المقالات

طقوس عاشوراء.. وتشكيك المرجّفين

1501 20:30:00 2008-01-17

( بقلم : عدنان محمد )

عندما قدم شهر محرم الحرام لم أكن أتصور إني سأمسك قلمي لأكتب هذه الكلمات ، بل كنت عازما على أن أتقدم أكثر باتجاه وصف ما يمكن الاستفادة من هذا الشهر في تقويم أنفسنا التي أهلكتها نوائب الدهر وتكالبها في السياسة الدنيوية، لكن ما رايته من البعض من التقرب إلى ( أربابهم) بقدح طقوس عاشوراء وذمها كما هو سابق عهدهم بالتقرب إلى (أوثانهم!) بسبّ علي وأولاد علي دفعني إلى أن أشهر قلمي بوجههم عسا استطيع أن ادفع بعض هذه التخرصات التي يسوقها هؤلاء الظلاميون ضد ابسط الطقوس الدينية.

فما أن شرع المسلمون بمراسيم العزاء بذكرى استشهاد سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ترك البعض جميع أعمالهم الدنيوية والدينية ليستنفروا قواهم الخائرة بصب الاتهامات والخطابات على تلك الشعائر، ووصفها بما يروه سائرا على وفق أهواءهم، علهم يصيبون ما قد أخفقوا فيه من قبل في إثارة التفرقة بين الجسد الواحد أو التأثير على العقول الضعيفة.

لقد تصفحت الكثير من تاريخ الشعوب وعاداتها فوجدت ما يقف منه العقل من الغرائب في ممارسة طقوسهم الدينية ومشاعرهم المقدسة، ولكني احترمت حقهم في ممارسة تلك الطقوس لأنها تمثل بالنسبة لهم قداسا يحيى رمز من رموزهم ومساحة للنفس لتعبر عما بداخلها تجاه عقائدها، و لك أن تتصور على سبيل المثال لا الحصر ما تقوم به بعض الطوائف من طقوس عبادية وما يشابهها في بعض الطوائف الأخرى من عبادات خارقة للذهن، وهكذا في باقي الأديان بما فيها الطوائف الإسلامية.

فلم أجد تشكيكا من احد أو تهجما على تلك الطقوس في يوم من الأيام ولاسيما من هؤلاء المرجّفين ، أم إن الدين أصبح سياسيا أيضا وطائفيا ويخضع لقاعدة تصفية المسلمين أولا، كونهم (حسب وجهة نظر هؤلاء) اخطر من الكفار!

لينتقل بعدها هؤلاء إلى الكفار ويصححوا مسارهم بعد أن ينهوا عملهم في تصفية الدين الإسلامي!، إننا لا نعترض في يوم من الأيام على من ينقد باحترام وموضوعية ولسنا ممن يسير على طريق تكميم الأفواه أو إخراسها بل (إن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها) فنحن ننظر إلى ما يقول الشخص ولا ندقق بشخصه او هويته.

وهذا مما تعلمناه من ثورة سيد الشهداء، بان السيوف والقتل والتشويه لا يقتلان الفكر الصحيح والصوت الصادق وان بدا لبعض الناظرين قد سكن بعض الوقت بانتصار العسكري، ولكن في نهاية المطاف فأما الزبد فيذهب جفاء وان ما ينفع الناس يمكث في الأرض .

وقد ورد هذا المعنى في جواب الإمام السجّاد عليه السلام على السؤال الذي عرضه عليه(إبراهيم بن طلحة) حين سأله: من الذي غلب في يوم عاشوراء؟ فقال له الإمام عليه السلام( إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف من الغالب..) وهي إشارة إلى بقاء دين رسول الله في ظل النهضة الحسينية.

ان تلك المراسيم هي أحياء لشعائر الله واعتزاز بما قدمه سبط النبي (ص) في تلك الواقعة الأليمة، حيث يبيّن هنا سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه): (... إن من مصاديق الإحياء أيضاً المجالس التي تُعقد لذكرى وفيات ومواليد الرسول الأعظم والأئمة الأطهار، فإن إحياءها يعتبر وبلا شك، من الشعائر التي قال عنها الله (عزوجل) في كتابه المجيد: )ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج33.

والذي يعيب على هذه الطائفة قضية محددة في جملة المراسيم (التطبير على سبيل المثال) هل سينتهي لو تركت هذه الممارسة من الشعائر أم سينتقل ليقول بان اللطم بدعة أيضا وهكذا دواليك ليصل إلى إن الدمعة محرمة بدليل حديثهم (... إذا بكى أهل الميت فانه يُعذب في قبره مادام البكاء قائما!).

وكأننا لم نقرا ولم نطلع على حزن سيدة نساء العالمين (سلام الله عليها) بعد فقد أبيها رسول الله (ص) حيث بنى لها أمير المؤمنين دارا خاصة لها خارج المدينة والذي يعرف اليوم (ببيت الأحزان) ، فهل كان علياً جاهلا بالحكم الشرعي أو مداهنا ( حاشاه) وهو إمام المتقين والذي يشهد له العدو قبل الصديق بعلمه و دينه وقوته في ذات الله (عزوجل)، حيث يقول معاوية بن أبي سفيان عندما ورده خبر استشهاد الإمام علي (ع) ما نصه (.. عقمت النساء أن تلد مثلك يا أبا الحسن).

ثم ما كان من الأئمة عليهم السلام بعد الامام الحسين (ع) من إبداء الحزن على واقعة كربلاء خير دليل على إقامة تلك الشعائر، حتى وصل الأمر إلى إنهم لم يسرجوا نورا في بيوتهم ليلا منذ واقعة عاشوراء حتى ثورة المختار التقفي.

