الزرقاوي وإرهابه وجرائمه هو أحد الأسباب في إطالة عمر الاحتلال الأميركي للعراق, على عكس المقاومة العراقية. فاستهداف المدنيين العراقيين والفوضى الأمنية التي زرعها في طول وعرض العراق وفرت مسوغاً كبيراً للأميركيين لأن يبقوا ويطيلوا من عمر احتلالهم. فهم لا يستطيعون مغادرة العراق وهو غارق في الذبح الطائفي لأن ذلك سيضعهم في أسوأ صورة ممكنة وبأنهم من جلب ذلك إلى البلد. ( بقلم خالد الحروب )
مشهد التقريظ والتمجيد والمدح وخلع ألقاب البطولة والشهادة على الزرقاوي بعد مقتله هو مشهد مخجل بكل المعايير. المشاركون في ذلك المشهد يتعددون؛ ففيهم أناس مضللون بالنقمة والخطابات الشعبوية المدمرة, وفيهم مثقفون يظنون أن كل من قال" تسقط أميركا" فهو بطل أو مشروع بطل, وفيهم إعلاميون مضللون يبحثون عن التصفيق ويتلاعبون بمشاعر الناس ومضامين القضايا, وفيهم مع الأسف نواب وبرلمانيون في الأردن داسوا على مشاعر العراقيين ولم يحرك في قلوبهم المتحجرة أن غير المأسوف عليه كان السبب وراء سقوط ألوف الأبرياء من العراقيين. سوف يزمُّ كثيرون شفاههم هنا ويقولون: وماذا عن عشرات الألوف الذين قلتهم الأميركيون؟ وكأن القتل هنا يبرر القتل هناك. ليس هناك علاقة بين إدانة الزرقاوي وكل جرائمه وبين تسطير أي موقف لا يدين الأميركيين بذات اللغة وأشد. وبوضوح أكثر الاحتلال الأميركي في العراق مشروع وحشي وقذر, لكن وحشيته وقذارته لا يجب أن تبررا لنا التسامح ولو قيد أنملة مع أناس لم تكن لهم بوصلة سوى شهوة الدم العراقي, وكانوا يعتبرون قتل الشيعة في العراق أحل من قتل الأميركيين. هذا بغض طائفي أخطر من الاحتلال. الاحتلال سينتهي عاجلاً أم آجلاً لكن الدم الطائفي الذي ساهم الزرقاوي في إسالته في العراق لن ينتهي بسهولة.
قراءة ما كتبه كثيرون عن الزرقاوي تمجيداً وتخليداً تصيب المرء بالخجل من الحالة الفكرية والانحطاط الثقافي والإنساني الذي وصلنا إليه. ويتضاعف ذلك الخجل والمرء يتخيل صور ألوف الأبرياء من العراقيين الذي قتلهم الزرقاوي في غزواته الخالية من المروءة وأدنى قدر ممكن من الرجولة. صور ألوف الأطفال وصرخاتهم الباكية على آبائهم المضرجين بالدماء بسبب رصاص الزرقاوي تخرج من بين سطور التمجيد التي كتبت في الزرقاوي لتدين كل من كتبها. وصور ألوف الأرامل وهن يلطمن صدورهن بعد أن قضت سيوف "أمير الذباحين" على أزواجهن وأدخلهن حياة البؤس إلى الأبد ستظل تلاحق الذي فقدوا الإحساس بالإنسانية والأخوة والتضامن. ليتامى العراق وأرامل العراق، وللدم الذي سال على صفحة دجلة والفرات جراء عمى الإجرام الزرقاوي علينا أن نرسل بطاقة اعتذار باكية عن كل حرف أو كلمة تمجيد كتبها، أو نطق بها، من لم تهز مشاعره صور الدم والإجرام... فيا أيها العراقيون الثكالى عذراً وتأسفاً!
