المقالات

الإرهاب الفكري

1456 2014-08-03

هو أخطر انواع الإرهاب، بل هو المنبع الحقيقي له، فهو الذي يؤسس للإرهاب السياسي وإرهاب السلطة والإرهاب الديني والإرهاب بالقتل بالسلاح والسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة، كما انه الحاضنة الدافئة للفشل والهزائم والتراجع والتأخر.
ولكل ذلك استهدفته بعثة الرسل والأنبياء قبل اي شيء آخر، فقال تعالى {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} وهي كل ما يقف حجر عثرة ويحول دون حرية الفكر والتفكير من مصالح ضيقة وانانيات او من عبادة الشخصية، فإذا استطاع مجتمع من المجتمعات ان يسيطر ويقضي عليه، يكون قد جنب نفسه التورط بكل انواع الإرهاب الاخرى، والعكس هو الصحيح، فإذا انفلت من عقاله انتشرت كل انواع الإرهاب الاخرى في المجتمع.
وهو ارهاب يمارسه الجهلة والإمعات والمستفيدين من الحاكم والمطبّلين للقائد الضرورة وعبَدَ الطاغوت والمزمّرين للزعيم الأوحد، والذين يلحسون بقايا موائد السلطان وأبواق السلطة والجبناء والشياطين الخرساء التي تخاف من كلمة حق تقولها او حتى تسمعها او تقرأها.
ولكم ابتُلِي المجدّدون والمفكرون بمثل هذا الإرهاب، ففي العراق الحديث مثلا ابتلي به الامام الميرزا النائيني الذين يسميه المراجع كالحكيم والخوئي باستاذ الفقهاء، وذلك عندما اصدر كتابه المشهور (تنبيه الامة وتنزيه الملّة) فكاد ان يقتله الهمج الرعاع لولا لطف الله تعالى به، الامر الذي اضطره الى جمع نسخ كتابه من السوق وحرقها في ساحة داره، طبعا، فان الجميع اليوم يفتخر بكتابه ويعدّهُ احد ابرز المصادر التي يستند عليها الجميع لشرعنة أسس ومبادئ الديمقراطية.
اما الدكتور علي الوردي، فهو الاخر ابتلي بما ابتلي به اي مصلح عندما اصدر كتابه المشهور (وعاظ السلاطين) فلقد أُهدر دمه بفتوى بعضهم وكاد ان يُقتل وقتها، اما اليوم فان كتابه المذكور يطبع حتى في مدينتي قم المقدسة والنجف الأشرف!! تخيّل.
وليس الشهيد الصدر الاول والمرجع الراحل الشيرازي، ببعيدين عن ذلك، فالأول تعرّض لأقسى انواع التهم والافتراءات لمجرد انه فكّر في ان يُدخل اللغة الانجليزية في منهج الدراسة الحوزوية، والثاني تعرض لكل انواع سياسات التسقيط وتشويه الحقائق والتشكيك بالهوية، لمجرد انه أجاب على سؤال فقهي افتراضي يقول؛ لو ان الانسان كان على سطح القمر فإلى اي جهة يولّي وجهه عند الصلاة؟ وقتها لم تكن قدم الانسان قد وطِئت سطح القمر بعد.
وان من يمارس الإرهاب الفكري عادة ما يستخدم بادئ ذي بدء، الكلمات المنمّقة والجمل التي تثير المشاعر والعواطف، في مواجهة المصلح، فمثلا، اذا كتبت مقالا لم يفهمه او لم يُعجبه، تراه يذكّرك بتاريخك الناصع وكيف ان عليك ان لا تنزلق لمثل هذه الكتابات، وعندما لم تُعِرْ له اهتماما يصعّد في اللهجة كناصح امين يشفق عليك، فيدعوك مثلا الى التوبة أو الى العودة الى رشدك على اعتبارك انك انحرفت عن الصراط المستقيم الذي ترسمه مساطر القائد الضرورة وابواقه وزبانيته والمستفيدين منه، اما اذا لم ينفع معك مثل هذا الكلام فآخر الدواء الكي، اذا بلغة الشارع المليئة بالسباب البذيء وتوجيه التهم الرخيصة والتشكيك بارتباطاتك المشبوهة وبعقلك وفهمك، هي المسيطرة على المشهد.

انهم يريدون كل اصحاب الأقلام أبواق لوليّ نعمتهم، الّا انهم خسِئوا، ويريدونهم ان يبيعوا رسالتهم للقائد الضرورة مقابل حفنة من المال الحرام، ويريدون ان تكون الأقلام الشريفة والحرة أعواد ناعمة لطبولهم ونقّاراتهم، ولكنهم ما دروا او نسوا انه لازال في الساحة الفكرية والثقافية والإعلامية أقلام حرة ونزيهة وشريفة تؤشر على الخطأ بلا مجاملة وتنتقد بلا خوف وتشير الى الفشل والحل بلا أجر، وهي التي توقّت الكلمة لنفسها من دون ان تنتظر من احد ان يخبرها عما اذا كان هذا المقال وقته الان ام لا؟.

وبالنسبة لمن يمارس الإرهاب الفكري، فان كل الأوقات ليس مناسبا لا لتوجيه نقد ولا لطرح تساؤل، وإنما الوقت مناسب لأمر واحد فقط لا غير، هو التصفيق للقائد الضرورة ومدحه ليل نهار وتعظيم إنجازاته وتصديقه حتى اذا كاذبا في وضح النهار، على طريقة جواب ذاك المواطن الذي سُئِل عن حال الاعلام في بلاده؟ فقال: ان الاعلام عندنا على نوعين؛ الاول في مدح الحاكم والثاني في ذم أعدائه!!.
اذا وجّهت نصحا وقت النجاح قالوا لك؛ هلا صبرت؟ لماذا تُفسد علينا نشوة النصر؟ وإذا وجهت نقدا وقت الهزيمة، قالوا لك؛ وهل هي وقتها الان؟ انتظر لتمر علينا الأزمة على الأقل؟ لماذا تثبّط العزائم؟.
اذا نبّهت لخطر قالوا لك سحابة صيف عن قريب تقشعُ، وإذا ذكّرتهم عند تفاقمه قالوا لك؛ لقد اتّسع الخرقُ على الراقع!!.

ان أمثال هؤلاء هم اول المستفيدين وآخر المضحين عن طريق الصدفة، ولذلك تراهم يغيّرون ويبدّلون هوياتهم وجلودهم وولاءاتهم حيث يكون الحاكم في القصر، فهم خدمة مصالحهم وانانياتهم وليسوا خدمة الحاكم، اما الوطن والمواطن فلا يشغل في عقولهم ايّة مساحة.
اما بالنسبة لهم، فلهم الحق المطلق في تحديد وقت السب والذم والمديح والتهجم والطعن والتّأليه والصمت والكلام والحب والبغض وهكذا، لانهم يعتقدون ان الحق معهم يدور حيث ما داروا، وان الصالح العام طوع بنانهم لا يحدده غيرهم، اما الآخرون، فلهم الحق في ان ينتقدوا من يشاؤون، ويستفسروا ممن يشاؤون الا الزعيم الأوحد والقائد الضرورة فلا يحق لاحد ان ينظر بوجهه قبل ان يدفع صدقة، ويقدّم له فروض الطاعة والولاء والتسليم المطلق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك