المقالات

اعلامنا ... محنة التمويل والامن المعاشي

1432 20:36:00 2007-11-17

( بقلم : حافظ آل بشارة )

في واحد من التحولات المثيرة على نطاق الشرق الاوسط ، اصبح العراق الدولة الاولى التي يحكمها نظام سياسي لايمتلك مؤسسة اعلامية حكومية تطبل له وتزمر ، اي ان المؤسسة الاعلامية العراقية خرجت من سطوة قصور الرئاسة الى الهواء الطلق ، ولكن الطوفان الاعلامي له ثمن يدفعه الاعلاميون والحكومة والجمهور ، في السنوات الاولى لايمكن الشعور بأي ازمة في هذا السياق الا ان عودة الاستقرار والهدوء الذي يعقب حالة الفورة والحماس سيضع الجميع امام استحقاقات جدية ، الطوفان الاعلامي سينتهي الى حالة من الرتابة والاسترخاء ويصبح البحث عن مقومات الاستمرار هما وحيدا للمعنيين .

 كان القفص السياسي قد تحطم وغادرته الاف الطيور الحالمة بطيران حر ، الطيور الاعلامية انتجت بشكل انفعالي مئات الوسائل الاعلامية ولاول مرة نشهد ظهور اكثر من ثلاثين فضائية وعشرات الارضيات الى جانب مايزيد عن 150 صحيفة ، صحيح ان كل وسيلة اعلام من المذكورات اعلاه تغني على ليلاها بلا رقيب الا ان هذا التعدد هو من علامات العافية ، واذا قدر للطيور المنفلتة من قفص القمع والرعب ان تواصل طيرانها السريع الحافل بالبهجة والانبهار ، فلابد لها ذات يوم من استراحة ولحظة تأمل ، لاحظنا الصحف الشابة الحديثة الصدور وهي تعيش مراهقة الاعداد الاولى ، ارتباك في الاخراج ارتباك في الصياغة ، صورة نانسي عجرم الى جانب صورة مرجع ديني ، وقصيدة شعر مجنونة الى جانب تحليل ستراتيجي عن الطاقة النووية ، وخبر عن انقطاع الماء في الكرادة الى جانب خبر عن موت ممثل مصري كبير واسفله خبر عن اكبر حبة بطاطا في مزارع الهند ، وهجوم عشوائي على جميع مسؤولي الحكومة برسوم والفاظ خشنة ومع ان الكاتب يهجو وزير الداخلية الا ان جميع الشتائم كانت باسم وزير الزراعة لانه لايعرف اسم الوزير ، كما هاجم كاتب آخر كتلة سياسية بسبب سوء ادارة وزير ينتمي اليها مع ان الوزير الذي يذكره تابع الى كتلة اخرى وهكذا ، وشيئا فشيئا بدأ السياق المهني للصحافة العراقية يأخذ مساره الصحيح ، ثم اخذ الهياج يهدأ وبات الصحفيون بعد هذه الرقصة المتعبة يبحثون عن متكأ مهني ، ثم لاح في الافاق كابوس التمويل ، واخذت كثير من الصحف تغلق ابوابها ، ثم بدأت حملة الاغتيالات التي تستهدف الصحفيين والاعلاميين عموما ، الشكل النهائي للاعلام عندنا هو شكل المؤسسات الحرة التابعة للقطاع المدني ، اذا كنا نتوقع ان الديمقراطية جاءت الى العراق ولن تخرج منه فهذا يعني ان الجهاز الاعلامي نفسه سيستمر على هذه الشاكلة ، اعلام محلي اهلي يعتمد في تمويله على الاعلانات والمبيعات والخدمات الاخرى التي يقدمها ، اي التصرف بمنطق السوق الاعلامية وما يتطلبه ذلك من خبرة وتكيف ، وما يعنيه ذلك من تنافس محموم تحكمه عناصر الجاذبية والطلب وعناصر الرواج ، وهذا معناه الدخول في قواعد اللعبة التي سبقنا اليها الاخرون في دول اكثر تقدما ، في تلك الدول التي اختلط فيها حابل المخابرات بنابل الاعلام ، واصبحت التجارة والتلفزة تسبحان في حوض واحد ، ولاحظنا في مثل هذه التجارب كيف يحدث التناقض المؤلم بين رسالة الاعلام الذي هو امانة اخلاقية وبين ما يريده الناس ، اي التناقض بين الرغبات والاحتياجات الثقافية الحقيقية ، يقول حكماء الاعلام المحترفون ان للمتلقي رغبات واحتياجات هو يعرف رغباته لكنه غالبا لايعرف احتياجاته ، والمطلوب من الاعلام المسؤول ان يقدم للمتلقي احتياجاته التي نعرفها مغلفة برغباته التي يعرفها ويجري وراءها ، وقد لاتحقق هذه المقولة نجاحا في جميع الاحوال الامر الذي اسس لاعلام يجري وراء رغبات الجمهور وان كانت متدنية احيانا ، اي ان الدور ينعكس تماما في هذه اللعبة ، حيث لم يعد الاعلام معلما بل اصبح هو الطالب في مدرسة الشارع ونزواته ومزاجه ، وبتحليل هذه الحقيقة نكتشف ان السبب في هذا التحول هو انعدام الحالة الوسطى النموذجية في العلاقة بين الاعلام والحكومة ، هناك تطرف في هذه العلاقة فأما ان يقع الاعلام اسيرا للسلطة الى درجة التحول الى فيلق اضافي في صفوف الجيش الحكومي ، او يخرج من تحت عبائتها بشكل انفصالي كامل كأي شركة اهلية ، لتكون الحكومة خرساء بلا اعلام وتكون المؤسسة الاعلامية سائبة وتجارية ومتدنية الدور وبلا مرجعية سياسية ، اذا كان المعنيون في العراق من سياسيين واعلاميين حريصين على نجاح تجربتهم الحالية فالمفروض ان يفكروا بابتكار حالة جديدة من التعاطي بين السلطة والمؤسسات الاعلامية ، بعيدا عن الاستحواذ الكامل او القطيعة الكاملة ، القضية تبدأ من التمويل ، الا يمكن للحكومة ان تتحمل جزء من تمويل وسائل الاعلام تمويلا غير مشروط ، باعتبار ان هذه المؤسسات هي جزء من المجتمع المدني الذي تسعى الحكومة لتنميته وتطوير مؤسساته ، الاعلام المحلي اذا اشرف على الافلاس واصبح مهددا بالاغلاق لاسباب مالية الا تشكل هذه الحالة ثغرة في الامن القومي للبلد خاصة عندما تجد جهات معادية الفرصة سانحة لشراء الصوت الاعلامي الوطني مستغلة ازمته المالية لكي يتحول الى مروج لسياساتها المعادية ،

وبعد مشكلة التمويل تظهر مشكلة الحقوق الانسانية للاعلاميين ، فالجميع الان يعانون من فقدان الامن المهني او الامن المعاشي بسبب عملهم في مؤسسة تبدو وكأنها بائع متجول لايفكر الا بقوت يومه ، وكما هو معروف لايمكن لاي صنعة او مهنة ان تزدهر وتتطور مادام القائمون عليها يعيشون قلقا متواصلا يخص مستقبلهم المعاشي ، الا يمكن للحكومة ان تضمن للقطاع الاعلامي وللمثقفين مستقبلا معاشيا مطمئنا بضمان رواتب تقاعدية مجزية ؟ ان الضمانات المعيشية والمساعدة الحكومية في التمويل ستجعل وسائل الاعلام تشعر بالانتماء الى وطنها وتجربته وتبذل جهدها لخدمة هذه التجربة من موقع الهادي والموجه للرأي العام والمساهم في اعادة بناء المجتمع بعد هذه التجربة من التفكك الاجتماعي الخطير الذي دفع الله شره ، في هذه الايام الفاصلة بين كارثة الارهاب الذي بدأ ينحسر وبين عهد جديد من الاستقرار والاعمار ، سوف تظهر استحقاقات الاستقرار على جميع الاصعدة ومنها استحقاقات القطاع الاعلامي الذي بدأت عصافيره الخضراء تهدأ وتفكر بنهج اكثر عمقا واحترافا باحثة عن الهوية الاعلامية المميزة لعراق ديمقراطي تعددي ، وهنا يأتي دور الحكومة لاسناد هذه المؤسسات واحتضانها لتؤدي دورها الحضاري بالشكل المطلوب .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
متابع
2007-11-18
تحيه واحترام لكاتب المقال ؟؟؟ كونه شخص وحلل حالة الاعلام العراقي بحياديه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ونتمنى على سياسينا ان يشخصو ا مالذى جرى للعراق وشعبه المسكين في هذه الفتره ؟؟؟؟؟؟؟
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك