المقالات

يا أخواني الشيعة اتعظوا من

2814 18:17:00 2006-05-12

أدعوا الشيعة أولاً لأنهم الأقربون إلى عقلي وقلبي، للنظر في سلوك قطة خالد، كما أتمنى من السنة لأنهم شركاءنا في الوطن الاتعاظ مما جرى لخالد حتى لا ينتهوا إلى نفس مصيره، أقول لأخواني الشيعة بأنكم مثل قطة خالد، تعرضتم للجور والتعسف والإهانة منذ أن جاوركم خالد الظالم المعتدي، الذي أذاقكم الخسف، تنفيذاً لأوامر سادته وحكامه الجائرين الناقمين عليكم لمعارضتكم تسلطهم اللامشروع، ولكي يستأثر هو وحده بخيرات بلدكم، وإرضاءً لسادية ومرض في نفسه، ( بقلم : د. حامد العطية)

على الأرجح لم يبق العديد ممن يتذكر محمد حمدان، معلم الصف الأول في المدرسة الإبتدائية، التي قضيت في صفوفها أربع سنوات عجاف، أتعلم الزيزي، كما كان أهلنا يسمون المدرسة، والمعلم محمد، رحمه الله، كان بديناً، والبدانة ظاهرة نادرة بين أهلنا الجنوبيين، الذين كان قوتهم اليومي رغيف خبز في الصباح وشاي نصفه سكر، وللغداء صحن خضار ورغيف خبز وتمرات، ومن لا يجد طعاماً يكفيه يتناول حفنة تراب، ولا أقولها مجازاً، بل بالفعل رأيت اطفالاً يلتهمون التراب.

 ويقتسم الفلاحون الفقراء طعامهم القليل الذي لا يكاد يسد رمقهم مع جيوش السلابيح والطفيليات التي تسكن في أمعائهم، ولعل إحساس محمد حمدان بالذنب ورغبته في الامتزاج بجيرانه الرشيقين جداً رغم أنوفهم دفعته إلى محاولة إنقاص وزنه، أو هل تراه كان يتذرع بذلك لتبرير ولعه بـبذور البطيخ المحمصة، التي كان يتناولها بشراهة في الصف مدعياً بإنها طريقة موصوفة ومجربة للحمية؟ ولا ينتهي الدرس إلا ويكون معلمنا قد أحاط نفسه بسور من قشور بذور البطيخ، وبمناسبة الحديث عن البذور يروى بأن أحدهم سأل الزعيم النازي هتلر لم وضع العرب بدرجة واحدة أعلى من اليهود والقرود، فأجاب لأنهم أمة تأكل البذور بدلاً من زراعتها، وما لم يعرفه هتلر هو أن الفلاح الشيعي العراقي كان يزرع طيلة السنة ويجوع ليأكل الملاكون حتى التخمة وتتغذى ديدان بطنه، وإن الذين كانوا يأكلون االبذورهم "الحضير" أمثال معلمنا محمد حمدان.

كان المعلم في زمان محمد حمدان رسولاً للمعرفة ومبشراً بمستقبل أفضل، على الأقل للمتفائلين وذوي العزم والتصميم، فلا عجب أن يرتفع نجم المعلم الاجتماعي ويحظى بمكانة إجتماعية مرموقة، يحسدها عليه حتى ملاكو الأراضي والتجار الموسرين، وكان أقصى ما يتمناه الريفيون الطموحون شهادة من معهد للمعلمين أو مصاهرة معلم، وكان المعلمون من ضمن قلة من المهنيين والموظفين، الذين يؤمون مع الأثرياء من زعماء القبائل والتجار مصائف لبنان وسورية، وكان التبضع في أسواق لبنان المشهورة والقديمة، مثل سرسق والطويلة، متعة للمصطافين، لا تقل عن متع المصيف الأخرى، وأول وآخر ما يفكر به الكثير من المصطافين "الصوغة"، التي تحتم عليه تقاليدنا الاجتماعية الرجوع بها بعد كل سفرة، والبعض منا لا ينتظر أن يتذكره قريبه أو صديقه المسافر بل يوصيه بشراء ما يريده، ولم يجد معلمنا محمد حمدان حرجاً من أن يطلب مني، صيفاً بعد آخر، تذكير والدي، الذي كان يقضي كل صيف تقريباً في مصائف لبنان، بربطة العنق، التي تعود أن يشتريها له من لبنان في كل عام، وكنت انتظر عودة والدي محملاً بالهدايا وحلويات لبنان...وربطة العنق المستوردة للمعلم محمد حمدان، الذي كان مولعاً بربطات العنق الأنيقة بقدر إدمانه بذور البطيخ المحمصة.

ما بدانة وربطات عنق معلمنا محمد حمدان سوى غلاف أو زخرف لتلك الطاقة التعليمية المباركة، التي زودتنا نحن تلاميذه في الصفوف الأولى بأفضل زاد بعد تقوى الله، ومن دون أن ندرك قيمة التعلم كنا نجأر معه كل يوم بكل ثقة وتصديق: إحنا صف الأول أحسن الصفوف واللي مايصدق بينه خلي يجي ويشوف، ولو أتى هذا المخاطب المجهول بالفعل لشاهد وجوهنا الشاحبة الصفراء بفعل سوء التغذية والطفيليات المعوية والخوف من مسطرة المعلم، ولما فاتته ملاحظة تململنا وتلفتنا بين الحين والآخر نحو النافذة حيث ملاعب الصبا في مزارع النخيل والحقول الخضراء، ولو راقبنا طيلة اليوم الدراسي لشهد أول الصباح اصطفافنا في طوابير لكي نخضع للتفتيش اليومي على المناديل والأظافر، ثم مسيرنا تحت تأثير المساطر لنتناول كوباً من حليب "القواطي" وكبسولة زيت السمك، ولو كان الحليب يصدأ لكان طعم الحليب الصدء أفضل من ذلك الحليب، ولا أدري أيهما أسوء الحليب أم الدواء، وكنا نتجرع الأثنين خوهاً ورهباً من المسطرة.

لم أدرك مغزى "أحسن الصفوف"، إلا بعد حين، وآنذاك ترحمت على محمد حمدان وأمثاله الذين كانوا يؤدون مهمة صعبة، فساعة يغرسون المعارف في عقولنا، وفي أخرى يثيرون الحماس والفخر في نفوسنا لنكمل المسيرة ومعظمنا لم يفعل، وهم مضطرون لبعث الرعب من المسطرة في نفوسنا لئلا يفلت زمامنا، فنستبدل الدراسة باللهو ونجعل المدرسة ملعباً، ولكننا كنا بالفعل أول الصفوف ليس في المدرسة فقط، بل في المجتمع برمته، فقد كنا نرتقي الدرجات الأولىعلى سلم المعرفة، وهي الأصعب، وأي فخر بعد ذلك.عندما يستنفذ محمد حمدان قسطه اليومي من تعليم الزيزي ينتقل إلى التسلية المختلطة بالموعظة، وهو دور تربوي لا يقل أهمية عن دوره التعليمي، وهنا يأتي دور "قطة خالد"، ولم يكن خالد أحد معلمي المدرسة الابتدائية، ولا أدري إن كان للمعلم صديق إسمه خالد، ولم يكن هنالك في مدينتنا الصغيرة سوى شخص واحد أسمه خالد، لأننا نحن الشيعة حساسون تجاه بعض الأسماء، ومنها هذا الإسم، وخالد هو شخصية وهمية في أنشودة، كان يحلو لمعلمنا إلقاءها علينا كل يوم، وكنا نرددها معه بأعلى أصواتنا، ولم أعد أتذكر منها سوى بعض المقاطع، لكن معانيها ورسالتها ظلت راسخة في ذهني حتى اليوم، وأتساؤل اليوم إن كان كل الأباء والأجداد العراقيين قد استمعوا لإنشودة "قطة خالد" وشاركوا في ترديدها فلماذا لم يتعظوا بها ويربوا أولادهم على المباديء والقيم السامية التي تدعو إليها؟ لذا أجد لزاماً على نفسي تذكيرهم بالموعظة البالغة في قصة خالد والقطة، هكذا تبدأ الأنشودة:

خالد دخل للغرفة للغرفة لكه القطة ملتفة ملتفةصار يضربها هواية هوايةوهي المسكينة تنونو وتنونو!

إلى هذا الحد وتخذلني الذاكرة، وليس المهم أن أتذكر حرفياً الكلمات البسيطة للأنشودة، لأن الفائدة تكمن في المعاني، وكان الشقي خالد يوسع القطة ضرباً غير آبه لموائها المستعطف وصرخات ألمها، وهي تتراجع أمامه حتى حشرها في زاوية الغرفة، ولم يعد أمامها سبيل للهروب من قسوة خالد، حينئذ تحولت القطة من حيوان آليف وديع إلى وحش كاسر، منقضة على خالد عضاً بأسنانها وخمشاً بمخالبها، حتى أوجعته وأسالت دماءه ودموعه، واضطرته إلى الهرب من الغرفة، وهنا تسعفني الذاكرة بالمقطع الأخير من الأنشودة الطفولية:اللي يتعدى على الناسياكله فشخة بالراس!

أدعوا الشيعة أولاً لأنهم الأقربون إلى عقلي وقلبي، للنظر في سلوك قطة خالد، كما أتمنى من السنة لأنهم شركاءنا في الوطن الاتعاظ مما جرى لخالد حتى لا ينتهوا إلى نفس مصيره، أقول لأخواني الشيعة بأنكم مثل قطة خالد، تعرضتم للجور والتعسف والإهانة منذ أن جاوركم خالد الظالم المعتدي، الذي أذاقكم الخسف، تنفيذاً لأوامر سادته وحكامه الجائرين الناقمين عليكم لمعارضتكم تسلطهم اللامشروع، ولكي يستأثر هو وحده بخيرات بلدكم، وإرضاءً لسادية ومرض في نفسه، ولقد انقضت القرون الماضية وأنتم تتراجعون أمام خالد ورهطه المعتدين الظالمين، حتى أصبحتم عند الزاوية الأخيرة لموطنكم، فالعدو خالد أمامكم والبحر والحدود من وراءكم فهل سترمون بأنفسكم جميعاً في اليم أم تلجأون إلى جيرانكم، ومن سيقبل ملايينكم لاجئين في بلادهم، "أخوان خالد" من الأعارب والمستعربين أم الأيرانيون المكتظة بلادهم بالسكان؟ ستضطرون كما "قطة خالد" للرد على عدوان الظالمين، الذين أثخونكن ذبحاّ واغتصاباً وتهجيراً وإهانة لمقدساتكم، وسيحدث ذلك عاجلاً لا آجلاً لأن خالد تمادى في غيه، ولن ينقذه من هجومكم المضاد المستميت حتى لو تاب وطلب الصفح لأن آوان ذلك قد فات وولى، ولا يلومن خالد أحداً، فقد جنى على نفسه، ولن ينجو من عواقب أفعاله المقبوحة لو اجتمع كل الخوالد على نصرته، لأن كيد الظالمين ضعيف، وقبله كان "الخالد" صدام يظن بأنه سيحكم العراق حتى لحظة موته وسيخلفه أولاده من بعده فأين هو الآن وما الذي تبقى من أولاده؟ فيا خالد ستطاردك القطة وستكون محظوظاً لو نجوت ببدنك،

 وتهيأ للوقوع في الهاوية التي حفرتها بيديك وملأتها ظلاماً ورعباً وشقاءً وآلاماً، والباديء أظلم، وأعود إلى أخواني الشيعة لأقول لهم: أنتم لستم بالقطط، التي ترى خالداً عملاقاً، أنتم أكبر منه حجماً وقدرة، بل أنتم أسود ونمور وما هو إلا قزم ضعيف، يتظاهر بالعملقة، فلم تتحملون منه كل هذا التعسف، إعرفوا أنفسكم وتصرفوا وفقاً لذلك، لقد تنازلتم عن معظم حقوقكم كأكثرية لخالد، فلم يزده ذلك سوى إجراماً، والله والله إن زمجرة واحدة بوجه خالد كافية لبث الرعب في أوصاله، وستجدونه جاثياً أماكم مقراً بذنوبه، طالباً الصفح والمغفرة، ومعترفاً لكم بكامل حقوقكم، وسواء فعلتم ذلك اليوم أم الغد فالنتيجة هي هزيمة خالد النكراء، ولكنكم لو فعلتم ذلك قبل ثلاث سنين لما تجرأ خالد على قطع الرقاب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وتهجير العوائل الآمنة.فيا أسود الشيعة المتخفين في جلود قطط آن أوان الظهور على الحقيقة، أما انت يا خالد فاتق الله ولا يغرنك أسمك الشيطاني فاليوم يشج رأسك وغداً يقطع، وإن غداً لناظره قريب، اللهم هل بلغت فاشهد!

د. حامد العطية

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك