( بقلم محمد حسن الموسوي )
لم يخطئ المالكي الهدف حينما جعل المملكة العربية السعودية اول محطة له وفاتحة عهده في زيارة دول الجوار العربية والاقليمية. فالمالكي العربي قلبا وقالبا يعي جيدا حجم وثقل المملكة وما تمثله عربيا واقليميا ودوليا. فالسعودية لاعب اساسي في منطقة الشرق الاوسط ولايمكن تجاوزها او تجاهلها اذا ما اراد احد الدخول الى دول المنطقة, وتحديدا العربية منها حيث اصبح الطريق الى العرب يمر عبر الرياض. فماذا يعني ان تكون السعودية المحطة الاولى لأول رئيس حكومة شرعية دائمية في العراق؟تعني ,فيما تعني ,البداية لإعادة الامور بين الجزيرة وبلاد الرافدين الى نصابها الطبيعي بعد أكثر من عقد ونصف من القطيعة السياسية. فبينما افتتح رئيس الوزراء المنحى عهده بزيارة بلد اعجمي هو تركيا وختمه بها ,فأن المالكي قرر ان يفتتح عهده بزيارة بلد عربي كبير هوالسعودية. وكأنه بذلك يريد تصحيح اخطاء سلفه المنحى الذي طبل وزمر مستشاروه لزيارته تركيا بالزعم انها جاءت لاعراب الجعفري عن إعجابه بنظام تركيا السياسي ونيته تقليده واستنساخه في العراق, اي استنساخ تجربة النظام السياسي التركي العلماني الذي يحكمه اسلامي هو اوردغان ومن فوقه جنرالات الجيش.
اما المالكي فالرجل غير معني بنظم الدول المجارة وغير متأثر بهذه التجربة او تلك وكذلك غير مكترث بإقامة تجارب حكم دينية يتم فيها تحويل الشعب العراقي الى فئران مختبرات تطبق برؤوسهم تجارب لنظم قد يكون طريقها الفشل ليتم من خلالها الالتفاف على الدستور الذي ينص على ان العراق بلد ديمقراطي اتحادي, بل كل الذي يهم المالكي هو اخراج البلد من عنق الزجاجة واستتباب الامن والاستقرار وتحسين الوضع المعاشي والاقتصادي للوطن والمواطنيين وفقا لإستراتيجية المسارات الثلاثة التي اعلن عنها والتي باتت مبادرته لما يعرف بالمصالحة الوطنية احد ركائزها,وحيث تؤكد المبادرة في احد نصوصها على (القيام بتحرك إقليمي عربي إسلامي متوازن من جانب الحكومة لوضع الحكومات بصورة ما يجري في العراق وكسب مواقفها إلى جانب عملية الوفاق الوطني). ولاشك ان حكومة المملكة السعودية من اكثر الحكومات اهتماما بما يجري في العراق ومن اكثر الدول تأثرا ً وتأثيرا ً به للروابط التأريخية وللحقائق الجغرافية بين البلدين.
ومن هنا تأتي اهمية زيارة المالكي للعربية السعودية والتي اراد من خلالها التأكيد على عدة امور _بالاضافة الى اطلاع الحكومة السعودية على مبادرته التصالحية_ منها: اهمية المحيط العربي بالنسبة للعراق الذي تقطنه اغلبية عربية واقلية متأثرة بالثقافة العربية والاسلامية التي تشكلان رافدين مهمين من روافد الثقافة العراقية المتعددة المنابع التي تطبع بطابعها هوية الامة العراقية, وتطمين دول الجوارالعربي ان العراق جزء من محيطه العربي والاسلامي. وايضا الزيارة جاءت لتصيغ وتكرس مفهوم الخندق الواحد والجبهة الواحدة التي تجمع العراق والسعودية ضد العدو الاساسي وهو الارهاب.
