المقالات

عين على الحدث..!


 

ادريس هاني ||

 

_ على أبواب ذكرى المولد النبوي، العبرة المركزية للحدث المحمدي هو تكسير الأصنام، هبل وأصنام أخرى صغيرة، لم تكن الأصنام في الذهن العربي قضية أساسية، ابن لُحى أتاهم بمنحوتات قيل له يومها في أسواق الأردن أنها أصنام للعبادة، أدخلها إلى الجزيرة العربية، فتلقفها الأعراب ممن لم يتألهوا. وكان بعضهم إن لم تستجب له تلك الأصنام كسرها، وقال عنها: تبّا لك.

محمد عُرف بالوفاء والأمانة والصدق، والأهم أنه كان عادلا ومعصوما عن كلّ شيء، لا سيما النميمة والتّفاهةوسوء النية، كمحمد مع أوغاد الجاهلية، كالأسود في منازلة الضباع، من نهش نهشة من جسد الفرسان تضبّع؛ يقول البوصري:

ومبلغ علمي فيه أنه بشر +   +   + وأنه خير خلق الله كلهم

ويقول حفيد من تعرف البطحاء وطأته: هيهات منّا الذّلة.

تحمّدت الصلاة به وازدانت كما تعلّت وتحسّنت....

_ لعل اليأس من سلامة العقل السياسي العربي المعاصر بات محسوما، لا مجال للاندهاش، فمن أحصى على العرب مفارقاتها ورطانتها، لن يعجب من سوء التفكير والتدبير. هل يُرجى من حثالة ما تبقّى من أزمنة البؤس السياسي وفاء على الأقل؟ لم يقم مجلس حسابات حقيقي ليحاسب الأقطار العربية: كل وما فعل. لقد تفلتوا من العقاب، واكتفوا بالمغالطة. ويبدو أنّ القوى التي يفترض أن تكون حيّة بالفعل، هي خارج التغطية.

_ الاستهداف الحقيقي للعرب يبدأ من اختراق الوعي، لما تصبح النخب - وهو وصف متسامح-والمفروض صانعة المعنى وحارسة الوعي، ضحية للديماغوجية؛ لا يمكن تغيير العقليات، لأنّها أصلا ترى نفسها مركز العقل وسداده؛ طبائع الفرسان لا يعرفها إلاّ الفرسان.

_ كما هو الانحدار في العقل النظري، إن شئت اقتفاء الإثنينية الكانطية، هناك انحدار على صعيد العقل العملي؛ يمجد العربي المعاصر في المروءة ثم يتنكّر لها، سوء النّية حاضر جدّا عند من لم تنجبهم الفحولة من العرب، حين يصبح الموقف الصعب مرتهنا لمقاربات محكومة بسوء النّيّة.

_ ستكون دائما مشكلتنا مع من أخطؤوا الوعي بالمصير، من افتقدوا روح الفروسية وأخلاق الفرسان، من يتجاهلون أحاسيس المظلومين، من لا يقدّرون التّضحية، من يستهترون بالإنسان والكرامة، من يخلطون الأوراق ويتخولقوا على حين غفلة. وجب تغيير العقليات وإلاّ هلك العرب.

_ يواجه العرب تحدّيا غير مسبوق، الجزء الأعظم منه ينحدر من نظرية الألعاب، شيء من سياسة الإرغام وشيء من القوة الناعمة، العرب تاهوا في قضايا داخلية، بينما العدو يسكن في العمق، وحتى الآن هناك فقط ردود أفعال، لأنّنا لا زلنا لم نتقدّم إلى عتبة الفعل.

_ لا زال العراق يتطلع إلى اللحظة الحاسمة في الانتقال السياسي، وتعزيز الدولة العراقية. من الطبيعي أن يبلغ الجذب والاستقطاب ذروته في بلد بات مفتوحا في وجه كل الأطاريح، وبأنّ غزو العراق كان أمرا مدمّرا؛ هل الانتخابات هي من يصنع الديمقراطية أم العكس، أين المبتدأ وأين الخبر؟ في العراق بات بالإمكان التعبير بحرية، لكن التعقيد الحتمي للمصالح والإصطفافات، لا زال يساهم في هدر إمكانيات العراق الكبرى. إنّ استهداف العراق لا زال قائما، وهو متوجّه لأهم ما أنتجه العراق من عناصر القوة والتّحرر وإرادته الحرّة.

_ سوريا المكافحة لا زات تقارع كل محاولات التخريب، وهي صامدة بالفعل، واضحة أكثر من كل العرب الذين خذلوها في جامعة الدول العربية وفي مجلس الأمن، كل العرب بلا استثناء ، واليوم تستعيد عافيتها إلى حدّ أنّ من كان صامتا اشرأبّ بعنقه، ومن كان مترددا انطلق لسانه، ومن كان هاربا من الموقف انخرط في اللعبة في الوقت بدل الضائع: سوريا واضحة في كفاحها وواضحة في سياستها، والأهم في كلّ هذا وما يغريني حقا في هذه التجربة من التحدّي هو: تواضع الفرسان، هي الدولة والجيش والشعب الذي كافح بنُبل وتواضع وقلّة ادعاء؛ وما يغري أكثر أن السوريين يحترمون أنفسهم ويعرفون حدودهم.

_ لعلّ الحدث المؤلم هذه الأيام هو الكمين الجبان الذي اعترض الحركة الاحتجاجية السلمية ضد قاضي التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت، هو بتعبير آخر وجه الهمجية التي يسلكها عناصر الفتنة؛ وهم يسعون لجر هذا البلد إلى حرب أهلية. الواضح أنّ مخطط تخريب لبنان لا زال قائما، وبأنّ خصوم المقاومة يدركون تماما، أنّ امتناعها على ردّ الفعل نابع من قناعتها باستقرار الوضع في لبنان، وهم يدركون أنّ المقاومة قادرة على اصطياد عناصر القناصة ومن وراءهم، هل يسعون إلى تكرار حوادث 7 إيار؟

_ لم يبق في لبنان إلا نبض الحياة المقاومة، لقد حاصروه وضغطوا عليه بما يكفي، تجويع، فساد، تآمر، لاحقوه حتى في البنزين، ماذا تبقى إذن ليستمر شعب كهذا في الحياة؟

_ أمّا العرب، كل العرب، باستثناء سوريا، لم يساهموا في فكّ الحصار عن لبنان، أين العرب ونفطهم، أين العرب وشعاراتهم؟ هناك آلاف من اللبنانيين يغادرون البلد الذي لم يعد يُطاق، والذي يمتحن في الخدمات الضرورية كالكهرباء والبنزين وكل ما له علاقة بذلك، وانعكاسه على القدرات الشرائية وغلاء المعيشة وانهيار العملة؛ ما هو هذا المنكر الجيوبوليتيكي الذي اقترفه لبنان ليستحق كل هذه العقوبات والحصار؟ يقولون سلاح المقاومة؟ وطبعا هم لا سيمونها مقاومة، لأنّهم لا يستشعرون الخطر المحدق بلبنان، سيسمونها بأكثر من إسم اختزالي يدخل في التشويه، والتشويه بات فنّا في السياسات العربية، لأنّهم يتنابزون بالألقاب.

_ أحداث أخرى لا أجد ما يستحق منها التعليق، لأنها تدخل في خانة المراهقة السياسية وافتعال الأزمات الوهمية، تحمل تصميم البلادة السياسية واستغباء الرأي العام، التعليق الأَسَدُّ هو الإهمال، حفاظا على الصحة والسواء العقليين، وتنزّها عن الفتن ما ظهر منها وما بطن.

_ بات من الصعوبة في البيئة العربية أن تقبض على الحقيقة كلّها، الانفعال هو سيد الموقف، قيم العدالة في توزيع فرص التواصل تكاد تكون معدومة، الحقيقة تتنزل عموديا كالوحي، الخيارات ليست براغماتية - هذا توصيف خاطئ - ولكنها انتهازية؛ الفرق بين البراغماتية والانتهازية أنّ الأولى فلسفة متكاملة جاءت لتخدم مصلحة العموم، للتأسيس للفرد المجتمعي لا لمجتمع الفرد، الانتهازية، بخلاف البرغماتية تنزع للمصلحة الفردية وتقويض القيم؛ الفلسفة البراغماتية تعزز فرص التواصل، فالمجتمع التواصلي هو حقا المجتمع البرغماتي.

_ إليك جيل المحنة العربي حيثما بدا حلمي بك عظيما..وأصرّ حلمي على رؤياك عزيزا..إليك قربان قلب مزقه هدير الشّوق..ها أنذا أرسف إليك بأغلال حلم مخاتل، وصبابة حائر في دروب جنت بإشارات المرور..فأستحمل طغيان الغياب كي أعانق أمل حنين أضناه حزن المسافات بين لعبة الشرق والغرب، في ممشى مثخن _ حتى الآفاق _ بجراح صبر، لما يبرحه نزيف الانتظار..إليك عساك تصغير إلى ما تبقى من الكلام المباح....

_ كانت تلك كلمات إهداء صادحة من قلب وضمير صادق من مهاجره، في كتابي : العرب والغرب الصادر في 1998 في بيروت8_ دار الطليعة، وقدّم له يومها د. رضوان السيد، الذي سأنتقده حينما عبّر عن اللُّتيّا والتي؛ إننا نخسر أناسا كثيرين بسبب المبدأ- لكن هناك من يزايد علينا دائما بالمبدأ- وسنخسر آخرين إن اقتضى المبدأ؛ في هذا  الكتاب نبّهت إلى شيء ولا زلت أفعل: " وما لم يستيقظ الضمير العربي من سباته وغفلته(...)ويستنهض عقله المقاوم، فإنّ عملية تدمير محققة لا محالة سوف تلحق بعالمنا العربي".

_ في بداية التسعينيات، حاولت مقاربة آفاق النهضة في الفكر العربي، وكان يومها يهمني التطرق لفقرة عنونت لها بـ: الأزمة بين ضياع المحدد وثورية الطرح، وفيه أقول: " لعل تحديد الأزمة هو أصعب ممارسة يباشرها الفكر العربي، ومنها تتحدد سلامة المسيرة العملية، إن أدنى انحراف عن ذلك التحديد، سيجعل آلاف الطرحات مجرد صيحة في واد". لا زلت أرى أنّ العرب عاجزين عن تحديد مشكلتهم ومنبع أزمتهم.

_ لا بدّ أن نتأمّل وضعية المثقف العربي، فهو موضوع نقمة وتآمر من قبل السياسيين وأنصافهم، لا يتوقف الأمر على أن يكون مثقفا في برج عاجي يسخر من السياسيين ويكيل لهم ألوان الاحتقار، بل هذا حال المثقف العضوي نفسه، الذي كلّما اشتبك مع قضايا المجتمع والسياسات، كلما حصد من صنوف الإهانة والعدوان، يترك مكانه في البرج العاجي وينزل حيث خيبات الأمل. سيدرك المثقف في نهاية المطاف أنّ سكنى البرج العالي ليست قضية اختيارية، بل ضرورة أنطولوجية بامتياز.

_ يذكر فريد الدين العطار في منطق الطير حكاية الهدهد حين قال للصعوة وهي تسأله عن طريقة ما لبلوغ السيمرغ: " يا من بملاحتك وحسنك قد وصلت وجلت في مسكنتك، أنا لا أهتم بحيلك وخدعك، فمتى كُنتُ حمارا أتأثّر بخدعك؟ فلا تخطي خطوة ولا تنطقي بحرف وأغلقي فمك، فإن يحترق هؤلاء جميعا، فلتحترقي أنت أيضا، فإن كنت يعقوب كما جاء في المثل، فلن يردوا عليك يوسفك، فكفي عن الحيل، ولا تشعلي نار الغيرة دوما، حيث أصبح عشق يوسف على العالم حراما".

 

ادريس هاني : كاتب وباحث من المغرب

15 /10/2021

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك