المقالات

برلمان آل جويبر وكل المفجوعين

1520 00:19:00 2007-11-30

( بقلم : حافظ آل بشارة )

الذين اطلعوا على قانون المسائلة والعدالة يقولون انه ايجابي جدا لانه سيضمن نوعا من التسامح المنضبط مع اعضاء حزب البعث المنحل ، والمعروف ان هذا القانون ولد بعملية قيصرية كنتيجة لتعديل وثيقة اجتثاث البعث الشهيرة ، جبهة التوافق رحبت بالقانون الجديد ، والكتلة الصدرية غير متحمسة له بل ترفضه ، والمطلوب من الجميع احترام الرأيين لانهما معلنان تحت قمة البرلمان ، هكذا هو الحديث في الاعلام ،

 هناك زاوية مهملة في المشهد السياسي الذي تساهم الوثيقة الجديدة في بلورته ، وهي عبارة عن مجموعة من الحقائق الاجتماعية والنفسية ، يلمس المتتبع ان هناك برلمانا آخر لايقل شرعية ودهاء من البرلمان الظاهري الذي يحكم العراق والخطير فيه انه اشد هولا واقوى قرارا من البرلمان وابو البرلمان ، عندما اشتهر امر القانون الجديد وتحدث عنه النواب كنت في ضيافة احد الاعمام وكان ينظر الى التلفاز وهو يعرض جلسة المناقشة البرلمانية للقانون ، عيناه المتعبتان تحاولان ان ترفعا ثقل حاجبيه المتهدلين تحت مضلة يشماغ قديم كان يداعب المسبحة بهدوء بالغ ، ويضحك برصانة نادرة تبسما وعلائم السرور ظاهرة على محياه الجنوبي الحافل بالتجاعيد العميقة التي يتفرع من ضفافها السمراء شيب كالمسامير ، ادهشني فرحه الطفولي الاستفزازي بهذا القانون مع انه حسب تصوري يفترض ان ينكأ في اعماق الرجل وعشيرته جراحا تملأ حقبة زمنية نازفة من تاريخ عشائر آل فلان وبني فلان ابتداء من الكوت ونزولا الى تخوم القرنة ، مابين قتل وتهجير وسجن ونفي وتهديم مضايف واحراق صرايف واعتقال نساء وقتل اطفال وغير ذلك من فنون التنكيل والفناء المنهجي ،

 استفزني الفرح الغامر الذي غزا كيان ذلك الرجل وهو يراقب جلسة البرلمان لمناقشة مشروع قانون المسائلة والعدالة ، حيث ان القانون يحدد الموقف من البعثيين ومصيرهم ، لم استطع الصمت ولم احتمل الموقف فحاولت بفضول الاعلامي ان اسأله عن سبب هذا الابتهاج ، فأجابني : كيف لا افرح والقوانين كلها اصبحت تسير باتجاه تلبية حلمي الكبير ، واضاف : لاول مرة اعرف انني ساتدبر الامور بنفسي ، ثقافتي تقول ان من يذهب الى المحكمة ليشكو عدوه للحكومة فهو جبان ابن سطعش جبان ، قلت ماذا تقصد ؟ ومن اجل الاجابة على سؤالي اعتدل الرجل في جلسته ثم رشقني بنظرة تقتلع الجبال فشعرت وكأن اعصارا اجتاح كل شيء ، أخذ العم يدلي بتصريحاته لي انا وحدي الجالس امامه وكان يتحدث (الحسجة) التي يصعب على ابناء بغداد وماجاورها ادراك جملة واحدة منها فرحت اترجم لنفسي بمنتهى الامانة ، قال (عبر الترجمة طبعا) : انا شخصيا فقدت عشرين رجلا من اخواني وابناء عمومتي في الانتفاضة الشعبانية ، ولدي اسماء جميع الرفاق من امن وجيش وحزبيين الذين ساهموا في قتل رجالنا، لدي قائمة تضم اكثر من خمسين اسما لن يهنأ لي عيش مالم ( اتفاهم) معهم واحدا بعد الاخر ولن اطلق عليهم اي اسم حزبي او حكومي بل اسميهم مجرمين لابد من القصاص منهم ليس لانهم بعثيين بل لانهم قتلة ، ثم اضاف : انا افرح كثيرا حين اسمع ان قوانين جديدة سوف تساعد على خروج هؤلاء المجرمين الى الشارع ليذهبوا الى دائرة يعملون فيها او الى المصرف لتسلم رواتبهم التقاعدية او الى مقهى او ملهى ليجلسوا فيه ، عندي يوم عيد ان يخرج هؤلاء الى الهواء الطلق ، كلهم الان يختبئون في حفر تشبه حفرة صدام او هربوا خارج العراق ، هل سيعودون حقا ؟ آه لو عادوا !

كان الرجل يرتجف والمسبحة ترتجف في يده وقد احمر وجهه وفقد شيخوته بشكل فجائي وبدا منتفضا كأنه ليث ، ثم واصل حديثه بعنفوان وتفاؤل قائلا ، اتعرف انني لا اريد من برلمانكم هذا سوى مبادرة واحدة ، قلت له : ماهي ؟ قال اريد من هؤلاء الافندية والمعممين ان يكونوا اذكياء كما اتمنى ويشجعوا قتلة آل جويبر وآل رحمة ، وقتلة سكان قرية الهدامة والحويزة وقلعة صالح والميمونة – يشجعونهم على الخروج الى الشارع ولو لثلاثة ايام سأكون ممنونا للنواب والنائبات ، والوزراء والوزيرات ، والمدراء والمديرات ، يا اخي انتم اعلاميون قولوا لهم : ايها البعثيون انتم اخواننا ، عفا الله عما سلف ، مصالحة وطنية ، وحدة قومية ، شجعوهم على الشعور بالامان شجعوهم على التجول في الطرقات لكي يبدأ التفاهم ! ، ثم همس الشيخ مع نفسه ، آه لو اعرف من هو ذلك الغبي الذي يخيف البعثيين ويهددهم دائما ويحرمنا من طلعتهم العلنية في الشارع آه لو اعرف !

كنت اتخاذل سرا وابتلع ريقي بصعوبة امام تلك التصريحات ، ثم التفت الي وقال تعرف يا ابن اخي ان بعض اقرباءنا خذلونا يوم السقوط فراح كل منهم يبحث عن ثاره الشخصي بكل انانية ولم تكن حصة عمك المسكين من هذا الصيد الثمين سوى خمسة ، نعم خمسة فقط ، واحد امن خاص وواحد حرس جمهوري وواحد وكيل امن واثنين من المخابرات احدهما اعرج لايساوي شيئا ، وقد حسبوه علي رجلا وهو اقلهم جرما ، فهو الذي قتل ابن اخي كاطع في قرية الاعيوج والذي كان عمره اسبوعا واحدا عندما وضع مسدسه في فمه وطشر دماغه في احضان امه التي جنت ومازالت مجنونة ، ثم رفع صوته معاتبا وكأنه يعاتبني : ( بشرفك آنه عندي عشرين شهيد وحصتي خمسة ؟ واحد اعرج ؟ هذا موظلم ؟ ) ثم عاد يشاهد التلفاز والفرح يملأ اساريره ونادى على ابنته بصوت صادح ( بويه صبينه جاي الله يخلي البرلمان ويسلم الحكومة على هيج قوانين ، والله اذا ما خليتج تلبسين احمر وتفكين حزنج لعد انه مو من ظهر جويبر ولك كويطع راح يطلعون ، راح يطلعون ... ) ، ثم التفت الي وكان معتدلا ثم اتكأ ، وقال : ( لحد الان يبدو القانون مخيفا لهم ، اخشى ان لايخرجوا ، (ولكم) اريد عفو عام تفتهمون شنهو عفو عام ؟ ايه عفو عام عن كافة البعثيين ومعها عبارة عفا الله عما سلف ، شوية خليهم يطمئنون ، شبيكم ؟ )!!!

 كنت اشرب الشاي وانا اختتم زيارتي الى ذلك العم ، وجهت اليه سؤالي الاخير ، عمي : كم رجل هنا يفكر بطريقتك ؟ اجاب : كل المفجوعين . خرجت مودعا ذلك الشيخ ورأسي يدور ، وكل حساباتي السياسية ومحاوري الاعلامية تمشي بالمقلوب ، وحين ركبت التكسي لاعود الى دائرتي الاعلامية فوجئت بسائق التكسي وهو يشبه مضيقي في الشكل والهيئة ، سألته فورا : ما رأيك بقانون المسائلة والعدالة ، فالتفت الي ضاحكا مستبشرا وقال وهل يحتاج الامر الى سؤال ، كلنا نرحب بهذا القانون الرائع ( خل يطلعون يمعود مو طلعت ارواحنه ) !! وما ان سمعته حتى اخذت محاوري الاعلامية تتشقلب في ذهني مجددا ، وشعرت اني في عالم غريب ، انني في مركز دائرة برلمان من نوع آخر ، غطست في صمت عميق والسيارة تواصل تقدمها وسط ازدحام الحي الشعبي وانا اراقب الناس في المقاهي ، واليشاميغ المحتشدة في كل مكان تراقب جلسة مجلس النواب على الارصفة والمحلات والمقاهي ، كلمة واحدة تتأرجح في الهواء الساكن متدفقة عبر الارصفة : كافي عاد خل يطلعون حته نشوف شغلنه !!! حين جلست الى مكتبي في مؤسستي الاعلامية جائني احد الكتاب وقال : ارجو ان تراجع لي هذا المقال الذي اعترض فيه على تساهل البرلمان مع الصداميين واستهانته بدماء الشهداء ، لان قانون المسائلة والعدالة يضمن لهم التقاعد ويكافئهم على جرائمهم بل يكاد ان يصدر عفوا عاما عنهم ، قلت له : هل سيقبضون التقاعد حقا ؟ هل سيقفون امام المصرف حقا ؟ هل سيجلسون في المقاهي والملاهي ؟ اذا هذا مايريده برلمان آل جويبر الذي يضم نخبة المفجوعين ، دهش ذلك الكاتب ورفع نظارته بقلق وقال : استاذ ماذا تقول وعم تتحدث ؟ قلت اتحدث عن برلمان آخر وقرار آخر ودائرة الهلام المبهم الذي لم يكتشفه احد ثم لذت بالصمت وما زلت صامتا .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
رائدالناصري
2007-12-17
اللهم العن البعثييين قاطبة والعن صدام وكل البعثييين ولايوجدبعثي شريف مطلقا كلهم ابناءزنا وملاعين......رحم الله شهداءالمقاومة الاسلاميه في اهوارالجنوب واهوار ال جويبرالمجاهده وكل مجاهدي الاهوار الابطال والعنه الدائمه على صدام والبعثيين
abuali
2007-12-03
من المفارقات الغريبة ان هناك من يجاهد لاعطاء البعثيين حقوقا وضحاياهم لم تستلم ادنى حقوقها - وكذلك ان يصدر البرلمان قرارات تخالف طموحات الجماهير فتكون برلمانات اخرى مثل برلمان (ال جويبر )الله يحفضهم - هذه العشيرة الي التي ابتليت بظلم النظام المقبور -
ابو علي
2007-11-30
عاشت ايدك على هذا المقال استاذنا الغالي ...
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك