المقالات

سوبرمان صنيعة المؤسسة الامريكية


أسعد عبد الله عبد علي

 

منذ الطفولة وانا اتذكر جيدا سحر مجلة سوبرمان, كنت اشتري اعدادها القديمة بدرهم عراقي (50 فلس) في نهاية ثمانينات القرن الماضي, قصص متتابعة تتحدث عن شاب امريكي ينقذ العالم من المجرمين, ويصلح كل ما يفسده الاشرار, كانت افكارها تسحرني عن رجل خارق يصحح كل اعوجاج الحياة, وأتساءل لماذا لم يظهر في بغداد؟ هل ان امريكا بحاجة لمنقذ وهي تعيش الحياة بأفضل صورها, لماذا لا يأتي سوبرمان لبغداد ويخلصنا من ظلم صدام, ولماذا لا يكون "السوبرمان" رجل عراقي صاحب نخوة وضمير حي!؟ وهذا ما جعلني اشعر بالخيبة من هذا السوبرمان الامريكي.

عندما كبرت فهمت ما هو هدف المؤسسة الامريكية من الترويج للسوبرمان الامريكي, عملية دك الحصون الثقافية الاخرى.

سوبرمان هو الرجل الامريكي الخارق للعادة, يحاولون جعل يده تصل لكل العالم, حيث لجأ المؤلفين الامريكان لصنع المثال الامريكي بشخص خارق في كل شيء, خارقا حتى في مشاعره الوطنية وسعيه لحماية القانون الامريكي, كيان من غير تاريخ يتم بنائه على الاساطير والخرافات, والتي تجد مهتمين في كل بقاع العالم مع انها اوهام الكتاب الامريكيين.

•سوبرمان والمجتمع الامريكي

المتتبع للمؤسسات التي تخطط للمجتمع الامريكي, انها سعت عبر الاسطورة لبناء مجتمع يحس بالتفرد والتعالي عن باقي الشعوب, واحتضنت المؤسسات الامريكية الحاكمة علماء الاجتماع الكبار والكتاب والفلاسفة المهمين,  كي يخططوا للامة الامريكية مسارات خيالها وقيمها وارثها, هذا الامر بدأ من زمن الاباء المؤسسين للولايات المتحدة وصولا الى ترامب في يومنا هذا, فالرسوم المتحركة والقصص والروايات وافلام هوليود والعاب الكومبيوتر والاعمال الادبية كلها تصب في مصب واحد, وهو اسطورة البطل الخارق الامريكي المتفرد عن باقي الامم.

وهنا نكتشف ان المنقذ الامريكي ما هو الا نسخة من فكرة المسيح المخلص الموجودة في الانجيل, ويرددون فكرتها كل يوم احد في الكنائس, لكن سوبرمان فكرة المنقذ العلمانية, الشخص القوي الذي يحارب الشر وينتصر للمظلومين من دون مقابل.

•بوش الاب والابن الخارقين

وكان الرئيس بوش الاب والابن تجسيدا للسوبرمان, حيث يعطيهم الاعلام العالمي دور المنقذ على مستوى العالم, حيث يلبي بوش الاب نداء الكويتيين, فيسرع لإنقاذ الكويت من جبروت صدام فيحاربه ويعيد الكويت للكويتيين, (مع انهم هم ما اعطى صدام الضوء الاخضر لغزو الكويت! فكانت صورة للرئيس الخارق الذي يصلح الكون ويحارب الاشرار.

ثم كيف قام بوش الابن بتخليص العراقيين من حكم الطاغية صدام (كما يصوره الاعلام بانهم محررين ), مع انهم هم من جاء بصدام ومن دعمه وسانده! لكن الصورة التي سوقها الاعلام العالمي انهم  يسعون لتحرير الشعوب من الطغاة!

وكأن صورة معبرة بالتمام عن الفكرة التي في مخيلة الامريكيين عن المنقذ الامريكي, وتحقق لها شيئا على ارض الواقع, وحتى حصار ايران الحالي يدخل ضمن قدرات السوبرمان الامريكية, وحروبه في الشرق الاوسط ضد الاعداء الافتراضيين, دفاعا عن العدل "كما يصوروه لمجتمعاتهم", الغريب ان اهم حروب سوبرمان امريكا فقط في الشرق الاوسط.

•ضرب هيروشيما ضربة خارقة

ما شهدته الحرب العالمية الثانية شيء, والضربة النووية الامريكية لليابان شيء اخر, حيث كانت ضربة خارقة للعادة منسجمة مع ما يتم تصويره في قصة سوبرمان, اي انها تجسيد لمنهج الخارق للعادة, وكانت منسجمة مع ما تربى عليه المجتمع الامريكي, لذلك كان سعيدا بتلك الفعلة باعتبارها تجلي للمنقذ الامريكي في ارض بعيدة, وعندما فعلها الرئيس الامريكي من دون اي انسانية او وخزة ضمير على الالاف من اليابانيين وهي يموتون بلحظة اختارها الرجل الامريكي الخارق, فهي تمثل صورة الرئيس الخارق الذي بحركة واحدة قلب موازين الحرب الكونية.

وهكذا ارتسمت دائما صورة الرؤساء الامريكيين على انهم من صنف الخوارق, لان افعالهم فوق قدرات البشر, وكل هذا ليس وليد الصدفة, بل تم التخطيط له بإتقان شديد.

•العولمة الثقافية عبر سوبر مان

هو محاولة عبر اسطورة الرجل الخارق ان يفتتن المغلوب بسلوك وحياة الغالب, هي سنة من سنن البشر, يقول ابن خلدون: "ان المغلوب مولع ابدا بالاقتداء بالغالب, في شعاره وزيه ونحله وسائر احواله وعوائده" ــ ابن خلدون – 1993 – 116.

 بالإضافة لتأثير وسائل الاعلام في جعل الاسطورة محببة ويتقبلها المتلقي بكل الحب, وتأثيرها اللاحق على سلوك الافراد بما تملكه من جديد يؤدي الى فرض نمط الحياة الغربية الاجتماعية على  المجتمعات الاخرى, اي انه عبر اسطورة الرجل الخارق يتم هد الحصون الثقافية والاجتماعية, وبدورها تخلق واضع اجتماعي جديد, يحمل مضامين وقيم واحلام هدامة لما كان سائد,  مثلما كرست الفردية الزائدة لتهدم التكافل الاجتماعي الذي كان سائدا في مجتمعاتنا, وهكذا حققت امريكا هدفا خبيثا عبر سوبرمان.

وللكلام بقية...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك