المقالات

تفاقم الجراحات..القسم الاول


 

عبد الخالق الفلاح ||

 

عندما نقراء التاريخ نتألم لما يحدث للعراق في الوقت الحالي من جراحات بسبب عدم وضوح الرؤية الحقيقية لاستعادة مكانته الطبيعية  في جميع المجالات ، الامنية والاقتصادية والسياسية والثقافية بعد ان داهمت التحديات الكبيرة خلال العقود الأخيرة من تاريخه بنيته الأساسية إرث ًثقيلاً من الخراب والموارد والمؤسسات المتخلفة و العنف والحروب والفقر وانعدام الاستقرار وضعف الشديد في الحكم ً والهشاشة المزمنة وفقدان للكثير من أسس السلام المجتمعي وتفاقمت أوضاع البلد مع تفاقم الفساد و سوء الإدارة الاقتصادية وفقدان التوجه الاستراتيجي في عملية التنمية وجهود إعادة الإعمار رغم أنه يمتلك فرص ضمان رفاه لجميع مواطنيه، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية لما يمتلكه من الثروات الطبيعية المتنوعة تسهم هذه الموارد بمجملها  وخاصة النفط الضخمة في تنمية المجتمع عامة والبشرية والثقافية خاصة ، ولكن لغياب الاستراتيجية الصحيحة وغياب الكفاءات وانتشار الفساد لم تسهم هذه الموارد في انعاش الاقتصاد و أدت إلى تفاقم النزاعات حول السيطرة على موارد الدولة و سلطتها ونفوذها دون العناية في تطويرها،

و بنيت معظم مؤسسات الدولة العراقية بالأصل لخدمة نظام مختلف كليًا عن النظام الدستوري الفيدرالي الديمقراطي الذي هو اعلى تشريع يحدد الأسس التي تنظم المجتمع، وطبيعة العلاقة بين مكوناته، ويؤثر الدستور في حركة الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في المجتمع، ويقوم على أساسه عقد اجتماعي محدد، والحقوق والواجبات التي ينص عليها، وكان من المفترض أن يتم إنشاؤه بعد استفتاء عام 2005 ، وظلت بيروقراطية مليئة بمسؤولين غير مؤهلين للمسؤوليات الوطنية ، حتى بدرجات أدنى، كان إختيارهم قد تم بناءً على أساس الولاء دون القدرة والكفاءة. والتي غالبًا ما أدت في تطبيقها إلى تفاقم مشاكل الفساد والمحسوبية ، ومعارضة البيروقراطية وسلاسل القيادة الفضفاضة التي أعاقت تنفيذ العديد من القوانين واللوائح والقرارات الرئيسية ، مما اوصل مستوى الإحباط بين العراقيين بعد 16 عام إلى نقطة الغليان في أواخر عام 2019 ، ليؤدي إلى اندلاع احتجاجات شعبية حاشدة في بغداد والعديد من مدن جنوب العراق في أكتوبر ، رغم انها كانت سمة متكررة للحياة في العراق منذ عام 2003 ، إلا أن احتجاجات أكتوبر 2019 مختلفة اختلافًا جوهريًا من حيث مدى المشاركة وانتشارها الجغرافي ، فضلاً عن عدد الجرحى والقتلى. ، إلا أن العديد من الأسئلة الكبيرة التي أثارتها الاحتجاجات لا تزال دون إجابة ، ومعظمها يدور حول استدامة النظام السياسي بعد عام 2003 وقدرته على تصحيح نفسه بمرور الوقت.

ولو اخذنا الجانب الامني لوجدنا ان الوضع مربك تماماً في الوقت الحالي  رغم وجود العديد من القوى الامنية التي تعمل في الوقت الحالي في ظل غياب التنسيق وضعف التعاون الأمني فيما بين هذه القوى و تسير نحو الابتعاد عن البعض من ناحية التنظيم والادارة وكأنها عملية مقصودة لغرض تشتد قوتها ومن يقف خلفها. من بين الرسائل هناك أطراف لها مصلحة في إشعال جبهات مختلفة ، ورسائل أخرى تهدف إلى إيقاظ كوابيس الخوف والعودة بشعبه إلى مربع الترهيب والترويع والذعر، بعد أن استقرت الأوضاع الامنية  نسبياً..

في حين عند الحديث عن حيثيات الأمن والاستقرار نجد أنهما يقومان على مجموعة من القواعد والمرتكزات في كل دولة، ومع غياب تلك المنطلقات التي تتكئ عليها أسس الأمن تكون الفوضى، ويكون عدم الاستقرار وانعكاساته على جميع مفاصل الحياة التي قد تسبب انهيارًا مجتمعيًّا يهدّد سيادة الدولة باتجاه التفكّك على أسس الهويات الفرعية الطائفية والعرقية. وبقدر تعلق الأمر بالسياسة الأمنية للعراق نجد أنها أُسِّست على تلك المعطيات السلبية الآنفة الذكر، ولاسيّما مع مرحلة ما بعد عام 2003 التي رسختها الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يكن لديها برنامج عمل لبناء السياسات الأمنية لما بعد احتلال العراق بقصد أو بدون قصد، وكان الشرخ الكبير للسياسات الأمنية التي فرضتها قوات الاحتلال الأميركي هو حلّ الجيش العراقي والأجهزة الأمنيةـ وهذا جعل من مئات الآلاف من قوى الأمن المنحلة لعدم استيعابها قوة مضادة في بناء الدولة وانعدام الأمن، ولاسيما مع وجود المسوّغ الوطني والشرعي في مقارعة القوى الغازية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية . ولم يراد للعراق أن يستفيد من تجارب مكافحة الإرهاب في رسم إستراتيجية أمنية شاملة لمرحلة ما بعد داعش.

 لذلك اليوم البلد في حاجة ماسة لتصحيح مسارات العملية السياسية البنائة  للخروج من هذه الازمات الامنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية. ويمكن الانتصار على الفساد في أن يوفر فرصة تاريخية لتغيير مسار الخطط في البلاد نحو الاستدامة ووضع الانسان في محورها و أن عودة السلام والأمن، وجهود إعادة الإعمار وتعزيز سلطة الدولة، وإعادة بناء رأس المال الاجتماعي كلها تتطلب مزيدا من الوعي العام والخاص، واستثمار المشروعات ً التنموية التي يحتاجها البلد، مع التركيز على المناطق الفقيرة والفاقدة للامن، لضمان ترسيخ أسس العيش الكريم و السلام الدائم في تلك المناطق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك