( بقلم : وداد فاخر )
قالت العرب : ( ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة ) ، لذا لا أود أن يقال في حال تخلفنا عن قضية شعبنا التي أخذت مجرى خطيرا في الآونة الأخيرة وانشغالاتنا في قضايا بعيدة كل البعد عنها في المؤتمرات والمداولات والأخذ والرد فيما لا طائل منه ، كما قال خاتم النبيين عندما سمع البكاء في بني عبد الأشهل على قتلاهم : لكن حمزة لا بواكي له . كذلك فأنا لا أستطيع خيانة طبقتي العاملة التي لا زلت لصيقا بها كوني أصنف نفسي ضمن هذه الطبقة التي تربيت فيها ونهلت ثقافتي المتواضعة من منابعها ، ووضعت نفسي في خدمتها منذ نعومة أظفاري ، لذا فليس من المنطق أن أكون بالضد منها أبدا . وما دعاني للتذكير بهذا ما تداول عن احد الأعزاء عندما وجهت له ( تهمة ) عامل مطعم ، وهي لعمري ( تهمة ) شريفة حال كوني أنا أيضا مارست العمل الشريف كعامل ولا زلت ، ذلك لأنني لا أحب البهرجة والألقاب التي يضعها البعض قبل أسمائهم متناسين احترام آدمية العامل ، ولأنني أضع نصب عيني مقولة الفاروق عمر عندما نظر لشاب قوي ونشط ، وسأله عن عمله فرد الشاب : لا عمل لي ، يومها غضب عمر وقال : ( إني ليعجبني الرجل ، فإذا قيل لي لا عمل له سقط من عيني ).
وعلى العموم أجد نفسي أنا الشروكي المربوط روحيا بأسلافي من القرامطة الذي يود السير على خطى الصوفيين ، صعلوكا يبحث عن ابسط ما يقوت الناس دون البحث عما يراه الغير من بهرجة الدنيا وزينتها ، واردد دوما مع القطب الصوفي عبد القادر الكيلاني ( معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب وأوتينا مالم تؤتون ) . كوني اطمع في حب فقراء الناس كما كان يفعل الأقطاب ، كجندب بن أبي جنادة المنحدر من قبيلة غفار أو( أبا ذر الغفاري ) كما نعرفه ، أو من سبقه كعروة بن الورد روبن هود العصر الجاهلي ، أو بشر بن الحافي ، أو الفضيل بن عياض . وتدفعني الرغبة في الأفضلية المطلقة لأكون مناضلا بين الفقراء وأسوح بينهم كما ساح المسيح بن مريم ، يحركني حسي الاجتماعي بعيدا عن الثقافة التقليدية كسلفي في العصر الإسلامي الأول روزبه الاصفهاني أو ( سلمان الفارسي ) ، وتلميذه البصري النجيب عامر العنبري . لهذا لا أحب أن أضع قيدا حولي ، وأطاول الآخرين من أصحاب الالقاب ممن يقفون على التل متأبطين درجاتهم العلمية التي يفاخر البعض منهم بها الآخرين بينما لا زال ينشر في مواقع تحث على قتل العراقيين وتحرض على قتلهم ويشنع البعض منهم على شرفاء العراقيين ويسبغ عليهم القابا كانت ضمن قاموس رجال الحزب المنهار كموقع كتابات وغيره من المواقع المعروفة لفقراء العراقيين المكتوين بنار إرهاب البعث وغلاة التكفيريين الوهابيين . واحتفظ لنفسي بدرجة عامل التي تسمح لي بالانغمار وسط بسطاء الناس من الحفاي كأسلافي من القرامطة وصنوي من أتباع ( علي بن محمد ) صاحب الزنج " قتل عام 270 هجرية 883 م " ، الذي كنت في صباي ومقتبل شبابي أحج مساء يوم الخميس لمقر العبيد من بقايا الزنوج في البصرة في محلة جسر العبيد والمسمى بـ ( المكيگ ) حيث يرفع على سارية وسط كوخهم البسيط علمهم التقليدي منذ زمن صاحب الزنج ولم يكن سوى عبارة عن خرقة خضراء ، وهي الدلالة على التشيع العلوي لعلي بن محمد ورفاقه الأبطال ، والتي لا اعرف للآن من أين جاءت تلك التسمية – أي كلمة المكيگ - لكنني كنت أمتع السمع والنظر برقصات الهيوه ، على إيقاع الطبل الأفريقي وخرخشة أظلاف الخراف التي كان يتمنطق بها الراقص في وسطه .
