تلك هي انطباعات شباب العراق وهي انطباعات عن طاغية في اوائل ايام حكمه فما بالك وبعد ان جرت انهار من الدماء الطاهرة بعد تلك الايام وكم من الحروب الطائشة قد شنت وكم من العقول دمرت واعدمت رجالاتها العظيمة وكم من المكتسبات العلمية والاعمارية قد عُطلت بسبب اضاعة جهود ملايين الشباب المتوقد الذكاء في متاهات الغي والضياع ........ ( بقلم احمد مهدي الياسري )
اقسم اني ماكنت اظن ان مثل هذا الحلم سيتحقق وان ارى في يوم من الايام ذلك الكائن الوحشي والمريض السادي والحاقد المجرم والسفاح المقيت والوضيع الجبان صداما بما اراه عليه الان من حال يشفي قلوب الصابرين.
كنت في السنين الاولى لمجئ هذا المجرم لسدة الحكم وحينما كنا طلابا في الثانوية كنت ابحث مع مجموعة من الاصدقاء المقربين لي جدا نجتمع يوميا تقريبا فوق سطح البيت ونسهر حتى الصباح ونحلل هذه الشخصية ونبحث عن اي وسيلة تنفع في القضاء عليه معتمدين افكارا قد تكون غريبة حيث كنا نعتقد اننا نستطيع فعل شئ ما وكنت اقول لهم وقتها لنهئ انفسنا ومن المؤكد ان هذا الطاغية سيزور المدينة يوما ما ولكن كانت المعظلة هي في عدم وجود العون المادي والسلاح المطلوب لذلك واتذكر في احدى المرات شعرنا ان هناك اهتمام من قبل احد الاخوة بنا وتقربه الينا وفعلا دخل الينا السيد مصطفى وهو احد الابطال الذين كان لهم الدور الكبير في مقارعة النظام عبر العمل المباشر ابان تلك الفترة المظلمة والان وتفاعلنا حينها معه وتفاعل معنا لولا اني كنت وقتها شديد الحذر منه بسبب ما كان من قوة امن النظام سابقا و في حذري من ان يكون اختراق لنا ونحن لازلنا في طور ان نكون مجموعة خاصة بنا بعيدة عن اي تحزب او مايشاكل ذلك لان الوضع يتطلب الحذر الشديد فاي خطأ قد يودي بحياتنا وحياة عوائلنا ولا اريد الاطالة في تلك الذكريات ولكن هناك شاهد على ما اريد قوله وفي تلك الفترة بالذات تحقق حدسي وزار المجرم صدام مدينتي حيث كنا نمارس لعبة كرة القدم في ظاهر المدينة في احدى ساحاتها وفجأة نزلت خمس طائرات هليكوبتر بالقرب منا فتركنا اللعبة وعدونا نرى القادم وقلت لاصدقائي الم اقل لكم انه سياتي.. ولكم تمنينا جميعا اننا نمتلك كل واحد رمانة فقط لاننا حينما اقتربنا من الموقع الذي نزلت فيه الطائرات وترجل منها الطاغية حاولت ان اقترب منه كثيرا وفعلا اقتربت حتى صار بيني وبينه متران فقط ولكن هو وقف على تل مرتفع قليلا على ارتفاع مايقارب المترين وحدقت نظري في وجهه البشع الاصفر وكان طويل القامة كبير الراس بشكل مثير, تحولت في نظري الى يديه القذرتين فوجدتهما صفراء مرقطة بنقط سوداء وحقا اقولها وبصدق كان منظرا غريبا وكأني لا ارى بشرا مثل البشر فقد تميز هذا المجرم بمنظر بشع من القسوة في التعابير والنظرات الحاقدة الشرسة المرتعبة القلقة حيث تجتمع فيه كل صفات الرعب من الموت والغرور والقسوة والقلق والحذر, ولكنه كان يحتمي امنيا بكادر حماية اقذر منه وشديد الولاء له فبقيت محدقا فيه وفي جانبي الصديق ابراهيم وعلي وهمست في اذنه لو كان بايدينا الان رمانتين فقط فتحسر هو وتحسرت معه وقال لي انشاء الله في المرات القادمة يا ابو شهاب .
لم تكن تلك اللحظات بالطويلة لان هذا المجرم الحذر يعطي لسلامته كل وسائل الدهاء والتحرك حيث ان أمانه الشخصي هو في قمة الاولويات متبعا طرقا في التمويه لاتخطر على بال احد ومن حسن الحظ انني كنت امتلك دراجة هوائية وقتها فنزل الطاغية من تلك التلة بعد برهة قصيرة من وقوفه عليها وطبعا هناك المئات من العناصر الامنية من حماياته الخاصة وهم بلباس مدني, كانوا بين المتجمهرين الذين اخذهم الفضول مثلي لرؤية هذا الكائن العجيب الغريب, وهؤلاء لهم مهمات مزدوجة الاولى هي مراقبة الجموع عن كثب فيما لو حاول احدهم اخراج سلاح ما ليطلق منه رصاصة بوجه الطاغية , والاخرى هي لاجل اطلاق الهتافات ولاننا من ابناء المدينة كنا نميزهم جيدا وهم الغرباء عنها ولكنهم لايتركون لحظة لايهتفون فيها ( بالروح بالدم نفديك ياصدام ) وغيرها من قبيح ما كنا نسمع ونرى , وبعد نزوله من التل وفي لحظات حضرت العشرات من السيارات المدرعة والمارسيدسات الرئاسية السوداء وكنت اظن انه سيركب احداها فتابعته بنظري ورصدت كل خطواته ولكنه اومأ لاحد الحمايات المقربة منه وكان وكنت ارى وقتها بجانبه المجرم ارشد ياسين المرافق الاقدم وزوج اخته والطيار الخاص له والذي لن انسى ابدا انه ضربني في بطني في مكان اخر ضربة كادت تخرج احشائي من فمي وكانت يدا حقا متمرسة على القتل والبطش كما ربتهم تلك الفكرة والاخلاق والعهر والسادية البعثية المجرمة وساسرد ان شاء الله ذلك في قصة اخرى من ذكريات تلك الطغمة مع ابناء مدينتي الباسلة, و بحركات وكلمات معينة لم اسمعها فركض الجميع نحو احدى السيارات التكسي التي كان سائقها يتابع مايجري من بعيد نوعا ما وعلى بعد حوالي عشرين مترا من موقعي ومن الطاغية ايضا , وانزلوه من سيارته وكانت نوع كراون تيوتا تكسي وجئ بالسيارة الى حيث وقوف هذا المجرم القذر وركبها صدام وهو يقودها بنفسه وانطلقت به تلحق به عدة سيارات مدنية كانت متواجدة هناك ايضا واتخذت السيارات الاخرى الخاصة بهم وبالحمايات طريقا منفصلا عن طريق السيارة التي اقلت الرجل المريض حاكم العراق الدامي للتمويه على الذين قد يطلقون عليها النار , وفعلا وصل هو الى حيث ضريح الامام علي عليه السلام من باب الطوسي احدى بوابات الحرم العلوي المقدس بينما السيارات الرئاسية انطلقت نحو باب القبلة للتمويه خوفا من ان تلتقطه ايادي تحمل رمانات يدوية او وسائل اراقة دمه القذر وكان لي وبواسطة الدراجة الهوائية ان اصل الصحن الحيدري يدفعني الفضول مسرعا بدراجتي واحد الاصدقاء لكي انظر الى هذا المخلوق الذي كرهناه بالفطرة وهو لما يزل في اول ايام حكمه الدامي القذر, لا ارى الله شعبا شريفا وعبادا له مخلصين ما رايناه من خلاله ومن خلال تعاطيه مع الروح الانسانية البريئة .
تلك هي انطباعات شباب العراق وهي انطباعات عن طاغية في اوائل ايام حكمه فما بالك وبعد ان جرت انهار من الدماء الطاهرة بعد تلك الايام وكم من الحروب الطائشة قد شنت وكم من العقول دمرت واعدمت رجالاتها العظيمة وكم من المكتسبات العلمية والاعمارية قد عُطلت بسبب اضاعة جهود ملايين الشباب المتوقد الذكاء في متاهات الغي والضياع وكنا ابان تلك الحقبة رغم التفوق العلمي والثقافي نتعمد الرسوب والتاجيل الدراسي لسنة اخرى عبر التمارض والادعاء الكاذب بالمرض ودفع الرشى من اجل تقرير طبي يجعلنا نعيد السنة الدراسية مرة ومرتين وثلاثة لاجل عدم انهاء الدراسة وحتى وصل الحال اجراء عمليات معينة من اجل الحصول على تلك التقارير الطبية لان مصيرك سيكون ان انهيت دراستك جبهات القتال والرجوع منها وانت على الة الحدباء محمول ولكم فقدت وفقد العراق الكثير من الاخوة والاحبة والاعزة في تلك الحرب ولن انسى تلك الوجوه والعقول المبدعة والتي كانت تتنافس من اجل التفوق وتخجل من الرسوب المتعمد وغيره وكانت تنتقل من مرحلة الى اخرى بتفوق وكنت امزح معهم واقول لهم انكم تستعجلون موتكم ولكنهم كانوا يظنون انها ايام وتنتهي الحرب القذرة ولكن الحرب لم تنتهي وتخرجوا هم قبلنا ونقلوا الى جبهات القتال وعاد عامرالينا ولكن جثث مقطعه وبعضهم عاد وراته عيني , فقط جلدة الصدر مع كوم لحم مجموع في قطعة قماش بيضاء نصف متر بنصف متر وراسه الطاهر مقطوع ومحروق العيون ولكن ملامحه كانت واضحه تنظر لي وتقول صدقت يا احمد بلغ اخوتي وشباب العراق ان حياتهم اغلى من العلم والتفوق والنجاح والعراق يحتاج ان يبقى البعض فيه لينقل للاجيال القادمة قصة الموت السريع والطغيان الصدامي البعثي الفضيع.
