( بقلم : احمد الحلفي )
في الشهر الواحد من عام 1982 لم أكن أعي او أدرك الاحداث او الوقائع التي تجري من حولي لان عمري لم يتجاوز التاسعة بعد . قبل هذا التاريخ كنت انعم بحياتي هادئة امنة مستقرة في ظل والدي ووالدتي واخوي الصغيرين ، وبما اني الاخ الاكبر من بين الثلاثة فقد كنت ارافق ابي كثيرا وهذا مما جعلني اتعلق به اكثر فاكثر ، وفجأة لم يعد للوالد من وجود! سألت والدتي اين والدي؟ قالت انه مسافر ، وكلما طال الغياب جاءت الإجابة انه مسافر ، واستمر هذا الحال ستة أشهر وهي فترة اعتقاله الى ان جاء الخبر .... تأكد السفر وأصبح حقيقة ولكن هذا السفر يختلف عن كل أنواع السفر ففي هذا السفر لا يوجد رجعة بل سفرا ابدي الى عالم اخر .
وبعد هذا التاريخ اخذ منزلنا ينحى منحا اخر من حياة اعتاد عليها الى حياة يملأها الحزن والبكاء والعويل، الى حياة بالكاد تسمى حياة لأنها الى تمت الى هذه الكلمة بأي صلة؟ وربما يأتي السؤال هل هذا بسب فقدان الوالد فقط ؟ فأقول لا بل قبل حادثة الوالد كانت هناك أربع حوادث أخذت من والدتي مأخذا كبيرا ، الاول كان هروب أخيها الأكبر الى خارج العراق من الطاغية وأزلامه وذلك بعد متابعات واعتقالات استمرت لفترات طويلة ، والثاني هو سفر أخيها الاخر لغرض الدراسة والذي استقر هناك ولم يرجع، والثالث والرابع هو اعتقال اثنين من أخويها الذين لم يبقى منهم الا اخ واحد فقط!!!هذه الاحداث إعدام والدي واعتقال اخويها ومن ثم إعدامهما وسفر اثنين من اخوانها قد تزامنت وجاءت في فترات متقاربة ورغم كل هذه الأهوال والمصائب فاننا لم نجد الام قد تغيرت او انطوت وانعزلت، بل انها صمدت كالطود الشامخ ، فوجدناها الام والأب والأخ والأخت، وجدنها المعلم والمربي ، وجدناها العقل الراجح والصدر الحنون .سنين طوال مرت الى ان كبرنا ودرسنا وعملنا وامي تنظر لنا واحد تلو الاخر وتمني النفس في ان نكمل الطريق، طريق الآباء والرفض للطاغية واعونه حتى لو الطرق اختلفت ولكن هو الرفض لا الخنوع . سنين طوال كانت تمني النفس في ان ترى هذا اليوم ، يوم إعدام الطاغية الذي اخذ منها أربعة أعزاء ،الذي اخذ منها ومن العراق والعراقيين الكثير من الازهار اليانعة والورود،الذي اخذ منها اربعة لو تجد منهم غير واحد فقط والاخرين لم تجد له أي اثر فمنهم من اختفت جثته ومنهم من توفى في الغربة ولم يبقى الا واحد هناك، وجاء هذا اليوم ولأول مرة رأيت امي بهذا الفرحة ، فرحة القصاص العادل في طاغية العصر، في عيون امي رأيت فرحت الأمهات كافة وفي عيونها رأيت الدمعة دموع الأمهات كافة ، دموع امتزجت وأعادت الذكريات والمواجع ولكن هو الايمان بالله وقضاءه وعدله جعلها تحمده وتشكره.الى امي اقول ها قد جاء اليوم الذي كنا نتمناه ، ها قد جاء القصاص العادل فهنيئا لكِ والى كل امي وأخت وزوجة عراقية فقدت من الأحبة الكثير، هنيئا الى شهداء العراق ، هنيئا الى كل بيت عراقي رأى الويل والعذاب على يد جلاوزة الطاغية واعونه،هنيئا لكم جميعا . هنيئا لكم ودعوا من يتكلم ويرفض مستنكرا هذا القرار او رافضا له ، هنيئا لكم وليزعق من يزعق ويقول بان توقيت الإعدام غير مناسب، وليعلن الحداد من يعلن على طاغيته ، فأن رأس الافعى قد قطع وهذا هو المطلوب لنا .اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha