المقالات

المصالحة الوطنية في العراق بين الشعار والتطبيق

2494 2014-09-15

يعود تعبير المصالحة الوطنية إلى الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول، وقد استخدمه فيما بعد على التوالي كل من جورج بومبيدو وفرنسوا ميتران، وذلك عندما رسخ عندهما الاعتقاد بضرورة تحمل مسؤولية محو ديون وجرائم الماضي التي وقعت تحت الاحتلال أو إبّان حرب الجزائر. واستخدم مانديلا هذا المفهوم في جنوب أفريقيا عندما كان قابعاً في السجن، إذ رأى أن من واجبه أن يضطلع بنفسه بقرار التفاوض حول مبدأ إجراء العفو العام، الذي سيتبع أولاً عودة منفيي المؤتمر الوطني الإفريقي ويطمح إلى مصالحة وطنية، بدونها سيكون البلد عرضةً لمزيد من الاحتراق وإراقة الدماء التي سيقف وراءها الانتقام بكل تأكيد.

ويطلق مفهوم المصالحة بشكل عام على الحالات التي يكون فيها  طرفان متعاديان ومتخاصمان ومتحاربان وليس مجرد مختلفين  في الرأي والرؤى الايديولوجيه وغيرها من الأطروحات الفكرية  حول قضية ما من القضايا . 

والمصالحة كمشروع طويل الأمد تعني انجاز توافق وطني  بين مختلف مكونات المجتمع ، وبالتالي فأن المصالحة ليس تعبير عن مرحلة معينة بذاتها وإنما إطار عام واستراتيجي وهي بالتأكيد تحتاج إلى توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة ، وسد الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة . فالمصالحة أذن درجةٌ ساميةٌ في درجات النضج السياسي للدولة وكذلك تشير إلى الوعي السائد بين أفرادها، وتدل على اكتمال رشد الدولة ومؤسساتها والتطور الثقافي والسياسي واستقامة الممارسات فيها . 

وهناك من يُعرّف المصالحة بأنها تنشأ على أساسها علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية ، وتقوم على قيم التسامح، وإزالة آثار صراعات الماضي، من خلال آليات محددة وواضحة وفق مجموعة من الإجراءات الهدف منها الوصول إلى نقطة الالتقاء ، بينما يعدهاّ البعض الآخر صيغة تفاهم بين أبناء الوطن الواحد للوصول إلى برنامج متفق عليه لإنقاذ الوطن من أزمته ووضعه على الطريق الصحيح أما المصالحة بالمعنى الشامل فهي ، توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة، وسدّ الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة، وتصحيح ما ترتب عليها من أخطاء وانتهاكات وجرائم، مع إيجاد الحلول المقبولة، وذلك لمعالجة تلك القضايا المختلف حولها بمنهجية المسالمة والحوار، بدلاً من منهجية العنف وإلغاء الآخر، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل والتسامح مع الماضي وترسيخ المشاركة وتعميق لغة الحوار . ويعتمد النهج الحقيقي للمصالحة الوطنية على إيجاد حلول للقضايا الأساسية في الصراع، والعمل على تغيير العلاقات بين الخصوم من الحقد والعداء والكراهية إلى الصداقة والوئام والشراكة، ولا بد أن يكون الجميع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات ،

ومن هنا نقول أن المصالحة الوطنية الحقيقية التي نريدها ، لا تعني أن يتساوى فيها الضحية والجلاد ، لأنها في النهاية مصالحة مع الذات أولا ومع الشركاء الذين لا بد لهم من الإيمان بأن القتلة والمجرمين خارج نطاق المصالحة والتسامح . ولذا فأن المصالحة لا تعني نسيان الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمجازر البشرية في الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية وسياسة الظلم الممنهج للإنسان العراقي والاضطهاد التي عاشها العراقيين في الحقبة المظلمة من نظام البعث الفاشي على امتداد 35 سنة من دون محاسبة قانونية أو تطبيق العدالة بحق مرتكبيها . كما لا يمكن أن نتصالح مع الإرهاب والمجرمين الذين سفكوا الدم العراقي تحت عناوين الجهاد والمقاومة ، وكانوا الامتداد الحقيقي للبعث وفلول النظام البائد الذين يحلمون بإعادة المعادلة السابقة في الحكم والتسلط . ولكي تكون المصالحة حقيقية وواقعية علينا تطبيق المسؤولية الجنائية والمدنية على جميع من ارتكب الإجرام والإرهاب بحق الإنسان العراقي ، والاعتراف الصريح بالمعانات التي سببتها تلك الأفعال وإدانتها .

فالمصالحة هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية التي تكون ضرورية لإعادة تأسيس الدولة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديمقراطية في الوقت ذاته. لكن المصالحة تتطلب نوعاً من الصفح والشخص الوحيد الذي يملك صلاحية الصفح هو الضحية، ولا يحق لأي مؤسسة أن تتدخل كطرف ثالث . وفي العراق نسمع الكثير عن مشروع المصالحة الوطنية والمشاركة في العميلة السياسية من اجل بناء عراق ديمقراطي اتحادي حر تعددي،ولكنها وللأسف الشديد لم تكن بمستوى المرحلة أو توازي الطموح ، حيث لم يتم التعريف الحقيقي للمصالحة ، ومع من تكون ، ولصالح من ، والكثير من مشاريع المصالحات كان حبر على ورق ولم نرى الآليات والبرامج الواقعية للتطبيق والتي يمكن لها أن تحوله من مجرد شعارات وخطابات سياسية إلى واقع عملي ومدروس يرتقي إلى ثقافة التسامح بين المكونات وحتى الأحزاب والتيارات السياسية المتنازعة والمتخاصمة على السلطة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك