المقالات

فوبيا العين

1344 2014-10-10

للعين أمنيةٌ ليست صعبةٌ, لكنها مستحيلةٌ! لأن نظراتها ترفد القلب, بما يدمي أو ينعش؛ كلُ أملها أن لا تقرأ خبراً, يجعل غيوم الدمع تحجب الرؤيا عنها, أو ترى منظراً من شدةِ هولهِ تختبئ بجفنها كي لا تراه .
غفت العين المتعبة, متوسدةً رموشها الرطبة, إثر نزف دمعها السرمدي, أبحرت وهي منهكة, لعلها تجد ما يعيد لها كلَّ ألوانها, أو تعثر على نهر الرفاهيةِ, الذي تغتسل فيهِ غسل الكرامةِ والشموخ, لكنها حطت رحالها في مدينةٍ غريبة الأطوار, فاقدةَ الأسوار.

عند دخولها تلك المدينةِ, حلَّ الظلام في وسط النهار, من غير كسوفٍ يذكر؛ فسرعان ما أنتقل بها الفضول بين أزقةَ تلك المدينة, التي كان حمام السلام فيها, غربان شرٍ, قد صبغوا ريشها باللون الأبيض, ليوهمُ الناس بسلامها, عندها أخذت عيني, ترى العجب تلوى العجب.
كانت مدارسهم لها خوارٌ, والصبيةَ في هذهِ المدينةِ, يلعبون بالرصاص ويقفزون على النار, والنساء يتعطرنَ بالبارود, ويتخضبنَ بدماءِ القتلى, رأت الأطباء يكنسون الشوارع بزيهم, والذين يكنسون الشوارع, ذهبوا ليسرقوا أحشاءَ المرضى, ليتاجروا بها, والأسواق تعجُ بالبائعين ولا يوجد من يشتري, وتتعالى فيها أصواتهم: هنا كبدٌ, هنا قلبٌ, هنا عقلٌ, هنا ضميرٌ.
رأت شرطياً عجباً, يمنح القاتل رخصةَ حمل السلاح, ويزج المقتول بالسجن المؤبد, في حين الضابط يقف متحيراً, أمام أربطةِ بسطالهِ, عاجزاً عن فكِ رموزها؛ ومجرمين محترمين يشيعون جريمتهم, ويتباكون عليها, 
في المحكمةِ رأت عيني, ميزان العدالةِ بكفةٍ واحدةٍ, والكفة الأخرى بيدِ القاضي, الذي كان قرصان بحرٍ متمرد, وسفارات المقابر تكتظ بالصفاتِ الحميدةِ, التي تطالب بالهجرةِ أو طلب اللجوءِ لها.
رأت كلاباً غير جائعةً, ينبشون القبور ويخرجون الرفات, ويلعبون بالجماجم؛ وفي نواديهم أشباه رجالٍ, يحتسون بكؤوسِ جماجم الصبيةَ, التي خمروا أجسادهم ليحتسوا من دمهم, ونساءً يرقصنَ بالعلن, من دون سترٍ أو ورع, ونساءً في حجابهنَّ كالنعامةِ, تخفي رأسها وتلقي جسمها خارجاً.
رأت عيني أُناساً, يأكلون بعضهم بعضاً, ويأنسونَ لذلك, ويشربونَ من نهرٍ أحمرٍ, قد صبغوهُ بدمائهم, ولا يدفنونَ جثثهم, فهي إما تحرق أو تغرق.
أعتلى المشاهدين خشبةَ المسرح, والممثلين جلسوا ليتفرجوا, ودخل المشجعين إلى الملعب, و وقف اللاعبين على المدرجات يهتفوا لهم, والمساجد علقت شهادةً مبتورةً, كتب فيها (لا إله), وبغبائهم يكبرون, وإلى أرذلهم يأتمرون.

رأت عيني عرسَ جنازةٍ, وفلاحاً يحرثُ أرضَ عمرهِ, لينثرَ فيها بذورَ الصبر لكي يحصد الأمل, فيبيعهُ في سوق اليأس.
في نهايةِ تلكَ المدينة, أدركت عيني أنها سجينةَ أحلام اليقظة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك