المقالات

صفقوا لهذا الضابط الشريف

1469 2015-03-30

الشرف منظومة أخلاقية واحدة حتى وإن تعددت الأشكال، والتوصيفات. وشرف الرجل الحر يتأكد في حفاظه على أرضه، وعرضه، وعلى ما في ذمته من أمانات، والتزامات، وعهود. وكذلك في حفاظه على نصاعة اسمه، وطهر يده، وضميره.. ولأن الشرف واحد لا يتجزأ، قال شاعر الشرف الوطني مظفر النواب في قصيدة (حسن الشموس): طرَّن هورهم... حـگ.. وأفلعهن عليك إجروح يجحِّلن.. چا المُطبجات الزرگ.. صِّلهن يشَّوغ الروح وأجيك شراع ما هو شراع... عريانه سفينة نوح... وإزلام التساوم حف شواربها الشعب.. وشوارب الثوار للثوار چا هو لعب دم الشعب يبني.. چا هو الشرف شكلين جاوبني؟ كلا أيها الشاعر الكبير، فالشرف لن يكون (شكلين) أبدا..

إنما هو واحد في كل زمان ومكان. فالجندي الذي يقاتل دفاعاً عن الوطن، إنما هو يقاتل دفاعاً عن الشرف. وكذلك المقاتل في الحشد الشعبي الذي يقطع آلاف الأميال من أجل ان يحرر أرضاً لا يملك فيها شبراً واحداً، فيستشهد فيها، وهو لا يعرف أن صاحبها من غير دينه، أو مذهبه، أو قوميته!! أما الجندي، أو الشرطي (السني)، الذي يحتضن إرهابياً بحزام ناسف، ويركض به لمسافة معينة ليفجره بجسده الطاهر، ويبعد الموت عن أخوته الزوار (الشيعة)، فهذا العمل البطولي، قمة في الشرف والغيرة والأصالة.. ونفس الشيء يقال عن الموظف النزيه، الذي يرفض الرشوة، والسرقة، واختلاس المال العام، ويقال عن أمينة الصندوق التي تفضل الموت على خيانة الأمانة الموكلة اليها، سواء أكانت تعمل في مصرف حكومي، أم في مصرف أهلي، أم في أية مسؤولية مالية..

أكتب هذه المقدمة، وأنا أقرأ الأخبار الواردة لنا اليوم عن ضابط برتبة (مقدم) ينتسب الى شرطة ذي قار، رفض رشوة مقدارها مليار دينار مقدمة له من متهم هارب عن العدالة، مقابل إخلاء سبيله.. وقد أراد هذا المتهم عبرهذه الرشوة اللعينة شراء ذمة وضمير هذا الضابط، وحاشا لله أن يتمكن الأوغاد من شراء ذمم وضمائر الشرفاء!! الضابط أسمه: المقدم (رائد محسن الجابري) آمر سرية مكافحة الشغب التابعة لمديرية شرطة ذي قار.. ربما يسألني قارئ كريم عن الضرورة التي دعتني لكتابة مثل هذا المقال في قضية هي في كل الأحوال واجب وظيفي يؤديه موظف ما، أو ضابط مؤتمن على عمل فأحسن في عمله.. وقد يسألني نفس القارئ الكريم ويقول: وهل ستكتب الصحافة الأمريكية أو البريطانية مثلاً عن هذا الضابط، لو كان قد قام بنفس هذا العمل في نيويورك أو في لندن؟ وجوابي: قطعاً لا، لأن أمريكا وبريطانيا خاليتان من أوبئة الفساد، ومن فايروسات المال الحرام. فالموظف النزيه في أمريكا أو بريطانيا لا يحظى بأية استثنائية، أو اهتمام خاص.. لسبب بسيط هو أن الجميع هناك نزهاء، فكيف تميز نزيهاً في مجتمع كله نزيه؟ بينما في العراق، حيث أصبح بلدنا في مقدمة بلدان الفساد في العالم، يعد الموظف النزيه فيه اليوم مثالاً ساطعاً وقدوة عظيمة، بل وتحفة نادرةً. وبهذه المناسبة دعوني أذكركم بتصريح السيدة (سيلفا شجينك) رئيسة منظمة الشفافية العالمية الذي أطلقته في مؤتمر صحافي عقد قبل أيام في برلين، ذكرت فيه أسماء (180) بلداً فاسداً في العالم، وقد جاء العراق ثالثاً في قائمة أسوأ بلدان العالم من ناحية الفساد الإداري بعد دولتي الصومال وماينمار، وقد أشارت رئيسة المنظمة في تقريرها هذا إلى أن هذا التصنيف يستند إلى رصد دقيق للفساد الإداري الملاحظ من قبل رجال الأعمال والمحللين الاقتصاديين.. والمتابعين الدوليين والمحليين. ولم يحصل العراق من المقياس المؤلف من 10 نقاط في نواحي النزاهة، سوى على نقطة واحدة وثلاثة بالعشرة من النقطة فقط..

لذلك فإن الإشارة بأصابع التقدير الى العمل الذي قام به المقدم رائد محسن الجابري، يعد بالنسبة لي كصحفي عراقي مسؤول واجباً وطنياً وأخلاقياً ومهنياً أيضاً، فمهمة الصحفي ليست النقد، وتأشير النواحي السلبية فحسب، إنما يتوجب عليه أيضاً ذكر المواقف، والأعمال الإيجابية في أداء الدولة، والمجتمع العراقي. وقبل ان أطلعكم على نص الخبر الوارد لنا من شرطة ذي قار، تعالوا معي لنصفق لهذا الضابط النزيه، والشريف، ونشد على يديه الكريمتين، فالشرف منظومة واحدة لا تتجزأ، ولا تتقسم. الخبر المنشور: (كشفت مديرية شرطة ذي قار ان احد الضباط المنتسبين على ملاكها رفض رشوة بمبلغ مليار دينار عراقي، حاول احد المتهمين تقديمها له للحيلولة دون اعتقاله. وقالت مديرية الشرطة في بيان لها ان "رئاسة محكمة استئناف محافظة ذي قار وجهت كتاب شكر وتقدير الى امر سرية مكافحة الشغب المقدم رائد محسن الجابري، لاعتقاله المتهم الهارب ع. م. ع، ورفضه رشوة مليار دينار مقابل اخلاء سبيل المتهم".

واضاف ان "المحكمة اوضحت في كتاب الشكر، ان المتهم كان مطلوبا للقضاء عن جرائم غسيل اموال ونصب واحتيال، فضلا عن جرائم تزوير وانتحال صفة قاض، وقد ضبط بحوزته عدد من الوثائق والمستمسكات المزورة". واوضح البيان ان "المتهم عرض رشوة على الجابري قدرها مليار دينار عراقي مقابل اخلاء سبيله وعدم تسليمه للقضاء، غير ان الاخير رفضها، وهو ما يدل على نزاهته وتفانيه في اداء العمل" بحسب البيان. هذا وقد تم اعتقال المتهم مساء الثلاثاء الماضي، وهو متورط بتهمة انتحال شخصية قاضٍ، وقد ضبطت بحوزته هوية قاض مزورة ومستمسكات مزورة اخرى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك