المقالات

عالم المخابرات – 6 الزرقاوي صنيعة المخابرات ( باء )

3389 18:59:00 2006-06-28

في حلقتنا السابقة – ألف – كنا قد استعرضنا مرحلة هامة من حياة – أحمد فضيل الخلايلة – التي تأسست فيها ثقافته الفكرية والعقائدية والجهادية بمفاهيم منحرفة ، إبتداء من المسجد وحتى إلتحاقِه في رَكب الجهاد الأفغاني برعاية المؤسسة الوهابية التي مصدر تمويلها مملكة آلسعود . وذكرنا أن الخلايلة وحتى انتهاء دراما الجهاد الأفغاني مازال نكرة لا تعرفه عامة الناس ولا خاصتُها . في هذه الحلقة نسلطُ الضوء على شأن مهم يهتم بنسخير المخابرات العالمية لحركة الخلايلة الجهادية لصالحها بغية الوصول الى أهدافها المرسومة . ف - أبو مصعب – كنية إختارها أحمد فضيل لنفسه أو إختارها واحدٌ من أصدقائه أيام الجهاد المنحرف في أفغانستان لغرض التعتيم على إسمه الحقيقي ، وهكذا يفعلُ الجميع الذين من حوله . الحدثُ الأول الذي برز فيه الخلايلة ليصير - أبو مصعب الزرقاوي – هو قتله لدبلوماسي أمريكي في عمان . جرى هذا الحدث في جوٍّ هادىء ليس فيه استنفار في أجهزة الحكومة الأردنية ، ولا بين الرعايا الأمريكيين في عمان . وما كان له أثر كبير في وقعه سوى أن عادة الأعلام الغربي يرفع النملة فيصورها بعيرا . في تقديرنا مقتل الدبلوماسي المذكور كان بمثابة رصاصة في صدر الأرهاب نفسه ، إضافة الى أنه جريمة يجب متابعة مرتكبيها ومعاقبتهم . لا أعتقد كذلك أن الفاعلين لهذه الجريمة كانوا يتلقون مُخطط العملية من شيخِهم بن لادن الذي مازال لا يثق بالزرقاوي كمساعد قوي له وهو في حالة المُتحَصِن في مغارة مجهولة من مغارات تورا بورا ، هكذا يُقال . من طبيعة عمل المخابرات العالمية أنها دائما تبحث عن وسائل جديدة وناجحة لضرب الخصوم ، وإن أنجح الوسائل التي تراها هي أن تجدها في الخصم نفسه .

جريمة القتل التي نفذها الزرقاوي جعلت منه وسيلة في منظور المخابرات الأمريكية فأخذت على عاتقها متابعته وتحديد خطواته ، فوجدت أن الزرقاوي بكل تفاصيلة ماضيها وحاضرها هو الوسيلة التي يمكن التعاطي بها والتي لم يحن قطافها ، لكنه آتٍ ، خصوصا وأن تنفيذ المُخطط لتلك المرحلة الذي يُعنى بضرب العراق وتغيير نظام صدام التكريتي آتٍ وقيد التنفيذ . فعملية ضرب النظام وتغييره أهون على أمريكا من المرحلة التي تليها وقد لا تجد المبرر لوجودها في العراق اذا لم تهِّيأ الأسباب المتاحة. من هنا فهي بحاجة الى خلط كل ألوان الصراع لدعم موقفها العسكري والسياسي والانساني ، وبذلك يكون العراق مسرحا مفتوحا للصراعات السياسية والطائفية والعرقية . فحسابات المخابرات الأمريكية لا تعتمد على الدبابة أولا مثلما تعتمد على نقاط الضَعْف التي في الخصم كثغرة يمكن النفاد منها اليه وضربه في داخل حصنه . لقد تعددت أسباب الصراع الشرعي ما بين أمريكا ونظام صدام ما بعد احتلاله للكويت عام 1990، أو بينها وبين الأرهاب الوهابي ما بعد ضرب الأبراج في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. فصارت أمريكا في الواجهة للدفاع عن المنطقة من شر نظام صدام وضرورة معاقبته على جريمة الأحتلال ، كذلك الخسارة الأقتصادية الجسيمة التي ألحقها الأرهاب في مؤسساتها جعلها أكثر حزما في اجراءاتها وأكثر مشروعية . لقد رسّخت أمريكا وجودها في المنطقة بتوظيفها مشروعية المواجهة على أسس مخابراتية أولا ، وسياسية ثانيا ثم عسكرية . 

