قيس النجم
قيل إن الحرية سلوك إبداعي، شئنا أم أبينا، فكيف إذا كان المبدع سيداً للإبداع، وهو الشهيد العطشان، الذي سطر بدمائه، وعياله، وأنصاره، أعظم ملحمة تقدست بموجبها، كرامة الإنسان، وإصلاح المجتمع، ومواجهة الطغاة، الذين يحكمون باسم الإسلام، والإسلام منهم براء.
مسيرة الأربعين وحدها، التي تعرف المعنى الحقيقي للصبر، وتمنح الزاحفين فيها، معنى كبرياء الإباء والتواضع في آن واحد، فالدموع والدماء، تمشي الى كربلاء على حد سواء.
تأخذ المسيرة عنفوانها، من قيادتها المتمثلة بسبط النبي، وأهل بيته، (صلواته تعالى عليه أجمعين)، حيث يجتمع ملايين العاشقين، في رواية الأقدام الزاحفة، صوب كعبة الأحرار، ومواساة لأم المصائب، وجبل الصبر عقيلة بني هاشم، السيدة زينب (عليها السلام)، التي سلطت الأضواء، وما تزال أشعتها، تزحف نحو أقاصي العالم، فيقف متحيراً أمام هذا الإصرار، على مقارعة الظلم، بقدر بشاعة ما إقترفه، طغاة عصرها بحق الدين وأهله، فأشاع الفسق، والفجور، والبدع.
إما هذه الرايات الحسينية العملاقة، فحدث بلا حرج، إنها صواريخ علوية، ترهب الطغاة، وتشعل جذوة الحرية والإباء، في عقر دارهم، فحتى الذين لا يشاركون العزاء، يترقبون النصر والإنتصار، من نفوس أبية، يمنحها وجود الحسين بقاء لا ينتهي، لأن الحسين والعقيلة بنفس الإستجابة، لمعركة الوجود والضمير، ومن هذه الملاحم نستمد العطاء، والسير نحو نهج الإصلاح، للوصول الى الحرية المفقودة ومحاربة الطغاة، كما أراد الأمام الحسين (عليه السلام)، فقضيته قضية إصلاح.
الطاغية يعتقد، بأن ملكه لن يزول مدى الحياة، ولا يمكن لأحد أن يزيحه عن عرشه، ولكن شيء واحد يرهبه، هو مٌلك الحسين، في ضمير الموالين العاطفي، المشحون بالصمود والتحدي، وإيصال رسائل إنسانية، تحد من التطرف، وصراع بين الطوائف، فثورة الحسين، أشركت جميع الأقليات مع الأغلبية الملمة، لإصلاح أمة الإسلام، فهي للعالم أجمع، مهما كانت ديانته.
الإستعداد الرباني لمسيرة الأربعين، والتهيئة العقائدية دون سابق إنذار لهم، أمر تكويني تكفل به الباريء عز وجل، لإحياء هذه الشعيرة المقدسة، حيث أنها من تقوى القلوب، والعاقبة للمتقين.
ختاماً: ما ينبغي أن يقال حول مسيرة الأربعين، ليس ثورة ضد الطغاة والجبابرة، بل إنها ملحمة عالمية، تتحدث عن شهيد، وإرادة، وقضية، وتتمثل في إستشعار الشعوب، بضرورة العيش بكرامة، وإصراره على العطاء والتضحية، مهما بلغت سطوة الطاغية، فهو الى زوال، وثورة الحسين الى بقاء.
https://telegram.me/buratha