فالسعودية كما هو العراق ضحية من ضحايا الارهاب التكفيري الاعمى, ومصلحة البلدين تقتضي توحيد جهودهما في جبهة واحدة وخندق واحد ضد الارهاب الاسود الذي لايميز بين سعودي وعراقي. هذا من ناحية, ومن ناحية ثانية,لتجفيف منابع الارهاب الذي تغذية جماعات الاسلام التكفيري ,والتي يتخذ بعضها من اراضي المملكة مستقرا لها وتعمل من هناك على تقديم الدعم اللوجستي للارهاب, من خلال الفتاوى التكفيرية التي تأتي تباعا من علماء ورموز الفئة الضالة الذين يستغلون سماحة حكومة المملكة واحترامها للدين الاسلامي وللعلماء, وكذلك من خلال الخطب الرنانة وجمع الاموال تحت يافطة الزكاة والصدقات فاتخذوا من منابر صلاة الجماعة والجمعة ومن المساجد التي هي بيوت الله اوكارا لهم يغررون بالشباب ليزجوهم في المجاميع الارهابية وليرسلونهم بعد تفخيخ عقولهم بالافكار الهدامة المريضة واجسادهم بالمتفجرات للعراق ولمدن المملكة لنشر الارهاب وقتل المسلمين والابرياء الامنيين .
وكذلك جاءت الزيارة لتفتح عهدا جديدا في العلاقات بين البلدين الشقيقيين اللذين تربطهما بالاضافة الى وشيجة الدم ورابطة الدين ,علاقة الجيرة الجغرافية التي لايمكن القفز عليها بإي حال من الاحوال. تلك الروابط التي تسببت السياسات الرعناء للنظام الديكتاتوري البائد في الاساءة اليها وبخاصة بعد غزو الكويت ومحاولة غزو المملكة.
والحقيقة ان مايجمع بين البلدين الشقيقين اكثر مما يفرق بينهما. فالعراق والسعودية بلدان خليجيان وهما يمثلان سوية اكبر اعضاء منظمة اوبك بما يمتلكان من احتياطي نفطي هائل فلنا ان نتصور الدور الكبير والمؤثر في العالم الذي سيضطلعان به لو نسقا فيما بينهما سياستيهما النفطية؟ وايضا يمثلان سوية قبلة للمسلمين. ففي اراضيهما توجد اغلب رموز الاسلام ومقدساته من الحرم المكي الى الحرم المدني الى الحرم العلوي في النجف الاشرف والحرم الحسيني في كربلاء المشرفة وهذه كلها رموز مقدسة ومحترمة عند المسلميين الشرفاء والاسوياء بشقيهما اضافة الى ان كل من السعودية والعراق يمثل مركزا دينيا بما يحتويه من جامعات دينية وحوزات وبما يمثلانه من مركز استقطاب لطلبة العلوم الدينية وللعلماء.
وهذه الجامعات الدينية والحوزات اذا ماقدر لها وتعاونت فيما بينها تعاونا علميا ايجابيا ,على غرار تعاون الجامعات الاوربية فيما بينها, فانها ستعيد الى العرب مجدهم الذي خطفه العثمانيون والصفويون منهم. اي ستعيد الامامة الى قريش. وستعيد لمدرسة جعفر الصادق ألقها في الكوفة لنسمع من جديد ابا حنيفة النعمان بن ثابت وهو يردد شهادته بحق استاذه الصادق (لو لا السنتان لهلك النعمان) ولتعيد لمدرسة مالك بن انس في المدينة المنورة _الذي تتلمذ هو الآخر على يد جعفر الصادق _ مجدها ولنسمع من جديد نداء ابناء الشافعي وابناء احمد بن حنبل ومعهم ابناء زيد واسماعيل (لا يفتى ومالك في المدينة) إيذان في التسامح بين اتباع المذاهب السبعة التي تمثل مجتمعة الاسلام والعروبة. هذا جزء مما تعنية زيارة المالكي الى اشقائه السعوديين والذي نأمل ان نراهم قريبا في بغداد العراق وقد تقدمهم الملك عبد الله بن عبد العزيز لنطوي بذلك صفحة الخلافات والى الابد.
محمد حسن الموسوي
https://telegram.me/buratha