وهكذا ظل المشككون والمتقمصون لدور علماء الأمة يطلقون ما بدا لهم وما تمليه عليهم شياطينهم، متناسين بان التعبير عن الحزن وإبداء علاماته هي احتراما لتلك العلاقة الكبيرة بين الرسول وبين عترته الطاهرة في تجسيد (...قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) الشورى(23).

أما كان من الأفضل أن نجسد في هذه الأيام الوحدة الحقيقية في تعظيم شعائر الله، وجعلها شعيرة تجمع أبناء الدين الواحد على نهج العترة الطاهرة في رد الجميل لرسولنا الكريم، بدل إطلاق التهم والتحامل على طائفة تمثل جزءاً مناصفاً للمجتمع الإسلامي الكبير الذي يعتز بال محمد كاعتزازه برسوله المصطفى اللهم إلا من كان يعبد الله على حرف.

ولكم تمنيت أن لا أطلق أي كلام في هذا الصدد تأسيا بقول إمامنا الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء حين يقول لأحد أصحابه (.. إني اكره أن ابدأهم بقتال)، ولكني استأذنت بتتابع كلامه فيما بعد عندما انهمرت عليه السهام تترا كالمطر(.. قوموا إلى الموت الذي لابد منه يرحمكم الله ، فهذه السهام رسل القوم إليكم).

ونحن في هذا المقام لا نريد الا القول بان شعائرنا وطقوسنا هي تكريما لرسول الله وال بيته واعتزازا بذلك الموقف العظيم لسبط رسول الله في دفع الضيم عن الأمة وبيان الخط المنحرف من الخط الصحيح، وكشف كل من تلبس برداء الإسلام وصور للناس على إن الدين لا يؤخذ الا من أصحاب الكراسي والعروش ومن علماؤهم المطبلين لهم.

وبهذا المنظار فإن الإنسان الذي يتّبع الحقّ ويضحي في سبيل الله ودينه فهو منتصر على الدوام وينال إحدى الحسنيين، وكل من يتنكب عن مناصرة الحقّ فهو ليس بمنتصر ولا غانم حتّى وإن خرج سالماً، وقد صرح بذلك سيّد الشهداء بهذا في كتابه إلى بني هاشم والّذي جاء فيه: "من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنّا لم يبلغ الفتح",اللهم بلّغنا اللهم فاشهد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
البيضاني محمد
2008-01-19
من :m_albeehany@yahoo.com الاخ العزيز عدنان عظم الله لكم الاجر بمصاب رسول الله وال بيته في فاجعة التاريخ التي تتكرر كل يوم. 1- لابد من الاصرار على اداء الشعائر وكل اسلوب يجذرها ويفتح المشاركة لكافة ابناء المجتمع 2- تطوير الاساليب الاحتفالية امر مطلوب والاستفادة من المؤثرات الحديثة مفيد 3- لابد من السعي لايجاد تطبيقات عملية تعكس بركة الثورة وتحقق اهداف الامام في ايجاد مجتمع متكافل قوي متراحم مثلا ( كم كان دور الحسنيات وهي ابتكار له نشاط على مدار السنة ) 4 - استمرار فائدة المحرومين يوميا
Abu Ali
2008-01-18
عزيزنا الكريم الأخ عدنان المحترم.. عظّم الله اجورنا وأجوركم بمصاب سيد الشهداء (ع). أخي الكريم: إحياء ذكر ومناسبات أهل البيت واجب على كل مسلم. ومن ينكر ذلك فهو ناصبي ضال و مضل ولا يختلف إثنان في ذلك. يجب علينا إحياء يوم العاشر بحزن وكأنما الحسين أستشهد نفس السنة. ولكن علينا أن نعترف بأن هناك خدوش في الطقوس التي تمارس خلال محرم. الذي نريده من مراجعنا الأعلام وضع بعض المعايير لإقامة الشعائر وتكون مدروسة دراسة تخدم مذهب التشيع الحق والوقت الذي نعيش فيه ولا تسبب خدوش في هذه الشعائر والطقوس.
هدى الموسوي
2008-01-18
بوركت ايها الاخ الكريم فوالله مهما عملنا ,نحن بنظرهم كفار ..انظر الى ماقالوه عن حزب الله والسيد حسن نصر الله وبعد قيامهم بضرب العدو والكل يقول ان اسرائيل عدونا ومع ذلك فانهم كفار رغم ان الشعائر التي يقومون بها ليس فيها تطبير او زناجيل ..ولهذا علينا ان نلتزم بالمثل الذي يقول..ان القافلة تسير ولا يهمها نباح الكلاب اجدد شكري واعجابي بما جاء في كلمتك ايها الاخ الموالي
ابو علي
2008-01-18
اعتقد واجزم بان الموضوع ليس اعتراض على الشعائر الحسينية ...انما هو اعتراض واضح وصريح من قبل اتباع ال امية على منزلة اهل البيت والرتب التي رتبهم الله فيها ..اعتراض على تنصيب علي ..اعتراض على امامة الطاهرين.وتاييد لابي سفيان وهند ومعاوية ويزيد والجبت والطاغوت وان صرخة الحسين تلجم تلك الافواه التي تشرق وتغرب .وتصدح في افاق السماء بان الحق هاهنا والنجاه في تلك السفينة والله لايعبد الا باتباع محمد وال محمد ..اما الامة التي تعتبر يزيدا خليفة لرسول الله فهي امة ملعونة ساقطة وقد تبرا اكثر المسلمين منه
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك