عندما تغيرت الاوضاع السابقة كان الامل معقودا على تبدل الاوضاع الى حال افضل ولم يكن متوقعا ان تعود الاوضاع الى الوراء ابدا ,لكن الاوضاع لم تتغير بالسرعة المنتظرة بل بقيت الامور على حالها في بعض الاماكن وساءت بعض الامور اكثر مما كانت .
وكانت اوضاع الحصول على الكتاب الديني سيئة جدا حتى ان كثيرا من شباب الثمانينات دفعوا حياتهم ثمنا للحصول على كتاب واحد , وكان المتوقع ان ينفتح البلد على سوق الكتاب العالمي وهذا ما حصل فعلا وصار العراق نتيجة لذلك سوقا مفتوحة لكل المؤلفات حتى التي تعمل على افساد عقائد المسلمين واخلاقهم .
وانتشرت عمليات بيع الكتاب الديني بصورة غير مسبوقة حتى وصل الامر الى التنافس الشديد بين دور النشر للحصول على موضع قدم في العراق لانه البلد الاول في القراءة الى هذه اللحظة وهذا ما اكده اكثر المشاركين في معارض الكتب التي اقيمت في العراق خلال السنوات العشر الماضية.
وكانت المؤسسات الدينية هي الاخرى بحاجة الى المشاركة في هذا الانفتاح على الكتب لان عملها كان قريبا جدا من نشر بعض المخطوطات او تحقيق بعض المؤلفات او اعادة نشرها من جديد وخلال هذه المدة كانت المعارض التي تبيع الكتب هي المنفذ الذي تساهم من خلاله المؤسسات الدينية ومنها العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية في نشر المعارف الاسلامية .
ومن خلال التعامل مع هذه المؤسسات ظهر للجميع ان تكوين فريق العمل الخاص بمثل هذه الاعمال كان يعاني من عدد من المشاكل التي تقف خلف عدم امكانية تكوين فريق عمل مناسب .
والصعوبات التي تواجه هذا العمل كثيرة منها المحسوبية على حساب التخصص ومنها محاولة الاستفادة من اوضاع الفساد التي تنتشر في كل مفاصل المؤسسات العامة والخاصة ومنها عدم وجود نموذج حي يمكن الاستفادة منه في تكوين فريق عمل المؤسسات الجديدة وهكذا ...
ومن الملفت ان الكثير من المؤسسات كانت تنظر الى بعض المؤسسات في بعض الدول الاسلامية وحاولت استنساخ تجربتها من دون مراعاة اوضاع البلد وخصوصياته وكانت النتيجة هو حصول نسخ من المؤسسات الجديدو لا تحمل من العمل المؤسساتي سوى الاسم .
وعندما كنت اتصفح قبل ايام الكتب المعروضة في معرض الكتاب الدائم في النجف الاشرف بعد اداء مراسم الزيارة لفت نظري وجود عدد مناسب من الاشخاص ينظرون الى عناوين الكتب والهدايا المعروضة في المكان .
وكنت اريد ان اقضي اكبر وقت في المكان لاني كنت انتظر شخصا كان في طريقه الى المكان وبعد مرور نصف ساعة من التواجد سمعت بعض الموظفين العاملين في المكان يتحدثون فيما بينهم وكانت الصدمة انهم كانوا يتحدثون عن الكتب بطريقة غريبة وكانهم يتحدثون عن خضروات او فاكهة يبيعونها في الشارع وهم يتفكهون بصوت عال فقلت في نفسي هل هذا فعلا مكان لبيع الكتب ؟؟
وهل هؤلاء يعملون في بيع الكتب ؟؟ علما ان التاريخ يحدثنا كيف ان بعض اصحاب المكتبات صاروا علماء وكتبوا عددا من المؤلفات النافعة ...فيما يهزأ هؤلاء بالكتب ويتفكهون فيا له من زمن غريب ان يصبح الكتاب الذي هو منار علم وهداية مادة للفكاهة ومن قبل اشخاص يعملون في مؤسسة دينية ...
وعندما كنت اتصفح الكتب في المكتبة الفيصلية وجدت عددا من الكتب التي طبعت في مطابع النجف وهي مجلدة بجلاد خاص بالمكتبة مع انها مطبوعة في مطبعة الاداب الشهيرة في حي عدن وغيرها من المطابع فقلت في نفسي كيف كانت تصل هذه الكتب الى السعودية وهي مطبوعة في النجف ؟؟؟
وعندما سالت الشيخ شريف كاشف الغطاء بين لي كيف ان السعودية كانت تحرص على الحصول على نسبة كبيرة من المطبوعات المحققة في العراق ومنها الكتب الادبية والدينية وكان هذا الاتفاق معمولا به في زمن النظام السابق...
وعندما كنت اتجول في المكتبة الفيصلية كان السكون والاحترام لمحل بيع الكتب حاضرا حتى اني رجعت عدة مرات الى المكان ولم اتمكن من الحصول على تعليق بسيط من صاحب المكان حول الكتب بالرغم من انه كان شخصا مثقفا وكان يقرا اثناء التواجد في المكتبة وتذكرت اني تجولت في بداية التسعينات مرة في مكتبة في شارع الرشيد ووجدت كتابا باسم مواهب الرحمن في تفسيرالقران فاردت شراءه فبادرني بالقول ان هذا ليس كتاب السيد عبد الاعلى السبزواري بل هذا كتاب شخص اخر يحمل نفس الاسم وقد فرحت كثيرا بوجود بائع يعرف الكتب ويعلم من خلال اسئلة الزبون انه ينتمي الى مدرسة بعينها فليتنا كنا نحصل على مثل هذه الامكانيات الان بعد ان صار امر البيع بايدينا ومن دون رقيب ولا نثرثر بالكلام عن الكتب ونحن لا نعلم حتى عن اي شيء تتحدث ؟؟؟
انها من مصائب القرن الحادي والعشرين ان ترى بائع الكتب لا يعرف سوى طريقة بيع الخضار.
جميل مانع البزوني
https://telegram.me/buratha