ضمن سياق محكم تم تغيير نظام صدام ( الوسيلة وليس الهدف ) ، وبنفس السياق وصل الزرقاوي الى العراق ومعه أنصارُه . في السنتين الأولى اللتين مضتا على وجود الزرقاوي في العراق وهو يعبث بأجرامه كانت أجهزة الأستخبارات تترصده وتعرف أحيانا حتى مكان منامه دون أن تمسك به ، ودون أن يعرف نفسه محاصرا ومكشوفا . فتتعقبه ليبقى تحت نظرها ، فيفلت منها ، ثم تجد له أثرا وهكذا بينما سخّرت المخابرات المركزية الأمريكية دوائر المباحث في الأردن والسعودية والكويت وقطر لتقوم بمهمة زج عناصر شابّه من بلدانها في معركة الجهاد داخل العراق بتأثير فتاوى تصدرها شخصيات دينية مُفبركة . كذلك تسخير قنوات فضائية عديدة بأساليب ُمبهَمَة ومدروسة ، ووسائل إعلامية أخرى جعلتها في خدمة حركة الجهاد الزرقاوي في العراق ومنها مواقع الأرهاب على الأنترنيت لترويجها وتشجيع أكبر عدد من الشباب العربي بغرض الألتحاق به مهما كلف الثمن . وفي داخل العراق فهناك الأرضية الخصبة التي يمكن للزرقاوي أن يتحرك فيها بتدبير من أتباع صدام الهاربة وفق معاييرٍ طائفية تسعى أمريكا لترسيخها لتصبح هدفها الكبير ويبقى صدام والزرقاوي وسيلتان تستخدمهما المخابرات المركزية الأمريكية لتحقيق حلمها الأكبر . لقد نجح العقل الأمريكي بتصعيد الموقف ليجعل من وجوده في العراق حالة احتلال يجب مواجهتها ، ونجح في تسخير الخصم لمواجهته ثم تسخيره لأنجاز أكبر مُهمَّة كانت قد سعت لها الأدارة الأمريكية في تعميم الحرب الطائفية . فمثلما أمَّن الأمريكيون وسائل الشر السياسي في العراق وتسخير عناصره المتمثلة ببعض المنافقين لمواجهة الخط السياسي العراقي الشرعي ، كذلك أّمَّنوا وسائل الشر الطائفي المستورَد دون عناء . إنها المهمة الصعبة التي ماكان يديرها غير الزرقاوي في بلد ليس للطائفية فيه مكان .

إذن : كان الأرهاب والمتمثل بالزرقاوي وكذلك صدام وسيلة للوصول الى غاية أكبر من كل الوسائل هي ( صناعة مستقبل العراق السياسي ) . فهو الشغل الشاغل والحاجز الكبير في طريق خارطة الطريق الأمريكية بعد أن أحسّت أمريكا بفشلها الذريع في عملية ضرب الشعب العراقي بواسطة الحصار الأقتصادي المفروض إبان عهد صدام المخلوع ، وهي تدرك أن مستقبل العراق ماض لصالح الشعب العراقي لكنها وبنفس الوقت تحاول جاهدة تبديد الروح العالية عند الأنسان العراقي في تحقيق طموحاته الوطنية والسياسية . أيضا تعرف جيدا أن مستقبل العراق يمر بمد يده الى بعض جيرانه وقطع أيدي آخرين وهذا ما يعزز مخاوفها ويبدد أحلامها السياسية إتجاه العراق والمنطقة . فكثيرٌ ما نقع في متاهات تفسيراتنا كمحللين سياسيين أو وطنيين نعشق عراقنا فنردد دائما أن أسباب الوجود الأمريكي في العراق هو النفط ثم ننسى الأعتبارات الأخرى التي هي أهم من كل النفط والمعادن الأخرى . لقد غيّرت الولايات المتحدة الأمريكية مفهوم التعايش الأخوي ما بين الطائفتين الشيعية والسنية فذبحت تلك العلاقة الرَحبة بسكين الزرقاوي ، وجعلتها ثقافة عند العامّة . وبعد تحقيق الأهداف إنتهى دورالزرقاوي ليلقى حتفه الموعود بصناعة أجهزة المخابرات ما قبل أجهزة العسكر .

قاسم محمد الكفائي

كاتب عراقي – كندا

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
سيــد عطيوي
2007-10-10
المقال رائع جدأ ، نتمنى للكاتب التقدم و التطور .
ابو رقية الصدري
2006-06-30
أُشيد كثيرا بالاتجاه الذي يطرحه الاخ الكاتب ،وقد تفاجأت فعلا بتبني موقعكم لمثل هذه الاطروحات،يااتباع محمد وال محمد هذه هي الحقيقة فدخول امريكا للعراق هو بهدف ضربنا نحن وماالزرقاوي والهدام وعدنان الدليمي وطارق الهاشمي وخليل زاده الاّ وسائل لتنفيذ هذا الغرض الخبيث،فلله رب العزة نشكو حالنا،وارجوا منكم تبني المزيد من هذه الاطروحات والتي تكشف حقيقة مايجري في العراق والعالم،حتى يعلم اتباع العترة الطاهرة مايواجهون وليزدادوا ايمانا بربهم وقوة بمواجهة الطواغيت بكافة مسمياتهم،والله ناصر المستضعفين
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك