( بقلم : د. حامد العطية)
تعرض الشيعة للاضطهاد على مدى أربعة عشر قرناً من الزمن، قتلوهم وحداناً وجماعات، استحلوا أعراضهم وأملاكهم، زجوا بهم في السجون، ابتنوا عليهم الجدران، شردوهم من مساكنهم، بثوا عليهم الجواسيس والعيون، وصموهم بالإلحاد والكفر، سبوا أئمتهم وعلمائهم ، وقد تجرعوا مرارة القهر والظلم الذي حاق بهم بصبر وأناة، ولم يزدهم ذلك إلا إصراراً على عقيدتهم وتمسكاً بقيمهم ومبادئهم ولم يتخلوا أحياناً عن شجاعة الصابرين إلا ليبرهنوا لأعدائهم بأنهم يمتلكون شجاعة الثائرين المضحين أيضاً.عندما تتعرض جماعة للاضطهاد مدة طويلة من الزمن فلا غرابة من تشوه نفوس بعض أفرادها، وهذا ما حدث لضعاف الإيمان وقليلي الصبر من الشيعة، فكان منا أهل الكوفة الذين خذلوا في سوح القتال الثلاثة الأوائل من أئمتنا، وخذلان الجماعة درجات، أقلها التأخر عن نصرة أخيك، وأعظمها نصرة عدوك على أخيك، وبين هاتين المنزلتين نجد المنافقين والمتملقين، الذين يخفون اعتقادهم لا تقية وإنما تزلفاً لأعدائهم، والغريب أن يلتفت البعض لأبناء ملته وينهال عليهم بالنقد والتجريح لإرضاء خصومهم، والأدهى من ذلك إصابة البعض منهم بعقدة "كراهية النفس" self-hate، وهي اضطراب نفسي يصيب المتخاذل منهم، ومن أعراضه القاء اللائمة على الشيعة في كل ما يصيبها من اضطهاد وظلم، لأن عقله المضطرب يصور له بأن قومه الشيعة مضطهدون ومزدرون لعلة أو علل فيهم، لذا نجده منقضاً في مناسبة وغير مناسبة على مذهبه ورجالاته المخلصين ذماً وقدحاً، فلا غرابة أن ينضم كثير من مثقفي الشيعة للأحزاب العلمانية التي غزت العراق مثل حزب البعث والحزب الشيوعي والقوميين العرب والناصريين، وهو نوع من الفرار من الهوية الشيعية، التي هي محط احتقار سكان المدن من غير الشيعة، إلى انتماءات لا دينية ولا مذهبية، تضمن لهم –أو هكذا تصوروا- قبول الآخرين بهم، وكم كانت خيبتهم كبيرة لدى اصطدامهم بالجدران الطائفية العازلة حتى في الأحزاب العلمانية التي انتموا وأخلصوا لها وأكبر دليل على ذلك المصير الأسود للشيعة القياديين في حزب البعث الصدامي.
حسن العلوي شيعي مستنكف من التشيع، تعرفت عليه أثناء اقامتي في سوريا، بعد احتلال صدام للكويت، كان هو "المعارض" المدلل، يقطن وزوجته الثانية في بناية حكومية من طابقين يجاوره فيها اللبناني إيلي حبيقة، التقيته أول مرة بطلب من قريب لي في سوريا ، أراد مني المساعدة في ترجمة مقابلة لحسن العلوي مع مراسل الإذاعة البريطانية، شقته فارهة جداً مقارنة بالحجرات المتواضعة التي يتكدس فيها معظم العراقيين المهجرين بجوار مقام السيدة زينب عليها السلام، وأتذكر صورة قريبه عدنان الحمداني المعلقة على الجدار، والحمداني هذا أحد أزلام صدام الذي شغل مناصب هامة منها وزارة التخطيط قبل إعدامه مع زمرة من البعثيين بتهمة التآمرعلى صدام المقبور، وقد تسبب اعدامه بمغادرة حسن العلوي للعراق، ومن مآثر الأستاذ العلوي في خدمته الطاغية أثناء توليه رئاسة تحرير مجلة (ألف باء) وضعه مئة اسم "حسن" لصدام حسين ليزداد بذلك اسماً على أسماء الله الحسنى، تعالى الله عما يصفه البعثيون الدجالون، وأتذكر جيداُ إجابته على سؤال للمراسل البريطاني حول مذهبه: لم اكتشف بأني شيعي حتى وقت قريب! وأشهد على كلامي هذا ممثل حزب الدعوة في دمشق، ولعله الأستاذ المالكي أو أحد رفاقه، الذي شارك في المقابلة أيضاً، ولا يصدر هذا الكلام إلا من ناكر لتشيعه، ولو حتى بالاسم، ولا أظنه بعد هذا الاعتراف يستطيع القول بأنه سمى إبنه عمر تقليداً للإمام علي عليه السلام، مما يدفع للاستنتاج بأنه فعل ذلك تملقاً لسيده صدام حسين ورفاقه البعثيين السنة، وهذا منتهى التذلل والخنوع الذي يصدر من شيعي تجاه أعداء طائفته، وهو في تسمية إبنه بهذا الاسم يدلل على طائفية أسياده السابقين، الذين يتوقعون من أمثاله من الشيعة بالاسم لا بالعقيدة التقرب لهم بإشهار نبذهم للتشيع وتقاليده.
أخبرني أحد معارف الأستاذ العلوي في دمشق بأنه، أي العلوي، ألف كتاباً عن سيرة الملك السعودي عبد العزيز آل سعود، مطنباً في مديحه، ومغفلاً المذابح التي اقترفتها قواته بحق السعوديين من كل الطوائف والأعراق والمناطق، واضطهاده للشيعة بالذات، وبلغت به الوقاحة ومجانبة الحق والواقع وصفه للملك الوهابي بالوسامة.
ما يهمنا هنا على وجه التحديد محاولة العلوي، الشيعي بالاسم فقط، التزلف لأعداء الشيعة من همج الجزيرة الأعراب بدعوى أن سب الصحابة بدعة أدخلها الحكام الصفويون في إيران على التشيع، ثم انتشرت بين بقية الشيعة، ويبين العلوي هنا جهله بحقائق التاريخ وإهماله في تحري مصادر ادعاءاته واستنتاجاته، مما يضفي شكوكاً على تقيده بقواعد البحث العلمية، وكان جديراً به قبل اطلاقه مثل هذه التلفيقات الرجوع إلى المصادر الرئيسة للمذهب الشيعي، ولو كلف نفسه مشقة ذلك لوجد في كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق ما يدحض ادعاءه، إذ ينقل الصدوق عن أحد أئمتنا، وأظنه الصادق عليه السلام إن لم تخني الذاكرة، نهي عن سب الصحابة حيث قال: لا تسبوهم إنهم أصحاب جدي، بعد أن تناهى إلى علمه أن بعض أتباع آل البيت يسبون بعض الصحابة، ويبريء هذا الدليل القطعي الصفويين رحمهم الله من التهمة التي ألصقها بهم العلوي وغيره من كارهي الشيعة والمندسين بين صفوفهم، وها هو الآن يخرج علينا بنحليل غريب، يبشر به أسياده من عربان الخليج الحاقدين على آل البيت وأتباعهم بأن الأمريكان يعدون العدة للقضاء على مليشيات الشيعة لخلق توازن طائفي بعد موافقتهم على اعدام صدام، ونصيحتي لأبي عمر الكف عن الاسترزاق بدماء وأحزان الشيعة، وسنكون شاكرين لك لو أعلنت ارتدادك عن مذهب التشيع والتحقت بأولياء نعمتك الوهابيين ورفاق دربك البعثيين.
آن الأوان لكشف ادعياء التشيع، الذين كانوا وبالاً على المذهب وأهله الحقيقيين، ولو تخلوا تماماً عن المذهب ونأوا بأنفسهم عنه لكان في ذلك كل الخير لنا، فالشيعي ليس من تذكر طائفته عند المغانم وتخلى عنها في الملمات، ومن المؤكد بأن الشيعة براء من المنتمين وراثة وبالاسم فقط الذين اشتركوا مع الحكام والجلاوزة من أعداء الشيعة فكانوا وشاة وعيوناً وسنداً لصدام وأمثاله في اضطهاد وقمع الشيعة، وليس شيعياً من يقف الآن صفاً واحداً مع الأعداء من بعثيين وإرهابيين ووهابيين، كما أن التشيع براء من القبليين المصرين على عصبيتهم القبلية وتطبيق أعرافهم العشائرية بدلاً من الشريعة الإسلامية الداعية إلى العدالة والمساواة والأخوة والتكاتف، هذا زمن التحديات التي سيتقرر فيه مصير الشيعة ليس في العراق فقط بل في في البحرين والسعودية ولبنان والمنطقة بأجمعها، إنه زمن النهوض الشيعي، ولا يجب أن يكون هنالك مكان بيننا نحن الشيعة للمتخاذلين والمرتدين.
https://telegram.me/buratha