المقالات

نحو مصالحة سياسية عراقية الحلقة الاولى


( بقلم : مازن الياسري )

لعلي من الموقنين بأن الأزمة التي يعيشها العراق الجديد أو لنقل أزماته الآنية المختلفة، هي ذات خلفية سياسية بالأساس.. و بلا شك إن المعالجة الموضوعية لأي (مشكل كان) تستوجب معرفة السبب وراء المشكل ذاته.. لاتخاذ تدابير الحل.. كما هو الحال في الطب على سبيل المثال.. فالطبيب لن يتمكن من إعطاء أي علاج من دون معرفة سبب العلة.. ومن هنا أرى إن علة العراق أو واحدة من أهم علله أو بعبارة أخرى (أكثر يسرا) العلة الأكثر ضرراً على البلاد هي علة أو مشكل أو أزمة أو خلاف سياسي.. سمها كما شئت من دون أن تغفل إنها سياسية.أصل المشكل ليس وليد اليوم بالمطلق بل هو ذو خلفية تاريخية تستمد جذورها منذ عدة قرون سابقة..

حيث إن واقع البلاد منذ ما يقارب الأربعة عشر قرناً مضت ظل فيها العراق تحت مختلف الحكومات غير العراقية (إمبراطوريات، دول، ممالك، وغيرها) ساهمت في تغذية روحية المشكل السياسي التاريخي.. وهنا قد يتبادر للذهن إن وجود حكام أو حكومات غير عراقية على ارض العراق، صنعت أزمة قد نسميها (المواطن يحكم من أجنبي) على أساس إن الحكومات لم تكن ممثلة للشعب بل كانت معادية له اغلب الأحيان (وهذا ليس بالخطأ) ولكن المشكل الحقيقي في وجود حكومات غير عراقية كان من خلال (الفجوة بين الحاكم و المحكوم) المتسعة دوماً.. فالعراقي في بلده لم يستطع أن يشارك في رسم مسيرة بلاده أو سياساتها (بل بقي لفترات متعاقبة مسيرا لا مخيرا) وهذا السبب انعكس في الثورات و الانتفاضات وحالات العصيان التي زخر بها العراق كثيراً على مر العصور.

إن الأصل التاريخي للمشكلة السياسية في البلاد متشعبة و لا احسب إن تدارسها في هذا المحل من الشأن اليسير.. ولكن اليقين و الحقائق تؤكد إن المشكل السياسي عميق التأثير وقديم الوجود وتركته لا تزال تحفر في النفسية العراقية.. وحتى لا نطيل بالسرد في الموضوع، احسب إن تناول أصل الأزمة السياسية في عراق اليوم بشيء من الاختصار يفرض علي أن أبين إن أصل المشكلة السياسية في عراق اليوم أو احدى دعائمها مع تسليمنا إن المشكل السياسي ليس الوحيد، يعود إلى مرحلة الحكم الفردي الشمولي الذي خيم على العراق طوال حكم (حزب البعث) (المحظور حالياً) بالفترة بين العامين 1968 و 2003 حيث عانت المشاركة السياسية في عراق البعث أسوأ مراحلها وأشدها ظلمة.. فحكومة البعث لم تكتف بالتفرد بالسلطة بل قمعت معارضيها بأشد الوسائل قسوة.. واعتمدت نظام الحزب الواحد ثم تطورت نحو الفرد الواحد.. ومن ثم عاش العراق مرة أخرى في مرحلة يفتقد بها المواطن مواطنته من خلال سلب حريته الفكرية خاصة، ومن ثم انتهى مصير معظم الساسة العراقيين المعارضين لفكر و توجه البعث تحت أتربة المقابر الجماعية أو في غياهب السجون حالكة الظلمة ومرة التعذيب.انفتاح العراق الجديد على حياة التعددية الحزبية و النظام البرلماني النيابي حمل في ثناياه ايجابيات كبيرة و لكن لم يخل من السلبيات.. ومن البديهي أن نتفهم إن من يقبع في حجرة مظلمة ثم يخرج على أشعة الشمس اللاهبة لن يستطيع النظر وسيغمض عينيه.. وهذا عينه ما حل بالعراق الجديد، فمن حضن الاستبداد و العزلة انطلقت البلاد إلى أوسع فضاءات الحرية و الانفتاح.. (أنها تجربة عالمية فريدة بلا شك).

سلبيات الواقع السياسي الجديد تكرست في عدة ظواهر لعل أشدها تأثيراً على الشارع العراقي (حداثة التجربة) فالممارسة السياسية واحدة من معايير النجاح و الامتهان.. وعلى الرغم من إن معظم الأحزاب العراقية التي طفت على الشاطئ العراقي الجديد وخاصة المشاركة اليوم في العملية السياسية الجارية.. هي أحزاب ليست بالجديدة بل هي وليدة عقود طويلة ولها تجارب وفيرة بالعمل السياسي المعارض.. ولكن تجاربها لم تكن على أساس التعددية و الممارسة الفعلية للسلطة أو للعمل السياسي أو النيابي، بل جل دورها تمحور في العمل المعارض.. وهنا لنا وقفة.. إن السلوك السياسي المعارض هو بطبيعة الحال ليس السلوك السياسي الممارس أو الحاكم، وخاصة بالأخذ بنظر الاعتبار إن المعارضة لنظام البعث لم تكن معارضة برلمانية سياسية ايجابية بل كانت معارضة مهاجرة عسكرية احياناً وتتعامل مع احد أكثر الأنظمة العالمية قمعاً و اقتصاصاً.. كما إن الواقع الداخلي للمعارضة المهاجرة و المواجهة للأنظمة الدكتاتورية المتجبرة، ليس توافقياً أو منسجماً تحت رأي واحد.. بل على العكس تحتدم الخلافات و الآراء المتنوعة و الرؤى والطروحات الطوباوية احياناً.. على العكس من جو الممارسة الحقيقية الذي لابد له أن يكون واقعياً وجاداً ومحاوراً وتوافقياً كي ينمو ويستمر.. أو قمعياً تعسفياً كما فعل البعث أبان فترة حكمه السوداوية.

أطراف معارضة الأمس (حكام اليوم)، لم يكونوا بطبيعة الحال يمثلون فكراً و توجهاً واحداً.. وان كان قاسمهم المشترك هو إيجاد نظام بديل للدكتاتورية في بلادهم إلا إن سبل البديل أو سبيل التغير أو آلية العمل لم تكن متفقة بل عند البعض لم تكن موجودة اصلاً.. ثم إن الحركات السياسية المعارضة كانت مختلفة التوجهات الفكرية.. ومتفاوتة الشعبية والنفوذ في الشارع العراقي. ومنها الوطني والقومي والديني والعلماني، اليساري أو اليميني أو حتى الوسطي منها.

العراق الجديد فتح بابه على مصراعيه للجميع ولم يستثن احداً.. وشهدت الأشهر الأولى من التغيير السياسي في العراق (منذ 9 نيسان 2003) فتح عدة مقرات حزبية و تجمعات سياسية و لمختلف التوجهات و الأفكار.. كما ازدحمت عناوين الصحف على أرصفة بغداد من دون أن تجد أي (مقص رقيب) بل بكامل حريتها.. و العراقيون من هم قاطنون في بلادهم، ومن هم قدموا من الخارج بعد رحلات الغربة الطويلة..عملوا في الكثير من الأنشطة السياسية في رغبة جادة للمشاركة في حكم بلادهم.. ولتعويض حرمانهم الطويل من المشاركة.. فأزمة المشاركة السياسية في البلاد لم تكن وليدة اليوم كما قد يتفهمها البعض.. بل إنها أزمة قديمة كما أسلفت.

مراحل صناعة العراق الجديد سياسياً، منذ تأسيس مجلس الحكم مروراً بالحكومات الانتقالية و المؤقتة ثم الدائمة.. شهدت احتداماً للخلافات ضمن الرغبة لولوج العمل السياسي و المشاركة فيه.. ومن ثم وجدت أزمات سياسية تقع في أعماقها تحت معيار المشاركة.. أو بعبارة أخرى هي أزمات من اجل الرغبة في المشاركة أو الرغبة في توسيع المشاركة، أو بشكل أكثر طمعاً بالرغبة في الاستئثار بالسلطة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك