المقالات

إعلام القطيع المُسْتنفِر

1334 2021-04-08

 

د. أمل الأسدي ||

 

إن الحياة ميدان للأحداث منذ أن أوجد الله الإنسان ووهبه الإرادة ومنحه حرية الاختيار، فكل حدث يقع، يتزامن معه فعلٌ ، ينقله ويُخبر به، فقد جُبل الإنسان علی التواصل مع الآخر! وللتواصل لوازمه المتنوعة ووسائله المختلفة باختلاف الزمان والمكان وهذا هو الإعلام وإن لم يُعرَف بهذا المصطلح!

والفعل الإعلامي يكون مواكبا لما هو سائد في المجتمع وبالقدر الذي يلبي احتياجات الفرد، احتياجه للمعلومة وتطلعه لمجاراة الأحداث، ويميل الی ما يثير  الفرد ويجذبه؛لذا نجد الشعر كان وجها إعلاميا  للعرب منذ العصر الجاهلي وحتی عصر صدر الإسلام الذي تقدم فيه فن الخطابة وانحسر تأثير الشعر، وهكذا ظل الأدب بشقيه(الشعر والنثر) وسيلة إعلامية تنقل الأخبار وتدون الأحداث.

ولابد أن نسلط الضوء علی العلاقة مابين الإعلام والسلطة الحاكمة، فهو من أشد الميادين تأثرا بها وبما تفرضه، فالحكام يصنعون إعلاما يخدم وجودهم، ويمكنهم من بسط نفوذهم وفرض سيطرتهم، فيغدقون علی من يحقق لهم ما يريدون، وفي قبالة هذا الخط الإعلامي يبرز خط إعلامي موضوعي يرفض مغريات السلطة، ويحافظ علی الثوابت والقيم، وهذا الخط نجده في كل عصر ومصر، فأينما تولي وجهك وتبحث في المصادر التأريخية تشخِّص هذين الخطين  واضحيين وبارزين!!

أما خط الإعلام الرمادي أو الحيادي،فهو بالمحصلة تابع للسلطة أيضا؛لأن اختياره لهذه المنطقة جاء إما خوفا ورهبة وإما طمعا بالمزيد، فيبقي له طريقا توصله الی جميع الجهات!!

هنا أريد التوقف عند قوله تعالی:((فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ ۞كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ ۞فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ))سورة المدثر،الآيات:٤٩-٥١

فالسياق هنا يستفهم متعجبا من شدة رفض هولاء المعاندين،فيقوم بتشبيه حالهم بالحُمر (جمع حمار)، المستنفِرة (من الاستنفار) وهو التأهب والاستعداد، واستنفرت الدابة فزعت وتباعدت،  فهولاء المعاندون لايملكون منطقا ولايُحكّمون عقلا  بإزاء الحقائق الجلية، فهم كقطيع الحمير الوحشية التي ما إن رأت القسورة (الأسد) استنفر بعضها بعضا وفروا علی وجوههم، فوجه الشبه هنا هو الحركة السريعة الجماعية للقطيع، فهو يفِرّ غير مبال لأي شيء!! وغير محتكم لأي شيء!!

هذه السياسة الإعلامية التي أطلق عليها (إعلام القطيع المستنفِر) سياسة الخط الإعلامي السلطوي، الذي نجد تمظهراته حاضرة في كل وقت، فلم تغنهم معجزة النبي إبراهيم أمام النمورد ، ولم تغنهم معجزة النبي موسی أمام فرعون، ولم تغنهم معجزات النبي عيسی!! وكذا الحال مع رسول الله الأعظم ومعجزاته الكثيرة، المادية والمعنوية، ولم توقفهم  بطولات علي بن أبي طالب الخارقة! فهم ينتمون لسياسة الحُمر المستنفرة!!

وقد لعبت هذه السياسة دورا بالغ الأثر في  قضية الإمام الحسين وأهل بيته، وظلت نافرة ومستنفرة ومُنفِّرة للآخر!!

وصولا الی عصرنا الآني، عصر التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي، عصر النفوذ والسطوة، عصر الأموال والصراعات الاقتصادية،  عصر الماديات البحتة والابتعاد عن الروح، إذ نجد  هذه السياسة  في ذروتها، وفي قمتها، نجدها ماثلة حاضرة مع أي حدثٍ يحدث، حاضرة لتمضي بالقطيع وتركض غير مبالية بالحقائق، وإن كانت هذه الحقائق كالشمس الساطعة، وإن كانت هذه الحقائق لاذعة ومضمخة بدماءالشهداء!!

إلاّ أن القطيع وسادة القطيع الذين يبادرون بالرفض والاستنفار لايريدون أن يسمعوا ولايريدون أن يتوقفوا ولو لحظات !!

فهم يدركون الحقيقة وهي شاخصة أمامهم، لكنهم من هولاء الذين أصروا واستكبروا استكبارا!!

فتجد القطيع يخرّب ويسيء ويضلل ويلفق، ويطعن، ويهتك، ويعتدي، ويتفنن في الكذب، كل ذلك من أجل اثبات عناده، وتبرير استنفاره عن الحق وتنفيره للآخر!!

هذا هو ما قلب الحقائق وزيّف الأحداث وضلل الشباب مستغلا بعدهم عن الوقائع ، فلا نستغرب مثلا أن يسعی إعلام الحُمر المستنفرة الی  محاولة تبييض صفحة مجــ-ـــرم قتــ-ـــل الناس ودفــ-ـــنهم وثـــ-ــرمهم وقطــ-ـــع ألسنتهم وآذانهم، أو محاولته في جعل مجــ-ـــرم هـــ-ــتك الأعراض واستباح الحرمات، جعله قديسا يصوم كل  اثنين وخميس!! أو جعل الطاغية عبد الله المؤمن الذي يكتب القرآن بدمه ليبين قداسته مع أن العلماء جميعهم اتفقوا علی نجـــ-ــاسة الدم إلا أن وعاظ الحُمر المستنفرة ٖأوجدوا أحكاما تشرعن هذا الفعل!!

أو أن يطعن آخر في شهيد بذل روحه ومهجته ودمه في سبيل وطنه وسكان وطنه علی اختلاف مشاربهم، يطعن به ويصنفه خــ١ئنا!

أو أن تجد القطيع يركض خلف صحفي ثبت وتمسك بنهجه بالدرجة التي أرعبتهم، فالحق دوما يرعب الباطل!!  فيلجأ إعلام القطيع الی النيل منه ومن شرفه، تارة بالتلفيق والتزوير، وتارة أخری بمطاردته والتضييق عليه، فلابد أن تصمت الأصوات التي تعكر صفو القطيع ومن يملكه!! وإلا ستبقی الحمير مستفرة ،تركض وتدوس علی من يقف في طريقها!

ومع كل ما تبذله وتسعی إليه سياستها فإنها خاسرة لا محالة! والشواهد التأريخية كثيرة جدا!

وعلی هذا... عزيزي القارئ، قلِّب المحطات الفضائية، وتصفَّح وسائل التواصل الاجتماعي، وتابع مواقف العاملين في  هذا الميدان، وشخِّص هوية الإعلامي والخطاب الإعلامي وستری بنفسك كما هائلا من إعلام الحُمر المستنفِرة الهاربة من قسورة الحق!!

ـــــــــــ

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك