستور وفي مواد عديدة على أحكام هذه المحكمة وصلاحياتها وقراراتها وكما اشرنا لذلك في أعلاه ، ومن خلال الرجوع الى القرار الصادر عن المحكمة في هذا الشأن والاطلاع على أحكام المواد أعلاه وبالذات المادة 94 نجد ان المحكمة الاتحادية تشير في قرارها الى ان ( مجلس المحافظة لا يتمتع بصفة تشريعية لسن القوانين المحلية ولكن يمارس صلاحياته الادارية والمالية الواسعة استنادا لحكم الفقرة الثالثة من المادة(122) من الدستور بما يمكن المحافظة من ادارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الادارية وطبقاً لاحكام القانون الذي سيشرع وفق مقتضياتها ..... ) :نخلص :وعند الإجابة على السؤال الذي طرحناه سابقا ، فنقول منطلقين مما أوردناه في أعلاه وبالذات قرار المحكمة الاتحادية العليا بان النصين محل المناقشة الخاصين بموضوع الصلاحيات التشريعية لمجالس المحافظات المادة (2) اولاً والمادة (7) الفقرة ثالثا قد جاءا مخالفين للدستور وحيث ان المادة (13) من الدستور قد نصت على (اولاً :ـ يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في إنحائه كافة، وبدون استثناء. ثانياً :ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الاقاليم، او أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه) لذا فان موضوع منح الصلاحية التشريعية لمجالس المحافظات وفق المادة 2 الفقرة اولا والمادة 7 فقرة ثالثا يعد امرا باطلا كونه مخالف للدستور الامر الذي يوجب بطلان النصين اذا لا يجوز والحالة هذه لأي جهة بما فيها( مجلس النواب) إصدار قانون يخالف هذا الرأي الملزم الذي يستمد إلزامه من الدستور نفسه ، كونه صادر عن المحكمة الاتحادية العليا المختصة بتفسير الدستور ، والتي خولها الدستور وحدها ، الحق في تفسير نصوصه ، وتعتبر قراراتها باتة تأسيسا على احكام المادة 94 من الدستور التي تنص على ان (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة) فكان الواجب على مجلس النواب الأخذ بهذا الرأي الملزم له ولكل السلطات الأخرى .خامسا: المقترحات :اتضح لنا ومن خلال المناقشة المؤيدة بقرار المحكمة الاتحادية العليا بطلان النصين محل المناقشة كونهما وردا خلافا للدستور الأمر الذي يستوجب معالجة هذا الأمر وأبطال النصين محل المناقشة، وفي حالة وجود الرغبة الى منح المحافظات الصلاحيات التشريعية نقترح مايلي : 1- ان يصار الى تعديل الدستور وذلك بالنص في صلب المادة 122 الفقرة ثانيا من الدستور على هذا الأمر كان تعدل المادة بإضافة الصلاحيات التشريعية لها لتكون الفقرة (( تمنح المحافظات التي لم تنتظم في اقليم الصلاحيات (التشريعية المحلية) و الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من أدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون )2- وفي حالة صعوبة الأمر أعلاه أو تعذره في الوقت الحاضر فيمكن اللجوء الى أحكام المادة ( 123 ) من الدستور التي تنص على موضوع تفويض الصلاحيات بقولها :( يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات، أو بالعكس، بموافقة الطرفين، وينظم ذلك بقانون ). فعن طريق أقرار هذا القانون من قبل مجلس النواب يمكن للسلطة الاتحادية التشريعية منح الصلاحيات لمجالس المحافظات بتشريع القوانين ولنتخلص بذلك من هذه المخالفة الواضحة للدستور .
وختاما : أجد من الواجب هنا أن أشير الى أن الإبقاء على هذين النصين في صلب قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم قد يجعل من التشريعات الصادرة عن المحافظات غير المنتظمة في إقليم مشوبه بالبطلان ، ومن حق أي كان أن يثير هذا الدفع أمام المحاكم المختصة الأمر الذي يستوجب التدخل لإلغائهما وذلك لضمان الاستقرار القانوني ، لان بقائهما يعني استمرار حالة الخرق الدستوري الواضح، ويجعل قرارات المحكمة الاتحادية فاقده لعنصر الإلزام والبتات ، ويجعل من الجهود الجادة والحثيثة باتجاه بناء دولة القانون مجرد حلم بعيد المنال .
https://telegram.me/buratha
