( بقلم ّّالباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية عبدالاله البـلداوي )
يشترط في إدارة الأزمة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية عدة أمور، منها:1- أن يكون مرجع إدارة الأزمة نابع من كتاب الله وسنة رسوله (ص)، وإلا سيحصل ظلم وقتل لأبرياء.2- ان يضع الفريق نصب عينيه دائماً مرضاة الله في إدارة الأزمة، فأن النصر والفوز سيكون حليفه إستناداً الى قوله تعالى ﴿ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾.3- الثقة بالله سبحانه وتعالى والثقة النفس والشعور بالطمأنينة، استناداً الى قوله تعالى: ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾ وقوله تعالى ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ .4- الدعاء الى الله سبحانه وتعالى والالحاح عليه في طلب النصر: ففي غزوة بدر عندما ظل النبي (ص) رافعاً يديه إلى السماء يدعو ربه ويقول: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لن تعبد في الأرض بعد اليوم) فما زال يدعو ربه، ماداً يديه وهو مستقبل القبلة، حتى اعطاه الله النصر على المشركين.5- أخذ الدروس والعبر من التجارب الماضية: على الانسان المؤمن ان لايقع في الخطأ مرتين: (لا يلدغ المؤمن من جحره مرتين) والاستفادة من الأزمة لمعرفة الصديق الوفي من المنافق الهارب، فالواجب علينا الاستفادة من تجاربنا السابقة وتجارب الآخرين أيضاً والعمل على قراءة المستقبل من خلال معرفة الماضي للاستفادة من زماننا حتى لا يضيع سدى .6- عدم تقليد الآخرين في حلول الأزمات التي نعاني منها وإنما أخذ ماهو مفيد وطرح الأشياء الباقية التي لاتنفع مجتمعنا وقضيتنا .7- الإبتكار والأبداع فيما يخدم تغيير الفريق نحو الأفضل، فالقائد الناجح عليه إشعال حماس العاملين الأمر الذي يؤدي إلى رغبة الفرد في المشاركة وحل الأزمة، فعلى سبيل المثال إتاحة الفرصة للتعبير عن النفس، وتحقيق الذات، والإحساس بأن الفرد نافع، والرغبة في الحصول على معلومات، والرغبة في التعرف والعمل مع زملاء جدد، والإحساس بالإنتماء إلى عمل خلاق ومكان عمل منتج، والرغبة في النمو والتطور من خلال الإبداع والتطوير، وغيرها من مثيرات الحماس والدافعية .8- أن يكون مدير فريق إدارة الأزمات قائداً يتمتع بصفات تؤهله لإدارة الأزمات وحل المشكلات، ومن هذه الصفات: - الثقافة السياسية والعسكرية والأمنية. - الخبرة في الإدارة. - الذكاء وسرعة البديهة. - القدرة في التأثير على الأفراد. - التفكير الإبداعي بوضع سيناريوهات وفرضيات لحل الأزمة. - القدرة على حل المشاكل الطارئة الناتجة من الأزمة والسيطرة عليها. - أخذ مشاورة وخبرات الأخرين والاستفادة من النقاط المهمة، استناداً الى قوله تعالى ﴿وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ (آل عمران: 159).- قدرة الإتصال بالآخرين وتكوين علاقات إيجابية للتأثير على الخصم. - يجيد فن الحوار وخصوصاً مع صانعي الأزمة، وله القدرة على اقناعهم بالتراجع عما فعلوه. - الرغبة والحماس في العمل، قوله تعالى: ﴿إن خير من استأجرت القوي الأمين﴾ (القصص: 26) .9- الموازنة الموضوعية بين البدائل المتاحة واختيار أقربها إلى حل الأزمة وتحقيق مصلحة البلد والفريق فيما لايخالف الشريعة الإسلامية، وهذا ما فعله النبي (ص) عندما جمع أصحابه في غزوة الخندق يأخذ رأيهم، فعرضوا عليه آرائهم وكان من بين الآراء رأي سلمان الفارسي (رض) الذي أشار إلى حفر الخندق فأخذ برأيه النبي (ص)، لأنه أنجع الأقتراحات. 10- بالصبر والثبات تحل كل أزمة، يعتبر من أهم الصفات التي يجب على القائد التحلي بها عند الأزمة، وتتضح أهمية الصبر من موقف النبي (ص) في حل أزمة الحصار الاقتصادي عليه وعلى الذين آمنوا معه قبل الهجرة: يقول سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين﴾ (البقرة: 153) فكان جزاء هذا الصبر و تحمل المشاق أن الله سبحانه وتعالى قد مكنهم في القضاء على عروش الملوك و فتح بلاد الروم و فارس، و صدق الله إذ يقول: ﴿و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين ﴾ (القصص: 5) .11- انتظار الفرج بعد الشدة: وما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿ فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا ﴾ (الشرح: 5 – 6) وقوله تعالى: ﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ﴾ (آل عمران: 139) ، والفرج يكون بعد الشدة.12- التمسك بالقيم والمثل والأخلاق والسلوكيات الحسنة: فنجد أن الرسول (ص) وقت الأزمات والمحن الاقتصادية لم يتنازل عن القيم والمثل والأخلاق والسلوكيات التي أمر الله بها وبذلك استحق النصر بعد الأزمة واليسر بعد العسر .14- الشجاعة: عنصر أساسي من العناصر المهمة التي يشترط ان تتوفر في فريق ادارة الأزمة، إذ لا معنى لفريق يتولى إدارة الأزمة لايتصف أفراده بصفة الشجاعة، فالفريق الذي تتوفر فيه قابلية الهزيمة لايمكنه حل الأزمة والقضاء على الخصم.15- التفاؤل وعدم التشاؤم : فيجب على المسلم ألا ينظر للأزمة على أنها كلها شر، فالنظرة السلبية تعوق التفكير السليم الذي يسهل الوصول للحل المناسب. 16- التجانس والتعاون بين الأفراد داخل فريق الأزمة للعمل على حل المشاكل والأزمات التي يواجهونها، قال تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ (المائدة: 2) .17- الاستعانة والتوكل على الله : فالمسلم بعد أن يختار من الحلول ما يراه ملائماً لحل الأزمة عليه أن يتوكل على الله ويستعين به، وقوله تعالى: ﴿كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز﴾ (المجادلة: 21)، وقول النبي (ص): (اعقلها وتوكل). - العوامل التي تؤثر في عملية صنع القرار و تؤدي إلى خلق الأزمات:1- التفكير الفردي بعيداً عن مشاورة الأخرين .وهذا يتحقق في الدول والحكومات الديكتاتورية التي لاتطبق الديمقراطية فيها، ويكون صاحب القرار هو الشخص الحاكم لتلك الدولة.2- عدم معرفة ماينوي الخصم فعله.3- الميل الى المجازفة وعدم حساب النتائج المترتبة على ذلك. - رسم سيناريوهات و فرضيات لحل الأزمة:أن التعامل مع الأزمة يحتاج من صاحب القرار إلى رسم وإعداد سيناريوهات بديلة متعددة المواقف وهي عملية ليست سهلة خاصة عند إعداد سيناريو للتعامل مع أزمة لم تحدث بعد ولا يعلم إلا الله مداها أو مكانها أو عناصرها ومن ثم فالسيناريو ما هو إلا أحد طرق الحماية والوقاية من الأزمة كتدريب الجندي علي كيفية إطفاء الحرائق التدريبية، بعد ذلك فن رسم سيناريوهات التعامل مع الأزمة وعوامل نجاح تنفيذها .- كفاءة مدير غرفة عمليات الأزمة:أن المدير الناجح يقوم بوضع أهداف مرحلية تيسر له الأمر في تحديد التعامل المرحلي مع الأزمة من وسائل وأدوات وأفراد وسيناريوهات بديلة لكل مرحلة لمواجهة الأزمة .كلما نجح مدير الأزمات في جعل المجتمع لصالحة كلما كانت قدرته مرتفعة في معالجة الأزمة التي يواجهها وإدارتها بالشكل الذي يجنب الدولة أية خسائر محتملة وفي نفس الوقت الاستفادة من إيجابيات الأزمة في زيادة تلاحم أفراد المجتمع ورفع أداء إنتاجهم بشكل متميز ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك نجاح جمال عبد الناصر في إدارة أزمة تمويل السد العالي لصالحه عندما سحب البنك الدولي عرض تمويل السد بدعوى الإضرار بالاقتصاد المصري فخاطب عبد الناصر الأمة العربية من خلال شعب مصر وخاطب قوى الثورة العالمية من خلال الثورة المصرية فاستجاب له كافة الشعوب وأيدته ونصرته في معركة السد العالي .- عندما تنتهي الأزمة:عندما تنتهي الأزمة وتنحسر وتعود الأمور إلى مرحلة التوازن من جديد تبدأ تساؤلات تفرض نفسها في المجتمع ككل ماذا بعد الأزمة ؟ لذا فهناك ثلاث اتجاهات تجيب على ذلك، هي : الاتجاه الأول: الحماية والوقاية والاحتياط والاحتراز وهذا الفكر يعمل على عدم حدوث مثل هذه الأزمة مرة أخرى وعدم السماح لها بالتجدد والتكرار.