الزرقاوي مجرم كبير استسهل إراقة الدم المسلم وأطلق "سُنة الذبح" الهمجية المخجلة. في كل مكان في العالم صارت قصة "الذبح من الوريد إلى الوريد" ماركة مسجلة للمسلمين, وكأنهم لا قلب لهم وقدَّت مشاعرهم من حجر. من أجل هذه الصورة فقط, إن كان ثمة حليم في عداد مادحي الزرقاوي, لا يستحق هذا الأخير أدنى نقطة تأييد أو احترام. في بياناته وتصريحاته وخطاباته التي تغيب عنها شهامة أهل الجاهلية فضلاً عن أخلاق الإسلام الحميدة في الحرب, كان يتفاخر بذبح امرأة تعمل في جمعيات خيرية لصالح العراقيين, أو عجوز يعمل سائقاً في العراق, أو صحفي أو صحفية جاء إلى العراق ليغطي جرائم جورج بوش هناك. الزرقاوي طائفي كبير استسهل العبث الطائفي، ورأى أنه لابد من إشعال حرب أهلية بين سُنة العراق وشيعته, بل وطوائفه الأخرى, واشتغل على ذلك. استهدف جوامع الشيعة, وكنائس المسيحيين, ومن قتلهم من العراقيين أضعاف أضعاف من قتلهم من الأميركيون. والذين لم يروا فيه إلا "مجاهداً" ضد الاحتلال الأميركي، لا يرون إلا بعين واحدة. فمحاربة الأميركيين لا تشرعن القتل المحلي, وليس كل من أطلق رصاصة على مصفحة أميركية صار منظِّراً لمستقبل العراق, وصار يحق له قتل من شاء والعفو عمن شاء. يجب التفريق بين تبني المقاومة واستخدام المقاومة كوسيلة لفرض شرعية فوقية على المجتمع والناس, وكأن المقاوم يصبح قديساً فوق الشبهات يجوز له العبث يميناً وشمالاً في مستقبل الناس وحاضرهم.
الزرقاوي وإرهابه وجرائمه هو أحد الأسباب في إطالة عمر الاحتلال الأميركي للعراق, على عكس المقاومة العراقية. فاستهداف المدنيين العراقيين والفوضى الأمنية التي زرعها في طول وعرض العراق وفرت مسوغاً كبيراً للأميركيين لأن يبقوا ويطيلوا من عمر احتلالهم. فهم لا يستطيعون مغادرة العراق وهو غارق في الذبح الطائفي لأن ذلك سيضعهم في أسوأ صورة ممكنة وبأنهم من جلب ذلك إلى البلد.
وبطاقة الاعتذار لأهل العراق المزنرة بالخجل من كل نص مدح فيه الزرقاوي تصبح أكثر إلحاحاً جراء ما قام به نواب إسلاميون أردنيون من تعزية في مقتله واعتباره شهيداً وبطلاً. يسترخصون دم العراقيين الأبرياء وقتلهم, ويسترخصون دم الأردنيين والفلسطينيين الأبرياء وقتلهم وهم الذين سقطوا في "غزوة عمّان" حيث استهدف "أسود الزرقاوي" عرساً عادياً بريئاً وتمكن "مجاهدوه الأبطال" من إطاحة العريس والعروس وأهلهما جميعاً وكل المدعوين. لا يتدنى لمستوى هذا الانحطاط المنسوب لـ"الجهاد" إلا انحطاط تأييده وتبجيله والبحث عن مسوغات له. كيف يمكن لنواب الشعب أن يؤيدوا من أراق دم من انتخبهم ويصفوه بالشهيد والبطل؟ أين هي أخلاق الدين والمروءة والحرص على الدم المسلم؟ أم هو عمى الأيديولوجيا والتطرف والعصبية الحزبية يقود إلى مهاوي التفكير السقيم والفتاوى الأكثر سقماً؟
مرة أخرى سوف يزمُّ كثيرون شفاههم، ويقولون: ولكن أين الحديث عن الاحتلال الأميركي الذي كان وراء كل هذه المصائب؟. وكأن عقلنا الجمعي صار صغيراً إلى درجة فاضحة بحيث أنه من المحظور مناقشة قضية محددة دون أن نربطها بـ"المشروع الإمبريالي الأميركي ضد المنطقة". الاحتلال الأميركي للعراق وأهدافه في المنطقة جلب كل المصائب, وسيجلب مصائب أخرى. ونحن إما أن نساعده في جلب مصائب إضافية على أنفسنا وإما أن نواجهه ونقلل من تلك المصائب. مصيبة الاحتلال لا تعني التبرير لمصيبة الزرقاوي ومن هو على شاكلته. مقاومة أي احتلال يجب أن تتمسك بالتفوق الأخلاقي وبعدالة القضية أولاً وأخيراً. إن سقطت المقاومة في اختبار الأخلاق سقطت عدالة قضيتها وتساوت مع المحتل. وهذا ما حدث مع الزرقاويين والظواهريين والبندلادنيين, حيث انحطوا بقضايانا العادلة ويريدوننا أن نلحقهم في هذا الانحطاط.
خالد الحروب
https://telegram.me/buratha