كان لهذا الحال الاثر الكبير في ابادة العقول العلمية والتي كان من المفروض حال تخرجها ان تذهب الى حيث ممارسة تخصصها العلمي والذي تعبت من اجل الوصول اليه وبسهر الليالي والجهد والاجتهاد ولكن رعونة وغباء وحمق هذا الطاغية الاصفر والناعقين معه والابواق القذرة التي كانت تطبل له والتي بعضها اليوم متواجد على الساحة الاعلامية والسياسية وحينما توجه لهم اللعنات وتوبخهم على ماكانوا يفعلوه ياتيك التبرير منهم انهم كانوا مجبرين ووووو ماشاكل ذلك من ترهات واجيبهم اننا ايضا كانت لنا اقلام وكنا هناك ولكن فضلنا ان نصمت على اقل تقدير ونهرب من تلك المناطق المرعبة والمخزية من بؤر الارهاب الصدامي بكل صنوفه وننزوي في اعمالنا الخاصة وبيوتنا الطيبة ونتقي شر امداد هذا اللانظام الفاسد .
حال مثل هذا الحال وغيره مضى بالعراق الى حيث تعطيل الحياة الطبيعية وتدمير اي امل بالنهوض والاعمار وذلك لان من الطبيعي حينما ُيشغل روح البلاد وهم الشباب بحروب طاحنة تاكل اعمارهم اما بالموت او بالقلق اوالخوف والضياع في حال بقائهم على قيد الحياة وكان جل هؤلاء ايضا لهم عوائل يعيلونها وقد تركوها مجبرين خلفهم واطفال تحتاج الى اب يتابع شؤنها اولا باول ويربيها وكان مصير تلك العوائل والاطفال الضياع والتسيب بسبب ضيق العيش وتغلغل الفساد بصورة متصاعدة وكلما ازداد القتل والدمار ازدادت النفوس ضيقا وتعبا وارهاقا فبفقد حياة الاعزة لم تكن لتمرتلك الآلام مرور الكرام الى عند النفوس اللئام القاسية المجبولة على التلذذ بالموت والدم .
كنت في تلك الايام وحينما نجتمع كاحبة واصدقاء ينتابنا شعور واحد وهو كنا نتمنى لو ان هذا الطاغية يقع بايدي هؤلاء الابرياء المظلومين عبر ثورة او انتفاظة او اي شئ اخر, ولكن كانت الايام تمر والصبر يقتل اي امل فينا لانه طاغية احكم حلقات بطشه واوثق وكبل الايادي الحرة بقيود الموت السريع او الطوامير الظلماء او بالتجميد القسري حيث كنا نفعل ويفعل الكثير مثلنا عبر اتقاء شر هذا الطاغية وازلامه عبر الصمت الصارخ والصراخ المكبوت في الصدور والحلقات الضيقة والتي كانت تتفجر بين الحين والاخر بانتفاظات باسلة وهناك الكثير من الانتفاظات التي لم يكتبها التاريخ المعاصر وان كانت محدودة وفي بعضها فردية ولكن كانت هائلة في اثرها على الشارع والطغمة معا وحري بنا واعتقد ان من الواجب ان تذكرتلك الملاحم وفق منهاج تدويني علمي وتاريخي موثق ومن واجب الاقلام الشريفة ان تسرد للتاريخ فصولها لان فيها العبر الكثيرة و قد سقط الكثير من الشهداء جرائها وزج العشرات في سجون القتل الصدامي وانشاء الله ساسرد لكم حكايات ما راته عيني وشاركت في بعضه من انتفاظات منها انتفاظة رمضان الباسلة في ذكرى استشهاد امير المتقين امام الوصيين علي ابن ابي طالب عليه السلام والتي لم اجد احدا يذكرها او كتب عنها ولانني عشت لحضاتها بكل التفاصيل وكنت في لبها الدامي اجد من الحق والانصاف ووفاءا للدماء التي سالت فيها ان اذكرها في قادم الايام انشاء الله .
تلك الصور والكثير الذي لم يذكر بعد جعلت نفسي تواقة الى رؤية تلك الصورة الحالمة وهي ان ارى صداما في قفص العدل او اي قفص اخر يشبه قفص القرود المسعورة وهو ذليل مكبل بقيود العدل وكان لشهداء العراق والاحياء من الصابرين ماحلمو به واكثر وحقا هو عدل الله الباقي مابقي الليل والنهار وحقا انها فرحة لاتضاهيها فرحة وهي ان نرى الطغاة وقد كبلت اياديهم اصفاد طالما كبلوا بها ايادي طاهرة لاتستحق التكبيل بالورود فضلا عن الحديد والنار فحمدا لله والشكر له على نعمه الجزيلة الوافية.
احمد مهدي الياسري
https://telegram.me/buratha