( بقلم حماد بن حامد السالمي )
• لم أكن أعرف حتى ساعة هلاك الشقي المدعو «أبو مصعب الزرقاوي»؛ أنه كان شيئاً كبيراً جداً فوق الوصف، وأنه كان يحظى بمنزلة عظيمة في عالم الذباحين والجزارين؛ ويتمتع بتأييد لا عدّ له ولا حصر.. ولا بد أن هذا عائد لفرط جهلي بعلم الذبح والنحر والجز؛ وعالم الإرهاب، وطريقة تفكير العوالم في هذا العالم، تفكيرهم في الحياة وفي الممات، وما يحبون وما يكرهون، وكيف يفرحون وكيف يحزنون، وكيف ينتقمون من خصومهم؛ أو يكيدون لأعدائهم. • قال مذيعو الأخبار الفضائية؛ بأن طائرة حربية معادية لجماعة «الزرقاوي»؛ انطلقت من قاعدة جوية تابعة لقوات الاحتلال في أرض العراق؛ أو في أرض تساند هذه القوات المحتلة، بينما الأحرار من فضائيتها الشهيرة؛ يشتمون المحتلين صباح مساء..! وأنها بفضل حاستها الترابية الفذة؛ استهدفت وكراً أو جحراً ترابياً؛ يختبئ فيه زعيم كبير؛ لعصابات إرهابية خطرة؛ يُدعى «أبو مصعب الزرقاوي» في «هِبهِب» شمالي بعقوبة. • وظل المذيعون والمعلقون طيلة نهار وليل المقتلة الحزينة؛ يسترسلون في سرد سيرة وتاريخ وأمجاد وكرامات نزيل «التُّرب»؛ في مزرعة للنخيل في «هِبهِب»؛ فاكتشفت - أنا العبد الفقير إلى ربه - ساعتها؛ أن الإرهابي الهالك؛ ليس إرهابياً عادياً؛ بل هو من رؤوسهم، ومن أبطالهم العتاة؛ فليس هو ذلك البطل الورقي؛ كما يُخيَّل إلى بعض الجهلة؛ في دنيا البطولات والصولات والجولات الإرهابية مثلي. • الإرهابي الهالك «أبو مصعب الزرقاوي»؛ ترك دولته الإرهابية؛ وهي فخورة ببطولاته الحضارية، ومنجزاته الإنسانية، وأمجاده القتلية، فهو إلى جانب مئات الرؤوس البشرية التي حصدها في أفغانستان قبل تسلله إلى العراق؛ ترك ولا فخر؛ «800» عملية إرهابية على أرض العراق وحده، سوف يُذكر بها بعد هلاكه، ويدعو له بها أتباعه وأنصاره وعشاقه؛ كلما جاء ذكره على ألسنتهم الطرية؛ بسيرته المعطرة بروائح الدماء الزكية؛ وهو في قبره. • كيف لا يُمجد قاتل عملاق مثله؛ هو أسطورة عصره، وأمثولة مصره.. وهو صاحب هذا العدد المهول الذي لم يُسبق إليه؛ من عمليات التفجير والتدمير والقتل، فآلاف القتلى في تفجيرات الأسواق العامة، والمساجد، والحسينيات، ومعسكرات رجال الأمن والشرطة؛ تشهد له.. وتلك الرؤوس التي جُزّت أمام الناس على الشاشات والساحات؛ تشهد له.. وسكاكين الذبح، وسواطير النحر، تشهد له.. إلى جانب بطولاته التي امتدت إلى «أرض الحرمين والجزيرة العربية»؛ فسالت دماء هنا بتوجيهاته وتعزيزاته وبياناته، ولم ينس مسقط رأسه في الأردن؛ فقد اغتال ذات مساء؛ فرحة مئات الأُسر في عملية تفجير الفنادق في عمّان.. فقد أفنى حياته كلها؛ وهو يعطي الدرس تلو الدرس؛ في كيفية قتل الناس جماعات وأفراداً، بالذبح والنحر؛ أو بالقنابلة والمتفجرات.. هذا ما ظهر من بطولاته ومنجزاته لبعض البشر، أما ما بطن منها واستتر؛ فيعرفه بكل تأكيد؛ مؤرخو الثورة الجهادية الزرقاوية؛ أكثر من غيرهم. • أقول لكم بحق؛ إني وبعد أن وقفت على هذه الحقيقة الساطعة؛ حول أسطورة زرقاوي «هِبهِب»، أخذت أتفهّم ما أرى من نواح النائحين، وبكاء الباكين، الذين غشوا المقابر؛ وهزوا المنابر؛ وأفرغوا المحابر، وأتعبوا المحاجر؛ فسالت دموعهم سخينة مدرارة، وشُقت جيوبهم حزناً وحرقة على بطل شجاع شهيد؛ فالحركة الجهادية «القاعزرقاوية» في كل الدنيا؛ طار صوابها؛ فزُلزل زلزالها، وثار بركانها، واهتز كيانها، ابتداءً من تورا بورا؛ وصولاً إلى حماس في غزة، والإخوان في الأردن، وفي «الجزيرة» العربية. فقد غابت شمسهم، وأظلم قمرهم، واستحال نهارهم إلى ليل بهيم؛ فاسودت الدنيا في عيونهم، وعلا صراخهم، وارتفع صياحهم، وظهر في مناماتهم وأحلامهم - وما أكثرها - أن جثة زعيمهم المتعفنة؛ كانت تنفث المسك والزعفران..! وأنه دخل الجنة بدون حساب..! لأنه شهيد.. شهيد، والدليل كما ترون لا ما تسمعون؛ عملياته وإنجازاته ال «800» هذه..! • أربعة من نواب البرلمان الأردني؛ المحسوبين على جماعة الإخوان؛ قاموا بواجب العزاء؛ كما ينبغي من أمثالهم؛ متحدين مشاعر الشعب الأردني كله؛ المكلوم من إرهاب الشهيد..! فذرفوا الدمع على الجزار الشهيد، وقال «كبيرهم» في وفد العزاء: بأن أبا مصعب الزرقاوي؛ شهيد.. شهيد.. أما ضحايا هذا الجزار الشهيد.. الشهيد؛ الذين جزرهم وقتلهم في تفجيرات فنادق عمّان؛ فهم ليسوا شهداء..!! يا حبيبي يا «أبا فارس»..! ظهر «كبيرهم» هذا؛ بلحية كثة بيضاء؛ وهو يتكلم بهذا على الملأ في التلفزات؛ «إنها والله.. شيبة؛ كره الله لقاها.. فأبقاها لشقاها»..! ولكن لِمَ السخط والغضب أيها الناس..؟ يقولون: إن هذا وغيره كثير؛ قد يحدث في عالم الذباحين والجزارين في كل الدنيا..! • نضيف شيئاً آخر قاله في هذه المناحة «الزرقاوية»؛ ناشط إسلامي أردني هو «مروان شحاتة»؛ ماذا قال.. ؟ قال: «يسعى كل مجاهد للقتل - انظروا هنا: للقتل - إرضاءً لله، ويسعى لمرتبة أعلى في الجنة.. ومصداقيتنا تأتي من مقتل قادتنا، فموتانا يذهبون للجنة، وموتاكم للجحيم»..!! • هذا إذن هو منطق؛ بل مشروع الحركة «الخوانجية» في منطقتنا العربية؛ ظهرت بوجهها القبيح؛ في مناحتهم ومحزنتهم بهلاك زرقاويهم. إنه الإرهاب الذي عبّر ويعبّر عنه «أسامة بن لادن» وقاعدته بشكل يومي لا فرق، وعبّر عنه الهالك الزرقاوي بأكثر من «800» عملية قتل وتفجير، وتُعبّر عنه بقية أجنحة الحركة في الأردن ومصر وفلسطين وسوريا والمملكة العربية السعودية؛ كل على طريقته الخاصة؛ حتى لو «استعجل بعضهم قطف الثمرة» أن العلماء هم الولاة؛ حلقة في مشروع الحركة، واستضافة خالد مشعل؛ ومن لفّ لفه في العاصمة السعودية، والتّفرد بتدبيج بيان الدعم وجمع الأموال لحماس ومتعصبيها؛ حلقة في مشروع الحركة، وظهور مستر «نحن» على الفضائيات والصفحات؛ بمناسبة وبغير مناسبة؛ مخالفاً بذلك كل الوقائع والحقائق؛ للدفاع عن حركة الإخوان؛ وليقول بالفم المليان: «نحن فزنا في الانتخابات البلدية، ونحن فزنا في فلسطين، ونحن فزنا في مصر.. ونحن.. ونحن.. ونحن»؛ بينما هو قابع في الرياض؛ حلقة متينة في صلب مشروع الحركة، وبيان ال «61»؛ ممن سمّوا أنفسهم مشايخ وعلماء؛ للتشويش على المجتمع، ونبذ قادته ومفكريه ومثقفيه؛ والقول بأنهم عصابة إجرامية؛ واتهامهم بالعمالة للغرب؛ والتشغيب على الدولة؛ وإحراجها، وإظهارها ضعيفة مترددة حيال قراراتها ومشاريعها التطويرية؛ حلقة أمتن وأمتن في صلب مشروع الحركة. • هذا هو منطق القوم ومشروعهم: تفضحه أقوالهم وأفعالهم: تكفير؛ وتدبير، وتفجير، وتبرير، ثم قتل، وذبح، وإقصاء، وتخوين.. ثم في النهاية؛ قتلاهم في الجنة، وقتلاكم في النار..! يقولون هذا ويفعلونه؛ وهم لمّا يصلوا بعد إلى السلطة؛ فكيف إذا وصلوا إليها؛ وأصبحوا هم «الولاة» كما يزعمون ويرغبون..؟!! لا قدّر الله. • أقول وقد أذهلتني مناحات القوم؛ وأدهشتني محازنهم في مصابهم الجلل؛ الذي أفقدهم قاتلاً ليس كمثله أحد؛ أقول: هب.. هب.. يا «زرقاوي» هِبهِب؛ كم كنت عزيزاً عند قومك؛ حتى أخرجهم هلاكك من جحورهم؛ فهتك أستارهم، وفضح نواياهم؛ وكشف حالهم.. فلك الشكر إذن؛ يا رمز الإرهاب في هذا العصر..!!
حماد بن حامد السالمي
https://telegram.me/buratha