( بقلم : ناجي الغزي )
هل أن الوطنية إحساس أم انتماء ؟ أم هو أحساس وانتماء في آن واحد ؟ وهل استطاعت دروس مادة الوطنية أن تنمي هذا الإحساس وتفعل ولاء الطالب إلى الوطن الذي يعتبر الحاضنة الحقيقية له ولعائلته الكبيرة ولأسرته الصغيرة .
وهل استطاع الطالب أن يشعر بهذا الإحساس وهو لا يملك شبرا واحدا في هذا الوطن له ولأسرته, وهو الذي يقرا في مادة الوطنية عن تاريخ وآثار وجغرافية واقتصاد الوطن واهم مشاريعه التنموية. وكيف ينمى الإحساس بالوطن لدى شرائح المجتمع المتنوعة كالجندي الذي يدافع عن الوطن وهو لا يملك فيه شبرا واحدا سوى الإحساس بالانتماء فقط ,وهل يتمكن الفرد من التغلب على مبدأ الانتماء لقطعة ارض في الوطن مقابل الإحساس بالانتماء الروحي له فقط ؟ وفي ظل الظروف القاهرة التي يعيشها المواطن و استحواذ السلطة على مقدراته الوطنية والتفاوت الطبقي الهائل ونمو طبقة اجتماعية على حساب أخرى ,نرى أن الحس الوطني ينمو لدى الطبقة المحرومة (الفقراء) دون الطبقة الأخرى التي تنمي إحساسها للوطن عبر المكاسب .
ونحن نعيش في ظل الثورة المعلوماتية الكبيرة وما أنتجته هذه الثورة من قنوات اتصال سريعة وكبيرة لوسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المرئية والمسموعة والمقروءة وانتشارها بشكل واسع وتوفرها في أروقة البيوت والأماكن العامة واستقطابها لملايين الناس بكل فئاتهم العمرية يعتبر عاملا مهما في تزايد تأثير هذه الوسائل على الجمهور بشكل عام، ويكون تأثيرها اكبر على فئة الشباب بشكل خاص. وان تأثير وسيلة التلفزيون بشكل مباشر على الشباب يفوق تأثير الوالدين والمعلم , لأنه وسيلة سهلة وسريعة قابلة للهضم الذهني . وقد استطاعت الكثير من وسائل الأعلام بطرح رؤاها وأفكارها الأحادية ضمن برامج مفتوحة على الهواء أو مسجلة تشرك بها المشاهد وتحشده وتجعله أكثر تفاعلا مع الأفكار التي تطرح من خلال برامجها السياسية والاجتماعية والترفيهية , وان الساعات التي يقضيها البعض أمام التلفزيون تفوق الساعات في أي عمل آخر. وبهذا يصبح التلفزيون احد أهم مكونات التفكير لدى الجماهير وبالذات الشباب , وهذا ينعكس سلبا أو إيجابا على سلوكهم الشخصي الذي يواجه به المجتمع, وهناك وسيلة أخرى وربما اخطر من التلفزيون وهو الانترنيت وهذه الأداة غير خاضعة للرقابة بكل مقاييس الرقابة فهي مباحة للغاية وهي كوسيلة أخرى لاستقطاب الفئات الشبابية . وقبل الحديث عن دور الأعلام في تنمية الحس الوطني لدى الأفراد في المجتمع لابد لنا أن نتعرف عن ماهية الأعلام والأيديولوجية التي يحملها الأعلام.
وهل يملك حيادية في التعامل ويحافظ على مهنيته ؟ والحديث هنا ليس على الأعلام الغربي , وإنما نتحدث عن الأعلام العربي ,والحديث عن الإعلام العربي هو الحديث عن دكتاتوريات وإمبراطوريات إعلامية لها أجندتها الخاصة وقد تأسست اغلب وسائل الإعلام على اساسس التناحر والتنافر وهي تعيش حالة التحشيد والتهريج والتجريح , والأعلام العربي بعيدة كل البعد عن واقع الحياة ومعالجة قضايا المجتمع فهو أعلام آحادي الاتجاه ولا يعتمد الوسطية في التعبير والطرح ,وغير متطلع إلى مشاعر الجماهير وطموحاتهم الوطنية والقومية , إعلام يعتمد على تضخيم الحدث وطمس الحقيقة , وان القائمين على تلك القنوات الإعلامية يفتقرون إلى ابسط قواعد العمل المهني والطرق التنموية الناجعة لتفعيل دور الفرد في المجتمع بالاتجاه الصحيح . فان البرامج التي يتم اختيارها تقوم على أسس طائفية وعنصرية شوفونية, تساهم في هدم الحس الوطني لدى الفرد اتجاه بلده وتخلق منه أداة هدامة ناقمة على كل ما يمثله الوطن من مكونات بشرية ومؤسسات حكومية وآثار وبنى تحية , فنجد الاختراقات الدولية والإقليمية لعدد كبير من الشباب في مجتمعاتنا العربية من قبل دوائر استخباراتية وجماعات تكفيرية توظف هذا النموذج من البشر بالاتجاه المعاكس للنيل من الوطن والاستئثار بوحدته الوطنية وسيادته الأمنية.
ويفترض بالأعلام الحقيقي - هو الإعلام الذي يساهم في تنمية الحس الوطني والديمقراطي لدى عامة أفراد المجتمع من خلال تمثيله للمجتمع تمثيلا حقيقيا دون تزييف فيكون مرآة تعكس صورة المجتمع وقيمه وأفكاره ويعبر عن هموم المواطن ليكون لسان حال المجتمع , وان يرتقي إلى مكانته الحقيقية كسلطة رابعة , وعلى الأعلام الجاد والرصين أن يعزز دوره في بناء أرادة المجتمع وتنمية حسه الوطني من خلال خلق برامج تنموية فاعلة تأثر إيجابا على تفكير الناس وتعاملهم مع بعضهم البعض . والمواطن العربي يحتاج إلى برامج توعية حول أنماط السلوك الديمقراطي والإحساس الوطني في المجتمع ، وهذا يعتمد على تغيير التصورات الخاطئه التي يعيشها الفرد في عقله نتيجة لتراكمات مفاهيم المجتمع المغلوطة ، وهذه المسألة في غاية الصعوبة، لان تغيير السلوك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير القناعات وتعديل المفاهيم من خلال إشاعة التوعية الفكرية ورفع الحس الوطني اتجاه الوطن ، وتوجيه سلوك الأفراد في المجتمع اتجاه الوطن ومكوناته بالاتجاه الديمقراطي السليم . وان أي مجتمع يعتمد التحول نحو الديمقراطي لابد أن يحدث لديه نقلة نوعية في المستوى الاجتماعي والثقافي وهذا يأتي من خلال طرح الأفكار المتحضرة والجديدة التي تؤهل المجتمع إلى تلك النقلة , عن طريق وسائل الأعلام المتعددة والمتوفرة , وضمن آليات وبرامج إعلامية تعتمد أنماط سليمة تساهم في تهذيب النفس والارتقاء بالمشاعر والإحساس والمسؤولية , ولا شك أن الأعلام أداة تعليمية وتثقيفية متقدمة تساهم وتساعد في التغيير نحو المستقبل لما لها من تأثير فعال على الفرد , فهو يمارس دور المرشد للممارسات الديمقراطية من خلال تكريس الفكر الديمقراطي وإدانة الفكر المناهض للعمل الديمقراطي من خلال نبذ ظاهرة الإرهاب والتطرف وحجر الفكر المشوه في خانة المتهم .
ومقت الأنظمة الدكتاتورية الشمولية التي تعادي الطابع الديمقراطي وتطمس الحس الوطني لدى المواطن من خلال احتكار السلطة والاستحواذ على مقدراته الوطنية وحقوقه الإنسانية . وان ممارسة دور الأعلام الحقيقي بمهنية عالية وحيادية مع قضايا الشعوب وتعزيز هذا الدور والارتقاء به من خلال - تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان في المجتمع ؟ "كالحرية" والمساواة "وإشاعة لغة التسامح" وعدم التمييز وقبول الآخر" وتعميق الحوار بين أطراف المجتمع الواحد رغم اختلاف أطيافهم , وان نجاح الإعلام العربي يتوقف على خلق آلية عمل تساعد المواطن العربي على تنمية حسه الوطني لكي يساعد ذلك على تطوير و تحديث ملحمة التآخي والترابط الاجتماعي الذي يترجم الوحدة الوطنية عند الجميع .
وعلى الهيئات الثقافية في البلدان العربية أن تعمل على تأهيل وتاطير وتنفيذ الرقابة على الجهات الإعلامية التي تساهم في هدم الحس الوطني لدى المواطن وبالذات شريحة الشباب . وإلغاء ولائه وانتماءه لوطنه من خلال البرامج المشوهة التي تذهب بالأمة إلى الهاوية وتعصف بوحدة المجتمع وتمزق نسيجه الاجتماعي والثقافي والديني.
https://telegram.me/buratha