المقالات

الشرق الاوسط .. الاصلاح ام الانهيار

1588 15:02:00 2007-11-06

( بقلم : عباس الياسري )

ملفات مزمنة تعاني منها دول المنطقة ولا يلوح في الافق وجود أدنى رغبة للعلاج رغم ان الحالة العراقية بعد التغير قد اشرت وفي ادوار مختلفة خللاً واضحاً في بنية العلاقات الاجتماعية الداخلية لكل بلد وكذلك العلاقات الاقليمية مع ضعف للروابط ومحاولات مقصودة لتغييب المشتركات ، وهذا الخلل قد أصاب جميع المستويات (الشعبية ، النخبوية ، الرسمية) ، وان كان المستوى الرسمي ما يزال محافظاً على وحدة منظومته الاستبدادية بجميع اطرها ، وخير مثال على ذلك الحالة العراقية والموريتانية واليمنية ، فقد وقف الجميع ضد التغيير الديمقراطي في العراق (ضد تغيير المنظومة وليس النظام لأنهم ساهموا في اسقاطه)بينما ساند الجميع الانقلاب العسكري في موريتانيا لا لشيء إلا لأنها حالة شبيهة بما جرت عليها العادة في الدول العربية مجنّباً اياها اشكالية الشرعية التي تعاني منها، وقبلها احتلال اليمن الجنوبي عام 1994 وحرب الابادة التي تشن اليوم ضد اتباع الحوثي وهنالك حالات صمت مشابهة لما جرى في العراق قبل التغيير ، هذه الحالة وغيرها لم تكن في يوم من الايام منفصلة عن مثيلاتها في هذه الدول سواء في العناوين الكبيرة او التفاصيل الصغيرة ، بل ان شبهاً يكاد يكون متجانساً يؤطر الاحداث في المنطقة يصل حد الاستنساخ وعلى مدى قرن من الزمان وان كان هذا النسق يؤشر حالة من اللاتوازن تصل حد التزييف تجاه ما يجري في العراق رغم تشابه المعطيات ، ولكن الحالة العراقية تخضع للتكبير مئات المرات وفي حالات متشابهة اخرى يصيب العمى بكل انواعه العين العربية ، كأنهم يرون القشة في عين اخيهم ولا يرون الخشبة في أعينهم ، وهذا يجعل الشك يزداد حول وجود ذاكرة عربية موحدة تجمع ميراث وتاريخ هذه الامة وتسرب الشك الى الذاكرة الوطنية (القطرية حسب توصيف البعض) والتي بدأت كأنها ذاكرة غير سوية تعاني من التشوهات بعد ان اسقط منها فصول مهمة تتعلق بالمكونات الاخرى ومنجزها الوطني وجرت محاولات حثيثة لسد الفراغ بفصول مزورة مع الاسف تلقفتها الذائقة العربية بنهم واستخدمتها بكل صلافة لالغاء الآخر وتسقيطه بالتخوين مرة والتكفير اخرى ، وهذا ما جعل المنطقة بؤرة للتطرف بكل اشكاله ومصنع لتفريخ الانتحاريين ،هذه الحالة ليست وليدة دخول القوات الاجنبية وما تلاها من احداث في العراق وفي المنطقة كما يحاول البعض ان يروج لذلك ولكن لا يستطيع احد انكار ما احدثه زلزال العراق في المنطقة وكيف ازاح الغبار عن ملفات قديمة قدم الدولة العربية الحديثة وكشف هشاشة البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه الدول وانها قابلة للانهيار في اي لحظة وبدون مقدمات وليس بالضرورة ان يكون هذا الانهيار بمعناه السلبي ولكنه انهيار لمنظومة الاستبداد وما صاحبها من اخطاء منذ لحظة التأسيس وتحاشياً لانهيار يثير الفوضى في منطقة لا تحتمل الكثير من الحروب والفترات الانتقالية فلا بد من الاسراع بالاصلاحات وعدم رفضها لا لشئ الا لان (شيطان الاصلاح الاكبر) قد طالب بها فهذا لم يعد مبرراً لجعل الشعوب تعيش قرن آخر في حالة تأهب وانذار (جيم) بانتظار عدوّ وهمي ، وما يؤسف له ان الانظمة ما زالت لا تولي هذا الموضوع اي أهمية وبقيت تستخدم نفس الاساليب الوراثية في المعالجة ، الابادة الجماعية ، الاعتقال ، التهجير ، اسقاط الجنسية ، مصادرة الاموال ، تمييز عنصري وطائفي ، حرمان ، عقوبات جماعية ، والقائمة تطول ، هذا بالمقابل دفع المكونات الاخرى (الأقليات) ان تتحسس الخطر الذي يتهدد وجودها وحقوقها ومصالحها وايضاً خوفها على كياناتها الاجتماعية وتراثها الحضاري وكاسلوب وقائي غرائزي انتظمت في تجمعات سياسية وثقافية واقتصادية ذات لون واحد ، ودفع اصحاب الفكر والسياسية ادمان العمل السري تحت الارض والذي سرعان ما فرخ عن اجنحة عسكرية تتولى عملية حفظ النوع والدفاع عن الحقوق المسلوبة واخرى مجموعات (جهادية) متشددة ناقمة على كل شيء مكفرة للجميع وكانت النتيجة العشرات من الحروب الاهلية والمواجهات الدموية كانت الخسائر فيها اضعاف ما قُدِّم من أجل قضية العرب المركزية فلسطين والاراضي المحتلة الاخرى ، غير الخسائر التي اصابت جميع مرافق الحياة الاخرى ، كذلك فشلت نظرية تصدير الازمات وإلهاء الشعوب ، صدام في حربه مع ايران والكويت ، سوريا واحتلالها لبنان ، اليمن واحتلاله اليمن الجنوبي ، هذه الاوضاع جعلت المنطقة في حالة استنزاف مستمر لمواردها البشرية والاقتصادية .

وكل المعالجات القسرية والدموية لم تمنع الاخرين من الاستمرار بالمطالبة بالاصلاحات والتغيير وإعادة الحقوق المغصوبة ، فما زال الكرد رغم كل حروب الابادة والتهجير والتهميش يقاتلون بكل شراسة من أجل حقوقهم وفي جميع أماكن تواجدهم ولم تمنعهم حملات القتل المستمرة في العراق مثلاً منذ قيام الدولة والتي بلغت ذروتها في حرب عام 1975 تلك الحرب المنسية ، وعمليات الانفال سيئة الصيت وهذا ما يجري في جميع دول المنطقة ، ففي سوريا نفس المعاناة وافضعها ما جرى في الاحصاء الاستثنائي الذي أُجري عام 1962 في محافظة الحسكة ذات الاغلبية الكردية بناءاً على المرسوم التشريعي رقم (93) والذي تم بموجبه تجريد اكثر من مائة الف مواطن من هذه المحافظة وحدها من الجنسية السورية وتمت مصادرة اراضيهم وتعريب مناطقهم ، والمجال لا يسع لذكر جميع الامثلة المتعلقة بما تعانيه المكونات ونيجة لما سبق تولدت حالات احباط وقلق للمواطن في هذه الدول بعد ان اصبح موضوع المواطنة والهوية رهن القرارات السياسية ..

فسحب الجنسية لم يشمل الكرد والتركمان كآخر قومي وليس الشيعة وحدهم كآخر مذهبي تعرض لاسقاط الجنسية في السعودية والعراق والبحرين وانما حتى المشابه القومي والمذهبي ففي قطر والتي يبلغ عدد سكانها خوالي (150) الف نسمة صدر قرار من الحكومة في تشرين الاول من عام 2004 يقضي بسحب الجنسية عن أكثر من خمسة آلاف مواطن قطري ينتمي أغلبهم لفرع الغفران من قبيلة آل مرة وتم تجريدهم من كل شيء ورميهم خلف الحدود ، والقتل ايضاً شمل الجميع ومأساة حماة في الثاني من شباط عام 1982 وحرب ابادة اليمن الجنوبي واحتلال عدن في 1994 رغم قرارات مجلس الامن الدولي 924 و 931 والذي اعتبر عدن خط أحمر وحينها كان دور الاخضر الابراهيمي سلبياً في تنفيذ هذه القرارات وهو المكلف من المنظمة الدولية ، هذه الممارسات لم توقف المطالبة بالاصلاح ففي السعودية قدم مجموعة من الناشطين مذكرة اشتهرت باسم (شركاء في الوطن) ضمن مجموعة من المطالب بعد صمت طويل اعقب مطالبات مماثلة بعد حرب تحرير الكويت ودخول القوات الاجنبية الى المنطقة وقتها تزايدت الشكوك حول شرعية النظام السعودي وعدم الاستجابة دفع بعض اطراف المعارضة السعودية لاستخدام مصطلح الشعب الجزري بدلاً من السعودي ، وهذا رد فعل واضح اضافة الى المواجهات المسلحة المستمرة ، واعتصام العشرات من الاكراد للمطالبة بارجاع جنسيتهم السورية تلاه تجمع للمئات من الاطفال الكرد امام مقر اليونسيف لنفس الغرض في يوم الطفل العالمي في الخامس والعشرين من حزيران عام 2003 رغم تعرض العديد للاعتقالات وجرت اعمال عنف اجتاحت عدة مدن سورية في آذار عام 2004 ، وفي البحرين حدثت اضطرابات كان اعنفها أوائل عام 1994 والتي ما زالت مستمرة مطالبة بتفعيل الدستور واجراء انتخابات نزيهة ، أما اليمن فقد شنت السلطات العسكرية حرباً على حسين الحوثي واتباعه استمرت منذ حزيران 2004 واستخدمت الاسلحة النارية لقمع الاعتصام السلمي الذي دعى له مجلس تنسيق المسرحيين الجنوبيين واعتقل العشرات في ساحة الحرية اثناء احتفالهم بمناسبة عيد القوات المسلحة الجنوبية. ذلك يؤشر حالة جديرة بالاهتمام وهي سقوط الشعارات المورفينية التي كانت تحقن بها الشعوب والتي لم تعد مؤثرة في كبح جماح رغبة المجتمع في الاصلاح والتغيير وكذلك التستر خلف قضايا الامة المركزية الذي لم يعد مجدياً حيث فشلت وصفة القرن الماضي والتي تمثلت بتذويب الجزء (الوطن) في الكل (الامة) لما فيها من اجحاف للمكونات الاخرى .

لذلك على الجميع ان يبادر لفتح هذه الملفات والعمل على اصلاحها حتى لا تتفاقم الازمات وتدفع باتجاه انهيار الجغرافية السياسية للمنطقة وهنا لا يحتاج الجميع لسايكس بيكو جديد فالجميع يعرف جغرافيته وحدوده وعلى الشعوب ان تزيد حراكها من أجل المطالبة بالاصلاحات ولا ترهبها الصورة المزيفة والمهولة التي تعرض كل يوم عن العراق ، فالتجربة العراقية ليست بعبعاً والمرحلة الانتقالية في طريقها الى الزوال فليضغط الجميع تحت شعار الاصلاح بدل الانهيار.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك