المقالات

ليس العبرة اننا كتبنا دستورنا الدائم ولكن العبرة ان نصونه

1620 01:17:00 2007-07-12

( بقلم : طالب الوحيلي )

قد يمتاز كهولنا عن شبابنا بميزة معاصرتهم لاقسى الانظمة السياسية التي حكمت العراق،ومن قبل ذلك مراحل مهمة في تاريخه النضالي ،كالعهد الملكي ،وانبثاق العهد الجمهوري ،فكان جلنا يعرف معنى الدستور كونه كما قال الشاعر (علم ودستور ومجلس امة ...وكل عن المعنى الصحيح محرف)وقد يتذكر بعضنا البيت التالي لهذه القصيدة ،فالمهم في الامر اننا نعلم جيدا ماذا يعني الدستور وكيف توالت علينا مسمياته ،من قانون اساسي او دساتير موقتة كتبت اغلبها بدماء الابرياء ليتسلط من خلالها طغاة العصور على رقبة العراق ..

لم يحظ الشعب العراقي طيلة تاريخه السياسي بفرصة التعبير عن نفسه، كالفرصة التي سنحت له في عهد ما بعد سقوط النظام الصدامي البغيض، وقد تجلى ذلك اكثر من غيره خلال انتخابه للجمعية الوطنية التي كتبت له اول دستور دائم شهده العراق على وفق تجربة ديمقراطية لم تشهدها المنطقة العربية من قبل ،وقد تأكد له هذا الدور خلال عملية الاستفتاء العام على ذلك الدستور حيث كان الفعل المعبر عن الفهم والادراك العميق لاهمية ان يشعر بانه قد كتب دستوره بيده حقيقة وحكما،وانه من متطلبات بناء دولة القانون التي حرمته منها انماط الأحزاب الشمولية والأحكام العرفية القاهرة له فكان أسير أهواء زمر طائفية الغرض الاول منها تهميش الاغلبية وابقائها مجرد تابع ووقود لمحرقة الحروب والموت غيلة والقتل الجماعي،وتلك الأنماط مازالت لم تنفك تلاحقه اما عن طريق الحرب المباشرة، من خلال الجرائم الإرهابية التي استهدفت وجوده وشخصيته المعنوية بعد ان تحالفت كافة مكونات تركة المؤسسات الامنية للنظام المقبور و بقايا حزب البعث الصدامي مع قوى التكفير المحلي والوافد من خلف حدود وحواجز الجغرافيا والتأريخ . و التصدي لقوى الشعب المجاهدة عبر مسارات ومكامن متعددة اهما استخدام وسائل القتل والدمار ضد الافراد والممتلكات العامة والخاصة والسعي لاثارة الحرب الاهلية والاقتتال الطائفي..

او ان تلك القوى لم تأل جهدا للدخول القلق في المحاور السياسية بقصد ونوايا مبيتة ومدروسة لغرض اعاقة تقدم العملية السياسية والحيلولة دون تطبيق القانون وعرقلة سير القضاء في انزال قصاصه العادل بالمجرمين والقتلة وحواضن الارهاب والمتآمرين على سلامة النظام السياسي الجديد المبني على اسس الديمقراطية ونظام الدستور الدائم الذي ينبغي ان يكون ميزة هذه الانعطافة المهمة من تاريخ العراق السياسي ،كون العراق لم يمر طيلة تأريخه الحافل بالمتغيرات الحادة التضاريس ،بمرحلة الدستور الدائم ،فكانت تجاهر بالطعن بالقوى المجاهدة والمناضلة وتحاول النيل من تأريخها المعارض لصدام ونظامه،وتتعمد محو التاريخ الاستشهادي لابناء وادي الرافدين خلال العقود المنصرمة وما شهدته من مذابح وتصفيات جسدية لامشابه لها في العالم ،او تطعن بطبيعة تكوين هذا الشعب الذي اثبتت الايام والوقائع مستوى تكويناته وحجم كل منها بما لايقبل اللبس والايهام ،اوتدخل العملية السياسية بازدواجية ممنهجة قوامها الرفض الاعلامي لكل شيء من جهة والسعي الحثيث من اجل الحصول على اغلى المكاسب الادارية او القيادية بجانب عدة مسميات مسلحة بمعدات القتل والتفخيخ والعداء الطائفي الصارخ الذي اخذ يتبلور يوما بعد اخر امام صبر الحكومة التي مازالت تتجنب اللجوء الى القوة المفرطة بسبب طبيعة املاها عليها رفضها للوسائل البالية التي تجافت مع ايمانها بمبادئ دولة القانون التي ترمي الى احترامها،وبسبب العوائق التي فرضها عليها واقع الاحتلال الذي لم يعطيها القدر الكافي من اطلاق اليد في الاستخدام الامثل لقدراتها البشرية او التقنية ،فضلا عن الواقع القضائي البعيد كل البعد عن مستوى مايجري في العراق من اتساع الهوة بين ثقافتين متباينتين هما ثقافة البناء الحضاري وثقافة الهدم والتخريب واشاعة الفوضى والحرب الاهلية،ناهيك عن تنامي الشعور بالاحباط بسبب انعدام التقدم الجوهري في توفير مقدمات البناء الحضاري والاجتماعي التي يفترض توفيرها لتقدم ورفعة ورفاه المواطن وانتشاله من واقع التخلف والفقر والحرمان،والذي لايعدو ان يكون نتيجة مباشرة للارهاب وتوابعه ..

كل ذلك يقف حائلا دون تطور الشعور بجدوى المنجزات الديمقراطية التي تحققت في مرحلة ما بعد سقوط الطاغية ،بما في ذلك مصير الدستور الدائم الذي استفتى عليه الشعب بأغلبية اكثر من ثلثي الناخبين،مما يمنحه قوة وشرعية قانونية لانظير لها في العالم ،الا في العراق وما عشعش من غربان سود في ذاكرة الذين لا يتصورون عراقا بدون حرابهم وسيوفهم التي تقطر بالدماء وراياتهم المشؤومة،فتجد سياسييهم وهم يبحثون عن بدائل الاستحقاق الانتخابي مرة او يرفضون أي خيار عادل او يبحثون عن بدائل الغرض منها النيل من صدقية الدستور الدائم بعد ان كثر تلويحهم بالمطالبة بتعديله او تغيير اهم مبادئه،الامر الذي اعتبرته المرجعية الدينية خطا احمر لايجوز التجاوز عليه،وحين نقول ان زمان الدساتير الموقتة قد ولى الى الابد ،فلنا في الدستور الدائم مايمتاز به من اقراره لاستقلال السلطات الثلاث وعدم التدخل بقدسية هذا الاستقلال مهما كانت الظروف ،فاذا كان مراد الكتل السياسية العبث بالزمن الصعب الذي يحيط مجلس النواب وينبغي ان يحبس عليه انفاسه متعمدة تعطيله عن اداء المهام التي انتخب من اجلها اصلا ،كونها ينبغي ان تمثل الشعب العراقي وليس اطراف خارجة عن القانون وعن ارادة هذا الشعب ،فان عليها ان تحترم هذا الدستور جملة وتفصيلا ابتداء، كما ينبغي على الكتل الكبرى وذات العمق الشعبي الحقيقي ان تكرس كل طاقاتها من اجل صيانة وحماية وفرض الارادة الدستورية لان الدستور هو اساس البلاد وهو مصدر السلطات وهو الكتاب الذي خط بدماء ملايين شهداء العراق الابرار الذين نفتخر جميعا باننا ورثتهم،والناطقين باسمهم .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك