المقالات

الحقيقة المكبلة/ أسعد كمال الشبلي

2474 2016-07-06

في المدينة الصغيرة توجد شوارع رئيسية وتتفرع منها شوارع فرعية وهكذا يستمر التفرع مرورا بالقطاعات وانتهاء باﻷزقة، ولم نرى يوما أن زقاقا تمدد أكبر من مساحته ليخترق قطاعات أخرى،حقيقة مفادها أن لكل شيء في المدينة مساحة، ولكل مساحة حدود تنتهي عندها لتتكامل مع مساحات أخرى لتكون حقيقة المدينة.

لنعكس هذا المثال على واقع مجتمعاتنا العربية بشكل عام ونرى بوضوح كم أن مساحاتنا متداخلة مع بعضها البعض، فمساحة المذهب تريد أن تكتسح مساحة الدين! ومساحة القومية تروم اكتساح مساحة الوطن واﻷدهى من ذلك أن مساحة حزب صغير تحاول أن تمﻷ جميع المساحات!
إن هذه المغالطات في فهم المساحات نتيجة لعدم الاعتراف بثقافة اﻷختلاف التي تحدد لنا أين تنتهي مساحات الطوائف أمام مساحات اﻷديان واﻷوطان،بل تحدد لنا أيضا، أين تنتهي مساحة الفرد عند مساحة المجتمع، ولكن هذا الفهم الخاطئ كان ولايزال مصدرا لإراقة الدماء و تشبع مجتمعاتنا بالطائفية! 
إنني أبيض وذاك أسود! إنني جميل وذاك قبيح! إنني طويل وذاك قصير!  إنني كريم وذاك بخيل ! إنني على حق والجميع على باطل! لماذا لا ننظر الى الآخر باحتوائية وتقبل فهو ان كان خاطئا أو مختلا -كما نظن أو نعتقد- في شكله أو لونه أو دينه أو مذهبه أو معتقده الفكري ، فهذا الخطأ لا ينعكس إلا عليه شخصيا ،ولا يحاسب اﻹنسان بجريرة غيره، فلماذا نحاول النيل منه وفرض قناعاتنا ومعتقداتنا عليه جبرا حتى وإن تطلب اﻷمر إراقة الدماء وتخريب المدن!
ان هذا التفكير الخاطئ هو من وفر الفرصة السانحة لنمو المشاريع الدخيلة في مجتمعاتنا وكل فئة منا تشعر بالضعف تبرر وتحلل لنفسها الاستعانة بالعدو المشترك الذي لا يهمه سوى تحقيق أهدافه الخاصة بعيدا عن متطلبات واحتياجات مجتمعاتنا التي أنهكتها اﻹختلافات ! والنتيجة أن الدماء تسيل يوميا وعندما نحاول حل اﻷزمة نأتي بحل قصير المدى لا يمس جوهر أزماتنا اﻷساس وهو ( الفهم الخاطئ للإختلاف)، وبعد مدة قد تطول أو تقصر، تعود اﻷزمة بثوب جديد!
وتتضاعف اﻷزمات وتكثر الحروب ولا حل يلوح في اﻷفق، وأي حل يأتي والجميع خائف! خائف من ماذا؟ خائف من المصارحة التي تزيل اﻷقنعة عن حقيقة النوايا واﻷهداف الخاصة والقناعات الشخصية، خائف من اﻹعتراف بمساحة اﻵخر حتى وإن كانت غير مشروعة متى ماكانت لاتمس مساحته ولا تنال من حقوقه ومتطلباته.
أما آن اﻷوان لفك الوثاق عن الحقيقة المكبلة ؟! حقيقة احترام المساحات وضبط حدودها، حقيقة تكامل الاختلافات لا تناحرها، حقيقة العيش المشترك الذي يختزل كل العناوين المعتقدية والفكرية والثقافية في عنوان واحد وهو (اﻹنسان).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك