( بقلم : علي حسين علي )
يبدو ان العالم في معظمه لا يرى في العراق غير الارهاب والمفخخات والاجساد المتطايرة والجثامين مقطوعة الرؤوس او الاطراف.. وهذا ما عملت على ترسيخه وسائل الاعلام العربية –على وجه الخصوص- لأغراض طائفية او لأسباب اخرى لعل في مقدمتها الخوف من التجربة الديمقراطية العراقية والخشية من انتقالها الى بعض دول الجوار..
اراد الاعلام العربي الرسمي او الممول من قبل الانظمة العربية الاستبدادية ان يجعل من العراق منظراً مخيفاً للشارع العربي وللرأي العام الدولي في الوقت نفسه، وهو – أي الاعلام العربي الرسمي- بذلك انما يضرب عصفورين بحجر واحد، اولهما سحب الاضواء عن العملية السياسية العراقية الجديدة باشغال متلقي تلك الوسائل الاعلامية بصورة اخرى بشعة وجارحة للوجدان وتتمثل تلك الصورة بالمفخخات، سيارات واجساداً وغيرها من وسائل القتل الوحشي ليخرج – أو هكذا تريد وسائل اعلام ذات الغرض السيء- هذا المواطن وكأن ما يحدث فيه اما ان يكون فوضى دموية او هو نتيجة لممارسة الديمقراطية في هذا البلد.. والهدف الحقيقي من كل ذلك هو تبشيع الديمقراطية واظهارها بصورة مرعبة وما يترك ذلك من تداعيات على عقل وفكر المتلقي الذي سينحاز الى ما هو نقيض الديمقراطية - أي الحكم الاستبدادي - في الكثير من البلدان العربية بصفته الضمانة للاستقرار!!.
والهدف الثاني من حجر الاعلام العربي المحرض والمضلل هو محاولة اقناع الرأي العام الدولي وربما قادة الدول الكبرى بلا جدوى دعم العملية السياسية الجارية في العراق.. وقد التفت سماحة السيد عبد العزيز الحكيم الى هذه النقطة بالتحديد في مؤتمره الصحفي الاخير بواشنطن عندما اشار الى ضرورة الدعم الدولي لتجربة العراق الديمقراطية مؤكداً سماحته اصرار العراقيين على التمسك بها "لقد قطعنا شوطاً بعيداً باتجاه اقامة النظام الديمقراطي التعددي وقدمنا تضحيات كبيرة في هذا الطريق ونحن متفقون على عدم السماح بمصادرة كل التضحيات التي بذلت من قبل الشعب العراقي والشعوب الصديقة التي وقفت مع الشعب العراقي".
ولعلنا لا نبالغ عندما نقول بأن تجربتنا الديمقراطية جديدة على العراق والمنطقة بأسرها، وهي تجربة خلاقة وفريدة ولا يوجد لها نظير في الوقت الحاضر على الاقل في الوطن العربي.. فالعراقيون اجروا عمليتي انتخاب نزيهتين وناجحتين وباعتراف المراقبين الدوليين وكذلك استفتى العراقيون على دستور دائم يحفظ حق المواطن ويحترم كرامته وآدميته في دولة العدل والرفاهية.. وهذا الدستور الذي اقره اكثر من سبعين بالمئة قلَّ نظيره ان لم نقل ينعدم نظيره في منطقتنا.. وعند قيام مجلس النواب لم يكن تشكيل الحكومة امراً سهلاً، وليس مرد ذلك الا اضافة درس اخر من دروس الوعي بمتطلبات الواقع السياسي والاجتماعي وهو مبدأ التوافق كي تخرج الوزارة الجديدة ممثلة لجميع العراقيين بكافة اطيافهم، ولتبتعد هذه الوزارة عن سيطرة الاغلبية الى ساحة الشعب الذي هو الاكبر من الاغلبية على الرغم من الايمان بالاستحقاق الانتخابي الذي لم يعمل بكامل تفاصيله صوناً للوحدة الوطنية ومتطلباتها.. وكان الائتلاف العراقي الموحد (130 مقعداً في البرلمان) فضلاً عن الحلفاء في الاتحاد الكردستاني هو اعطى فرصة للتوافق من اجل مصلحة الوطن (العراق) على حساب اغلبيته الكاسحة هو والحلفاء.. ولعل ذلك يعطي صورة للايثار قلما تتمتع به كتلة نيابية كبرى تضحي بمكاسبها الانتخابية لصالح الوطن في أي برلمان من برلمانات العالم.
هذه التجربة الفريدة والممارسات الديمقراطية في العراق هي ما يخشى المستبدون واعلامهم الرخيص منه، ولهذا لا نعجز عن تفسير بعض المستبدين او ابناء الاستبداد الفكري طوال اكثر من اربعة عشر قرناً لا نعجز من ادراك مغزى دعمهم للارهاب ودفاعهم المستميت عنه.
بالتأكيد، فان بعض جيران العراق ممن لا يدعمون الارهاب يقدرون مواقفنا وتضحياتنا بمواجهة هذا الوباء الخطير.. ويدركون ان ما يحصل في العراق لن يظل حبيس حدوده في حال تمكن الارهاب من هذا البلد الامن المسالم.. فالخطر سيطالهم ايضاً ومن هنا دعا سماحة زعيم الائتلاف العراقي الموحد الى "ايجاد تعاون دولي واقليمي لمواجهة الارهاب الذي اتخذ من العراق قاعدة لتخريب العراق والمنطقة".
وفي اعتقادنا بان دول الجوار ليست جميعها غير مبالية في ما يجري من ارهاب في العراق لكن بعضها يبدو انه بدأ يفكر اخيراً بأن النار التي ستعم العراق في حال تمكن الارهاب من هذا البلد ستطالهم ايضاً.. وقد تأكدت هذه الحقيقة حتى قبل ان استطاع الارهابيون والتكفيريون في العراق من الشعور بالامان هنا في بلادنا وها هم ينقلون (نشاطهم) الى (الاحضان) التي ولدوا فيها ووفرت لهم الامن والدفء والمال والسلاح فضلاً عن الافكار الهدامة والظلامية.
واخيراً.. سنظل متمسكين بتجربتنا الفريدة هذه رغم ما نتعرض له من قتل وترهيب ونحن على يقين باننا سننتصر لا محالة.. فللباطل جولة وللحق الف جولة.. وما النصر لا من عند الله تعالى.
https://telegram.me/buratha