الاتجاه الثاني: التحسين والتطوير والأداء والنشاط والعمل ليصبح الكيان الإداري أفضل بكل المقاييس من قبل حدوث الأزمة . الاتجاه الثالث: التفوق والحداثة بإيجاد واقع متفوق ومتحكم ومسيطر لم يكن متاح بدون حدوث الأزمة وجدير بالذكر أن هذه الاتجاهات الثلاثة قد استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م .أما الدروس التي استفدنا من هذه الأزمات فيما يتصل بالظروف التي تكون فيها الحرب أمراً يصعب تفاديها تقريباً، وعندما يتجاهل صناع القرار أخطار الحرب أو يقللون منها تصبح إدارة الأزمة شيئاً بالغ الصعوبة، ويمكن أيضاً أن تحول الخطط الحربية المتصلبة أو المبادرات العسكرية الأحادية دون تفادي نشوب الحرب، وتمثل التحالفات عاملاً ثالثاً يمكن أن يعوق عملية إدارة الأزمة في حين أن السياسة الداخلية تعتبر عاملاً رابعاً يمكن أن يحبط جهود السيطرة على الأزمة.وتمثل الأزمة الكوبية عام 1962 الحالة التي يمكن فيها تفادي نشوب الحرب.كيف خططت أمريكا لحل الأزمات السياسية، فالإجابة تكمن في اتجاهين:1- الإتجاه الأول: هو الإتجاه النسقي والذي يطرح جانباً القضايا الإيديولوجية من أجل الإهتمام بموازين القوى الجيوسياسية.وفي إطار هذا الإتجاه دعا البعض إلى رد الإعتبار إلى الجغرافية السياسية والتي تحدد استراتيجية الدول انطلاقاً من موقعها الجغرافي ونذكر منهم بريجنسكي الذي طرح السؤال الآتي: كيف نضبط العالم حتى لا تستطيع أي دولة كبرى السيطرة على أوروبا - آسيا، وبيّن بريجنسكي أن على الولايات المتحدة أن تولي اهتماماً خاصاً بآسيا الوسطى بصفة كونها جزءاً اساسياً من قلب أوروبا - آسيا، وأميركا أصبحت قادرة على التقدّم إلى قلب هذين القارتين بسبب انهيار الإتحاد السوفياتي، ثم أنه يحذر من أمرين هما الفوضى من جهة ونشأة كتلة مسيطرة سياسية واستراتيجية تجمع بين روسيا والصين وإيران وإن نشأت هذه الكتلة فإن نفوذ الولايات المتحدة معرّض للخطر.أما إدارة الأزمات وفقاً لهذا الرأي فهو يجب أن ينصب في الحول دون تكتل القوى الكبرى والوسطى ذات التأثير على قلب أوروبا - آسيا واستيعاب كل واحدة منها على حده.2- الإتجاه الثاني: يرد الأزمات إلى مفهوم صدام الحضارات وفقاً لنظرية هانتنغتون، الذي ينطلق من الخلفية التالية: إن النزاعات الدولية مرت عبر ثلاثة أطوار:أ- الطور الأول الذى انتهى مع الحرب العالمية الثانية وساد الصراع بين القوميات وتمثل في صراع النفوذ بين أهم الدول الأوروبية والاسيوية.ب- في الطور الثاني أصبح الصراع ايديولوجياً وكان بين طرفين: الليبرالية والماركسية.ت- أما في الطور الثالث فالصراع سيصبح صراعاً بين الحضارات.وبالنسبة إلى هانتنغتون فإن الأديان تشكل العنصر الأساسي لتحديد هوية الحضارات، واستطراداً يقسم العالم إلى:- حضارة غربية كاثوليكية – بروتستانتية تقف عند حدود أوروبا الشرقية.- حضارة سلافية أرثوذكسية محورها روسيا.- حضارة إسلامية تمتد من أندونيسيا إلى المغرب العربي.- حضارة صينية.- حضارة هندية.- حضارة افريقية- حضارة أميركية جنوبية.أما الصدمات بين الكتل الحضارية فقد تصورها عام 1993 على الشكل التالي: إن الصراع هو صراع بين الغرب وبقية العالم، أما الكتلتين الأشد خطورة فهما الكتلة الإسلامية والكتلة الصينية ذات الوعي الحضاري القوي، لهذا السبب تكمن إدارة الأزمات في ما يأتي:(1) توحيد صفوف الغرب ومعالجته للأزمات الدولية بصوت واحد.(2) حصر وسائل القوة التقنية والعلمية بيد الغرب والحول دون انتقالها إلى الحضارات الأخرى.(3) مكافحة الهجرة القادمة من الحضارات الأخرى.(4) السعي لضبط لعبة الصراع داخل الحضارات الأخرى .إن تصنيف العالم من منظار النزعة الأميركية ونظرياتها، يصطدم بواقع وهو:(1) إن الحضارة لا تستطيع أن تكون طرفاً سياسياً.(2) إن تعريف الإنتمائين الحضاري والثقافي ينطلق من التعريف الذي يعطيه المجتمع لنفسه ولهويته.لهذا السبب، ستبقى نظريات الضبط هذه إما ناقصة أو خيالية من شأنها المضاعفة من العدوان على الشعوب.اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha