المقالات

الدولة الحضارية الحديثة عند السيستاني / الحلقة الاولى


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

اعوّل كثيرا على مقولات الامام السيستاني في اعداد المجتمع لفكرة الدولة الحضارية الحديثة، لسبب جوهري وهو ان هذه المقولات تشكل اعمدة لتشييد صرح هذه الدولة في العراق. فماعدا انه فقيه مبسوط اليدين، كما يقال فقهيا، فان مبانيه الفقهية تنسجم تماما مع متطلبات الدولة الحضارية الحديثة.

وقد يعترض البعض على  هذا الربط بين فكرة الدولة  الحضارية الحديثة وبين مقولات الامام السيستاني لاسباب شتى، منها ان البعض سوف يتصورون ان السيستاني لابد انه يدعو الى اقامة "دولة" دينية، مثلا، كونه "رجل دين"، او قد يتحججون بان السيد لم يطرح نظرية للدولة ولا الّف كتابا او بحثا في المسائل المتعلقة  بالدولة، كما فعل الشيخ النائيني او الامام الخميني او السيد محمد باقر الصدر او حتى الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

وقد يكون هذا الاعتراض مقبول شكلا، لكنه غير صحيح واقعا. فدروس السيد الفقهية القديمة، ومواقفه وتوجيهاته منذ سقوط النظام الدكتاتوري تعكس رؤية متماسكة ومتكاملة ومطّردة للخطوط العريضة للدولة ومسائلها التفصيلية، تكفي لتوجيه المسار وضبطه باتجاه اقامة دولة حضارية حديثة في العراق او في غيره.

لنبدأ بفحص نقطة الشروع باقامة الدولة الحضارية الحديثة وهي منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. بهذه النقطة تحديدا تتميز الدولة الحضارية عن غيرها من الدول. بالقيم الانسانية الايجابية تكون الدولة حضارية، وبدونها تكون الدولة بدائية، متخلفة، غير حضارية.

كانت الفكرة الاولى التي طرحها السيستاني في حديثه مع البابا مسألة القيم الانسانية العليا، فقد كشف البيان الذي لخص ما دار في الاجتماع التاريخي بهذه الفقرة الافتتاحية المهمة:"ودار الحديث خلال اللقاء حول التحديات الكبيرة التي تواجهها الانسانية في هذا العصر ودور الايمان بالله تعالى وبرسالاته والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية في التغلب عليها."

وهذه اشارة مهمة في التاكيد على محورية "القيم الاخلاقية السامية" في مواجهة التحديات التي تواجه الانسانية، والتغلب عليها. ولم يفت السيستاني ان يعدد مصفوفة متماسكة من هذه القيم، التي تتضمن في جانب النفي رفض الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الاساسية وغياب العدالة الاجتماعية، و الحروب وأعمال العنف والحصار  الاقتصادي وعمليات التهجير وغيرها؛ وتتضمن في جانبها الايجابي  تغليب جانب العقل والحكمة والسلام و حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة، و التآلف والتعايش السلمي والتضامن الانساني في كل المجتمعات، و رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الاديان والاتجاهات الفكرية.

وحين ذكر الامام هذا القائمة الطويلة من القيم الحضارية العليا لم يستشهد باية او حديث لاثبات وجهات نظره هذه، لان المهم عنده الاتفاق على هذه المنظومة، تاركا للمقابل الاستناد الى مرجعيته الخاصة به للقبول والايمان والالتزام بها. وهذه نقطة في غاية الاهمية، فليس الدليل هو موضوع النقاش هنا، انما القيم نفسها، وكل المؤشرات التاريخية والواقعية تشير الى ان البشرية تسير منذ الاف السنين بخطوات متلاحقة مرة ومتعثرة مرة اخرى نحو القبول بمنظومة قيم اخلاقية وحضارية سامية ستكون في نهاية المطاف  اساسا لبناء الدولة الحضارية الحديثة بالنماذج التي تنسجم مع كل مجتمع على حده بما ينسجم ووضعه الحضاري القائم.

هذا اولا، وثانيا، حل الامام السيستاني مسالة الشرعية في الدولة، وفي وقت مبكر بعد سقوط النظام الدكتاتوري والشروع ببناء الدولة الجديدة. فقد اعلن اثناء النقاش عن قانون ادارة الدولة في المرحلة الانتقالية، اعلن السيستاني في ١٦ محرم من عام ١٤٢٥ هجرية ان "اي قانون لن يكتسب الشرعية الا بعد المصادقة عليه في الجمعية الوطنية المنتخبة".

والمعروف ان مسألة الشرعية كانت ومازالت من اخطر المسائل بحثا ونقاشا في التاريخ البشري وتعددت الاراء في بحث مصادرها، وهناك من قال ان الله هو مصدر الشرعية، او القيادة الكارزمية، او التغلب بالقوة العسكرية على السلطة، او الفقيه او غير ذلك.

 

يتبع..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك