من تداعيات سقوط سلطة صدام وهي كثيرة تفجر حالة انعدام الثقة بين طبقات المجتمع العراقي ( وخاصة فئاته الثلاث)، الامر الذي جعل السياسيين الممثلين لهذه الطبقات يركبون الموجة- مجبرين ومحقين- نتيجة ما افرزته سلوكيات السلطات التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيسه قبل اكثر من تسعين عاما واتكأت على مكون بعينه وخصته بالتفضيل والتسيد والامتيازات ،والمناصب، وخاصة فترة التسلط الدكتاتوري الصدامي وممارساته الشوفينية ضد الكورد، والطائفية ضد الشيعة، والتعسفية القمعية ضد جميع اطياف الشعب العراقي ،اذ تولد لدى الكورد حالة الخوف وعدم الاطمئنان فيما اذا تسلط العرب على حكومة المركز واستقوى كيانهم من ان يعودوا الى اضطهاد الكورد واعلان الحرب عليهم ،وتولد لدى الشيعة الخوف من عودة البعثيين وتعسفهم وطائفيتهم وممارساتهم القمعية ،كما تولد لدى السنة الخوف من الثأرية والتهميش في حالة تسلط الشيعة والكورد واستقرار الاوضاع للتجربة الديمقراطية المحكومة بالانتخابات النزيهة، وما تفرزه صناديق الاقتراع ،وهذا الهاجس كان السبب الاول في عدم استقرار الاوضاع والذي جعل العملية السياسية تراوح مكانها منذ اكثر من عشر سنوات ،فضلا عن الاسباب الاخرى مثل التدخلات الاقليمية التي يدخل عامل انعدام الثقة كسبب في تدخلاتها واثارة الارهاب والخراب لمنع نجاح التجربة الديمقراطية .وامام هذا الواقع المعقد لاتصمد التعهدات الشفهية ،ولااجتماعات وثيقة شرف، ولا جلسات مصالحة ،الامر يحتاج الى براهين وتطبيقات عملية من جميع الاطراف .فهل برهن احد الاطراف عمليا ، واثبت الاخلاص وحسن النية ليطمئن الاطراف الاخرى ؟!.
للحقيقة التأريخية لم نلمس ذلك التوجه الا عند قادة المجلس الاعلى ،وهذا ماشهدت به جميع الاطراف المشاركة في العملية السياسية .اذ تنازل المجلس الاعلى عن عدد كبير من مقاعده في الدورة الانتخابية للاطراف التي امتنعت حتى عن المشاركة في العملية السياسية ،وتنازل عن استحقاقه الانتخابي في رئاسة الوزراء لتسهيل مرور تشكيلل الحكومة الثانية والثالثة ،وسحب مرشحه من منصب نائب رئيس الجمهورية في الوزارة الرابعة حين اصر الاخرون على التمسك بمناصب اضافية زائدة عن اللزوم استهجنتها المرجعية ورفضها الشارع العراقي ،وظل خارج التشكيلة الوزارية برغم استحقاقه الانتخابي لعدة وزارات ،لم يتكالب على منصب وزاري ولم يفرض شروطا للدخول في التشكيلة الحكومية ،تجرد عن الاستئثار بالسلطة وتهميش الاخرين ،هو الذي طرح شعار ( المقبولية ) لمنصب رئيس الوزراء دفعا للاعتراضات والشكوك وتطمينا للاطراف الاخرى ، وهو الذي يدعو ويلح على تبني مصالحة حقيقية وعميقة لا مصالحة ظرفية او مصالحة شعارات ..وهو الذي طالب باعمار المدن السنية قبل الشيعية وطرح مشروع ( انبارنا الصامدة ) ، وهو الذي جند ابناء تياره استجابة لنداء المرجعية العليا دفاعا عن العراق اولا وتحريرا للمدن السنية التي سقطت بيد الارهاب ...وهو الذي لعب دور المفاوض والمقرب لوجهات النظر بين جميع الاطراف وساهم في حل اعقد الاشكالات التي عصفت بالعراق منذ 2003والتي كادت تطيح بالعملية السياسية وتسقط التجربة الديمقراطية .
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)