واعتبر نفسي للان هاوي كتابة وأحجم عن دس نفسي وسط هالة من الكتاب من ذوي الألقاب الكبيرة ، رغم إنني أمارسها منذ عام 1965 ، عندما كنا مجموعة من الشباب اليافعين الذين يمارسون كل صنوف الأدب من شعر وقصة ومقالة ، وأسسنا بجهد شخصي رابطة للأدب كان كل رأسمالها صندوق بريد ، وأطلقنا عليها اسم ( رابطة الوعي الأدبي ) ، وإعلان في ملحق جريدة الجمهورية ، وأعضاء بالمراسلة كالمحامي الأديب محمود العبطة والقاص المرحوم غازي العبادي وآخرين لا تحضرني أسمائهم بمساعدة من صديق توقف عن معاقرة الأدب واتجه للتجارة بعد أن وجده مادة لا تسمن ولا تغني من جوع وهو العزيز( نائل عبد الجبار جواد )، يومها لم يكن داء البعث قد أصاب الجسد العراقي السليم . واتخذنا احد الأطباء الملمين باللغة وسليل عائلة جمال الدين المعروفة بالعلم مستشارا ثقافيا لنا رغم تباين أعمارنا معه آنذاك ، وهو ( الدكتور صباح جمال الدين ) أطال الله في عمره والذي نسي صحبه القدامى ولم يعد يتذكرهم عملا بقول الشاعر ( وما سمي الإنسان إلا لنسيه .. وما القلب قلبا إلا انه يتقلب ) . كذلك كنا في البصرة رهط من الشباب أكثرهم من الشعراء التقي وإياهم في إثناء إجازتي الدراسية قادما من بغداد عاصمة الدنيا في ( جمعية شباب أبو الحسن ) حيث محلتنا ، وهي جمعية للمولد النبوي ، فكان هناك الشاعر محمد صالح عبد الرضا الذي أصبح بعد ذلك من مذيعي تلفزيون البصرة ، والأديب حسين عبد الرزاق ، والشاعر الشعبي المرحوم الملا مهدي نوح الربيعي ، والصديق المحب للأدب والشعر توفيق عبد الحسن الستراوي ، والساكن في جزيرة دلمون حاليا ( البحرين ) الذي عاد لجنسيته الأصلية ، منبع ثورة الزنج العزيز ( صمد الليث ) ، مع آخرين لم يكن يضمهم ذلك المحفل الأدبي الجميل ، كالشاعر شاكر العاشور ، والشاعر عماد عمران فياض صاحب أعذب قصيدة غنتها سيتا هاكوبيان ( لو جاءني القمر يبكي وينتحب .. ما كنت اعذره لولاك يا قمري ) ، مع أساتذة للأدب العربي تتلمذت على ايديهم كالمرحوم السيد كاظم محمد علي الخليفة احد التلامذة النجباء للعلامة اللغوي محمد جواد جلال ، والأستاذ فيصل العودة ابن محلتي التي أبصرت النور فيها ( محلة الخندق ) أو كما تسمى بـ( التميمية ) .
كل ذلك يدعوني للإحجام عن المشاركة في مؤتمركم الذي اختار دون علم المشاركين من المدعوين لجنة تحضيرية وهيئة استشارية وجعلنا تابعين ، علما إنني لا أحب أن اتبع أهل السلطان وأفاخر بأنني لازلت أعيش وسط الصعالكة والحفاي ، لكنني متفائل جدا بنجاح مسعاكم وسط هذا الجو المخيف من الإرهاب المتفشي في وطننا العزيز الذي لم يجد رادعا له حتى الآن وإن معظم الاعزاء الذين يتواجدون في هيئكم لم يكلف يوما نفسه ولو استنكار ما يجري من إجرام ، وتفاءلي كتفاؤل إمام المتقين علي بن أبي طالب الذي كان متفائلا حتى في اشد ساعات الهزائم لذلك قال لأبي ذر ( ستعلم من الرابح غدا والأكثر ’حسَدا ً ) ، وهو وكما يفسر البعض ذلك لم يكن يقصد يوم القيامة كونه يحارب من اجل امتلاك الدنيا لتكون طيعة لأنصاره من الفقراء ، وإيداما لهم على استمرار حياتهم . وما يمنعني من المشاركة هو إنني أماثل سلفي البصري ( عامر العنبري ) التميمي ، فالبصرة تميمية ، وقد كان يقاطع السلطان ولا يجالس الوالي ، لذلك نفي للشام ومات في فلسطين ودفن في القدس ، وأنا الآن منفيا في فيينا بعد أن خرجت طالبا النجاة من سيف البعث الذي شهر على رأسي . ولأنني لا املك من متاع الدنيا شيئا اهديه للفقراء من رهطي فستكون الكلمة المجردة والبعيدة عن التزويق هي هديتي لهم وكما قال الشاعر : ( لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال ) .
وأكون وسط معمعة الحفاي وبسطاء الناس الذين لا يبحثون عن المواقع والألقاب مستندا في دعوتي على القطب الشهيد ( الحسين بن المنصور أبو المغيث ) أو المنصور الحلاج ، الذي غامر بنفسه في سبيل إقامة الدولة المشاعية عندما انخرط في سلك الدعوة القرمطية ، والذي حوكم من قبل الوزير الجاهل حامد بن العباس الذي لم يكن يعرف يقرأ أو يكتب وإنما استوزره المقتدر العباسي ليكون شرطيا يقمع المعارضة لا غير مثله مثل ( لطيف نصيف جاسم الدليمي ) وأشباهه من شرطة السلطان ، والذي تم – واقصد الحلاج – قتله بسيف الشريعة بتهمة الزندقة التهمة الجاهزة في ذلك العصر .وفي الأخير أقول عن هذه العلاقة التي نأيت عنها بنفسي معتذرا :ستبقى لها في مضمر القلب والحشا ..... سريرة ود يوم ’تبلى السرائر’لأنني وكما قيل أخذني الوجد ببسطاء الناس والكتبة الحفاة الذين قال فيهم الشاعر :يا منية المتمني ....... أخذتني بك عنيوداد فاخر / شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنجwww.iraqihouse.de.kiwww.iraqihouse.de.tl
https://telegram.me/buratha