بقلم جوزيف بشارة
استفزني البيان الذي أصدرته حماس لنعي "شهيد الأمة"، "الأخ المجاهد البطل المرابط" أبو مصعب الزرقاوي "الذي استشهد على أيدي عناصر الحملة الصليبية الشرسة التي تستهدف جميع ربوع الوطن العربي ابتداء من أرض الرافدين" حسبما ذكر البيان. جاءت صياغة البيان لتلقي بظلال داكنة حول مستقبل فلسطين التي سلمها شعبها لحركة حماس في الانتخابات الحرة التي اجريت في بداية العام الجاري. ما كان البيان ليثير أية أهمية لو لم تكن حماس في موقع السلطة في هذا الوقت الحرج من تاريخ الشعب الفلسطيني. ففي الوقت الذي رحبت فيه معظم دول العالم، وعلى رأسها العراق، بغياب السفاح الأول في عالم اليوم الذي راح ضحية إرهابه عشرات الألاف من الأبرياء، اختارت حركة حماس الحاكمة في فلسطين أن تندد باغتياله، وأن تنعيه بحزن وأسى شديدين. وفي الوقت الذي يدرك فيه العالم أن الزرقاوي كان يستهدف وحدة العراق، وأن التخلص منه قد يساعد في عودة الاستقرار لهذا البلد المكلوم، شاءت حركة حماس أن تتحدى العقل والمنطق والاعتدال بإعلانها أن التخلص من الزرقاوي يستهدف الوطن العربي.وقفت حركة حماس منذ نشأتها على نفس الأرضية التي اتخذتها جماعات مثل الإخوان المسلمين منطلقاً لأفكارها المتطرفة، وها هي اليوم تضع نفسها في نفس الخندق مع تنظيم القاعدة الإرهابي لتدافع عن إرهابي مجرم عانى من وحشيته شعب بأكمله. لقد رفض العرب دوماً تصنيف إسرائيل لحماس على أنها منظمة إرهابية، كما استنكر العرب أيضاً إدراج الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية للحركة على قوائم المنظمات الإرهابية أو الداعمة للإرهاب بدعوى التفريق بين المقاومة المشروعة للاحتلال والإرهاب، رغم أن استهداف الأطفال والنساء والشيوخ لا يعد إطلاقاً من اعمال المقاومة الشريفة المشروعة. ورغم كل الخطايا والمواقف الحرجة التي تسببت بها حماس للعرب، فقد استمرأت الحكومات العربية الدفاع عن الحركة احتراماً للقضية الفلسطينية، واحتجاجاً على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ولكن ها هي حركة حماس، بنعيها للإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، تقدم الدليل القاطع على تعاطفها وإن لم يكن على انتمائها للتنظيمات الإرهابية، وتثبت صحة الأسرائيليين والأمريكيين.من المؤكد أن البيان الذي أصدرته حماس لنعي الزرقاوي لم يكن تكتيكياً بغرض تحقيق كسب جماهيري كما يفعل البعض، وإنما جاء استراتيجياً ومعبراً عن السياسات والتوجهات الفكرية الحقيقية للحركة التي تشترك فيها مع كافة التنظيمات المتطرفة وجماعات الإسلام السياسي. لعل نظرة تأملية على الأوضاع الغير مستقرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ جاءت حركة حماس إلى السلطة، والأوضاع الخطيرة التي تسبب بها الزرقاوي في العراق في السنوات الأخيرة تشير إلى وجود تشابه كبير بين الحالتين ناتج عن تطابق في سياسة حماس وأسلوب القاعدة. فالعراق اقترب بشدة من الحرب الأهلية بسبب الأعمال الإرهابية لتنظيم القاعدة، وها هي فلسطين تبدو على أعتاب مرحلة تقاتل بين فصائلها بسبب السياسات الحمقاء لحركة حماس، كما أن تنظيم القاعدة تبنى الجهاد ضد الفصائل العراقية المختلفة وبخاصة الشيعة، وها هي حركة حماس تتبنى جهاداً ضد معارضيها من الفلسطينيين وبخاصة حركة فتح.لست ادري ما هي الخدمات التي قدمها الزرقاوي للشعب الفلسطيني حتى تصفه حماس بشهيد الأمة. لا أظن أن الزرقاوي أراد تحرير فلسطين عبر التخلص من الشيعة والمسيحيين العراقيين، أو عبر تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة كما أراد. لقد أضر الزرقاوي وتنظيمه الإرهابي بالقضايا العربية والإسلامية كما لم يفعل أحد ممن يحلو للعرب والمسلمون بوصفهم بالأعداء. لقد ساهم الزرقاوي بأعماله البربرية الإرهابية غير المسبوقة ومنها الذبح العلني للرهائن والعمليات الانتحارية ضد العراقيين بتكوين صورة بشعة عن العرب والمسلمين في ذهن الرأي العام العالمي. ولقد كانت القضية الفلسطينية من أهم القضايا التي تأثرت سلبياً بأعمال الزرقاوي وتنظيم القاعدة بعدما خفت الاهتمام بالقضية الفلسطينية لمصلحة قضية الحرب على الإرهاب.عكس بيان حركة حماس القاسم المشترك بين أهداف تنظيم القاعدة وحركة حماس في المجالات الإقليمية والدولية. فإذا كان الهدف الأسمى للتنظيمين هو - كما يدعيان - إزالة اسرائل من الوجود، فإن توجهات التنظيمين تشير إلى أنهما يرغبان – في الواقع - في القضاء على الحقوق الفلسطينية المشروعة بانشاء الدولة المستقلة. إذا كنا لا نعتب على جنون قادة تنظيم القاعدة الذين قد لا يكونون بالحقيقة مهتمين بالقضية الفلسطينية، وإنما يستخدمها كسبوبة لاكتساب تأييد الشارع الإسلامي، فإن موقفنا من قادة حركة حماس يختلف تماماً. فالحركة تتولى في الوقت الراهن مسئولية إدارة شئون الشعب الفلسطيني، وهي من ثم فهي مسئولة مسئولية كاملة عن أمن وسلامة ووحدة الشعب الفلسطيني وفصائله المختلفة.إن ما تقوم به حماس من أعمال غير مسئولة يهدد مستقبل الحلم الفلسطيني، ويقدم المبررات للإسرائيليين والعالم باتخاذ موقف متشدد من الفلسطينيين على خلفية اختيارهم - ديموقراطياً - للحركة لقيادتهم في المرحلة الحالية. لا يغفل على أحد أن تهرب حماس من تنفيذ كافة الاتفاقات الدولية التي وقعتها والتزمت بها الحكومات الفلسطينية السابقة، بالإضافة إلى تسببها في حالة عدم الاستقرار بالأراضي الفلسطينية، ودعمها للإرهاب وتنظيماته سيلقي حتماً بظلال سوداوية على القضية الفلسطينية طالما بقيت حماس في السلطة. ومن ثم فلقد أصبح عزل الحركة – بعد مجرد شهور قلائل في السلطة – مسألة وقت وليس أكثر، بعدما بدأت في فقد المصداقية التي منحها إياها الفلسطينيون.لقد جاء موقف حماس المؤيد لتنظيم القاعدة بشقية اللادني والزرقاوي متسقاً مع موقف العديدين من العرب والمسلمين الذين قبلوا أو ساندوا الأعمال الإرهابية التي شنها التنظيم ضد الأبرياء في مختلف بقاع العالم. كان بعض الإعلاميين الذين استخدموا التنظيمات الإرهابية لأغراض تجارية وجماهيرية، والذين فقدوا ضمائرهم، والذين عبث التطرف برؤوسهم فأفرغها من عقولهم من أهم هؤلاء الذين ساندوا إرهاب القاعدة، وهللوا للصعود المتزايد لقوى التطرف ومنها حركة حماس حين كلفها الفلسطينيون بتشكيل الحكومة. لقد جاء التأييد الأعمى الذي قدمه البعض لاتجاهات وسياسات حركة حماس ليصيب الوحدة الوطنية الفلسطينية في مقتل، فضلاً عن أنه أصاب الحقوق الفلسطينية بأضرار بالغة تتطلب مداواتها زماناً طويلاً.لم يكن البرنامج السياسي لحماس هو الذي جاء بها إلى السلطة، لقد اختار الفلسطينيون حركة حماس بالمقام الأول لمكافحة الفساد الذي ذكرت تقارير أنه استشرى في مؤسسات السلطة الفلسطينية ووزاراتها حين تولت حركة فتح المسئولية. ولكن الانهيار الاقتصادي والمالي الذي شهدته فلسطين منذ تولت حماس السلطة بسبب توقف المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات المالية ربما دفع الفلسطينيين إلى الندم على اختياره الديمقراطي السابق. فهل ادرك الفلسطينيون المصائب التي ستحل بهم إذا ما استمرت حماس في السلطة؟ لعل الخروج من المستنقع الحماسي يأتي عندما يقرر الرئيس الفلسطيني اجراء الاستفتاء على وثيقة الأسرى. لعل الفلسطينيون يفيقون من غفوتهم فينزعوا الثقة – ديمقراطياً - من الحركة الزرقاوية اللادنية التي باتت تهدد وحدة الشعب الفلسطيني.ملحوظة: ترى هل هناك علاقة بين أسف التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها حركة حماس لاغتيال الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، وتجاهل معظم الدول العربية لخبر تخلص العراق من أبرز أعدائه على الإطلاق؟ ألا يعني غياب هذا الإرهابي شيئاً للحكومات العربية التي تتشدق بشعارات مثل "وحدة العراق"، "استقرار العراق"، "مستقبل العراق"، وغيرها؟ هل هذا التجاهل أسف على استحياء؟ ربما ولما لا...جوزيف بشارة
https://telegram.me/buratha