المقالات

مشاهدة منقوصة من الشارع العراقي الجديد


( بقلم : د. نضير الخزرجي )

تأخذ النصوص كأي نصوص مقدسة كانت أو غير مقدسة، سماوية أو وضعية، بعدها الحقيقي على أرض الواقع من خلال تطبيق الناس لها، وإلا فان النصوص مفردات صماء، يستنطقها من يؤمن بها، وتكون معلومة للآخرين من خلال فعل المؤمنين بها والتفاعل معها.

لكن البعض يأخذ من النصوص جانبا ويترك آخراً، حتى وان كانت في محصلتها تقع في ضرره أو ضرر الآخرين، فعلى سبيل المثال، استقلت سيارة أجرة وأنا في طريقي من وسط مدينة النجف الأشرف إلى حي الزهراء للقاء زعيم حزب الفضيلة الشيخ محمد اليعقوبي في 23/3/2008، وبعد فترة من الزمن انتبهت إلى السائق وهو يخلع حزام الأمان، فاستغربت مرتين، مرة لأنني لم ألحظ حزامه، لأن الأصل في مثل بلداننا العالم ثالثية هو عدم التحزّم والتمنطق، ومرة ثانية لأنه خلعه ولمّا نصل بعد إلى مبتغانا، فسألته مرتين، مرة عن سبب خلعه ومرة عن سبب عدم تنبيهي لذلك ما دامت قوانين المرور صارت بهذا الحزم في التطبيق، فعن الأولى، أجابني بأننا الآن خارج إطار مراقبة شرطة المرور فلا غرامة مالية ولا هم يحزنون، وعن الثانية، أجاب بان الغرامة تفرض على السائق وليس على الراكب. شدّني الفضول الصحافي إلى الاسترسال معه، فقلت له: انك إذن تتمنطق بحزام الأمان تحاشيا من الغرامة المالية، لا لأنك تريد حماية نفسك وسيارتك والراكبين معك من أي حادث أو توقف طارئ وإلا لطلبت مني أن أتمنطق بحزام الأمان أيضا؟وكان الرجل صريحا، فأجاب بنعم، إنني أخشى الغرامة، وبما أنني أقع الآن خارج دائرة المراقبة المرورية فلا حاجة لحزام الأمان.قلت له: وماذا عني أو غيري من الراكبين؟فقال: إن القانون يؤاخذني ولا يؤاخذك. قلت له: ماذا لو توقفت فجأة لحادث أو تجنبا لوقوع حادث، أو اصطدمت بسيارة أخرى، فماذا سيحل بك وماذا سيحل بي، أو ليس نحن أمانة في عنقك؟توقف برهة، فقال: وماذا تعني؟قلت: هل سيصيبك مكروه؟ قال ربما، والأقدار بيد الله.قلت: وماذا عنّي أنا؟ ألا سيصطدم رأسي بالزجاج الأمامي أو ربما اقفز من الزجاج الأمامي سريعا إلى مقبرة وادي السلام!ابتسم السائق وقال: ربما، ولكن هذه قوانين المرور عندنا، فالسائق هو المعني بحزام الأمان وليس الراكب.ما استشفه من هذه الحوارية أن السائق ربما فهم القانون خطأ، لان على السائق تنبيه الراكب إلى حزام الأمان إذا ما نسيه أو تجاهله، بل لا يحرك عجلة السيارة إلا بعد أن يتمنطقان كلاهما بحزام الأمان، ثم إن الغرامة تقع على السائق والراكب معاً إذا تخليا عن الحزام، كما أن الغرامة تقع على الراكب أيضا إذا تجاهل حزام الأمان، فهذا ما تقول به قوانين المرور.

وبالطبع فان ارتداء حزام الأمان، هي خطوة متقدمة في العراق الجديد، فحينما سقط نظام صدام في 9/4/2003، كان العراقيون العائدون من بلدان اعتاد أهلها على التمنطق بحزام الأمان سائقا أو راكبا، سيارة عامة أو خصوصية، يتخلون عن الحزام لا لأنهم لا يرغبون بها وبخاصة في شوارع العراق التي تزدحم بالسيارات ولا تنقطع آذان الناس عن سماع زعيق السيارات، وإنما لحرصهم على أن لا يُعرفوا أنهم قادمون من خارج العراق، وابتعاداً عن الشبهات وتماهيا مع الشارع العام على طريقة حشر مع الناس عيد، وربما درءا للخطف، لكن هذه المفارقة بدأت تنحصر رقعتها رويدا رويدا مع تطبيق قوانين المرور والتشديد عليها، على أن السائق بشكل عام بحاجة إلى ثقافة مرورية، لأن حياة الإنسان أهم من خردة الحديد، وأعتقد أن هذه الثقافة ستأخذ طريقها إلى عقل العراقي سائقا أو راكبا، عندما تأخذ ثقافة التسامح واحترام القانون طريقها إلى نفوس الناس، فثقافة العنف والدماء والثأر التي زرعها النظام السابق لازالت معششة في نفوس كثيرين، والذين لم يحسن البعض منهم الاستفادة من نعمة التغيير في تغيير حال العراق إلى أحسن الحال، وظلّ يحنّ إلى الماضي الأسود كحنين القط إلى خنّاقه!ولنا مشاهدات منقوصة أخرى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك