( بقلم : أ.م.د.علي عظم رئيس الجامعة الاسلامية في النجف الاشرف)
ليس جديداً عداء الحكومة المصرية للعراق لاسيما عندما يتحول من حالة إلى أخرى, ربما يعود ذلك إلى خوف المصريين من أن يتصدر العراق العالم العربي بدلا من مصر التي تعد نفسها العمق الاستراتيجي للعالم العربي, فمنذ ثورة 1958م والعداء المصري مستمراً فعبد الناصر ناصب الزعيم عبد الكريم قاسم عندما علا نجمه السياسي في الوطن العربي وحاول إيجاد مشروع سياسي ديمقراطي في العراق في الوقت الذي تحول فيه حكم ثورة يوليو 1952م إلى حكم دكتاتوري عسكري وأصبح المجتمع المصري يئن من الكبت السياسي والتدهور الاقتصادي على حد سواء. ثم جاءت هزيمة حزيران 1967م لتكشف زيف وضعف مصر اتجاه العدو عسكريا, ورضوخ عبد الناصر للموافقة على مشروع روجرز للسلام مع إسرائيل, مما يعني اعتراف غير معلن وبذلك مهد الطريق إلى زيارة السادات إلى القدس بعد هزيمة مصر في حرب 1973 أمام إسرائيل ثانية, ومحاصرة الجيش الثالث المصري كشاهد على ذلك, على الرغم من إن السادات وبعض قيادته العسكرية كانت تدفع نحو إلحاق هزيمة عسكرية للجيش المصري, لكي يتسنى لها الاندفاع نحو حل الصراع مع إسرائيل, وإنهاء الصفة العربية للقضية الفلسطينية وقد تحقق ذلك في اتفاقيات كامب ديفيد التي كان الرئيس الحالي واحد من مهندسيها.
فهل يحق لأحد أن يقول بان الرئيس مبارك أصبح ولاءه لإسرائيل وأمريكا, خاصة وان الرئيس المصري له علاقات وثيقة مع المنظمات الصهيونية في نيويورك واجتماعات يعرف بها كل عربي, إذا كان الجواب لا فكيف يحق له أن يتهم الغالبية من سكان العراق بالولاء لإيران إذن ماذا يبقى للعروبة في العراق خاصة وان هنالك أكثر من عشرين بالمائة هم أكراد وتركمان وأقليات أخرى غير عرب؟لا عجب فان للرئيس المصري دور في تقوية النظام الدكتاتوري في العراق خلال الثمانينات لاسيما أثناء الحرب على إيران تلك الحرب التي تحمل الشيعة أعباءها كونهم غالبية سكان العراق ومعظم الأكراد إما معارضة مسلحة لنظام بغداد أو فارين إلى الخارج. فالرئيس مبارك والملك حسين هو حلقة الوصل بين بغداد وواشنطن وتل ابيب في جمع المعلومات عن تحركات الجيش الإيراني, لاسيما وان مصر زودت العراق بالسلاح السوفيتي منذ عام 1982 عندما كان هنالك حظراً على تصدير السلاح للعراق وإيران,
وعندما انتهت حرب القادسية السوداء التي خرج منها العراق منتصراً عسكرياً, والمدمر اقتصادياً واجتماعياً بدأت صفحة جديدة في السياسة المصرية تجاه العراق, كي لا يصبح العراق قوة في الشرق الأوسط, ويجب أن تبقى إسرائيل سيدة الموقف, فأصبح هنالك توتر ظاهري في العلاقات المصرية- الإسرائيلية, إلا إن السياسة الاستراتيجية لمصر السلام مع إسرائيل, وتكوين منظومة سياسية عسكرية مصرية أمريكية إسرائيلية للهيمنة على الشرق الأوسط تكون فيها السيادة لإسرائيل ومصر قاعدة معاونة أو بديلة بحكم موقعها الجغرافي لضرب أية قوة تشق عصا الطاعة عن الولايات المتحدة, وهذا ما تبين أثناء انعقاد قمة عمان لدول مجلس التعاون العربي سنة 1989 ومطالبة العراق الولايات المتحدة بسحب أساطيلها من الخليج العربي بعد انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية, إذ رفض الرئيس مبارك هذه الأطروحة خاصة وان صدام حسين قد اتهم حسني مبارك بتنفيذ مخطط أمريكي في الخليج العربي ويكون العراق واحده من ضحاياه.
ثم تسارعت الأحداث وارتكب صدام حسين الخطأ المميت بدخول الكويت, وسنحت الفرصة للرئيس المصري لتدمير العراق وإنهاء دوره الإقليمي فقد عرقل كل الجهود الرامية لحل الأزمة خلال قمة القاهرة في آب 1990, ولينفذ اراده أمريكية لدفع العراق لاتخاذ موقفاً متصلباً غير عملي لإعطاء الذريعة لضربه من قبل التحالف الدولي بقيادة واشنطن مقابل 7مليار دولار تنازلت عنها الولايات المتحدة لصالح مصر, بل الانكى من ذلك أصبحت مصر ومن خلال تحكمها بقناة السويس نقطة الانطلاق لضرب العراق وبدون حياء, لاسيما وان قواته قد شاركت عملياً في دخول الأراضي العراقية في عمليات عاصفة الصحراء العسكرية 1991م من اجل تدمير الجيش العراقي الذي قاتل سنين لجانب مصر في الصراع مع إسرائيل لان هدف مصر تدمير أية قوة عربية تبرز في المنطقة, فبدلاً من إبداء المساعدة للتخلص من الطاغي عن طريق مساندة الشعب العراقي, عمد إلى تدمير العراق والحفاظ على نظامه عندما وقعت الانتفاضة الشعبانية ليحذو بذلك حذو السعودية وأسرة آل صباح وباقي أنظمة الخليج العربي الأخرى, كي لا يقوم نظام على غرار النظام في إيران كما يدعون, وهذا امتداد لموقف السادات الذي كان يدعم نظام الشاه ويتعاون معه عسكريا في القضاء على أي حركة تحرر في منطقة الخليج والجزيرة العربية والتعاون العسكري الإيراني المصري الأردني البريطاني الأمريكي للقضاء على ثورة ظفار خلال الأعوام 1974-1975 خير شاهد على ذلك. ومن اجل إسناد الحكم في بغداد وإمعانا في ضرب شيعة العراق أوفد مجلس الشعب المصري بعض أعضائه لزيارة العراق سنة 1985 للشد على يد صدام حسين لضربه الروافض على حد تعبير احد أعضاء الوفد ومن خلال شاشة التلفاز وعلى مرأى ومسمع من الشعب العراقي الذي استهجن في حينها ذلك الموقف لحلفاء اسرائيل كما عبر الشارع العراقي من خلال الأحاديث في المقاهي والحارات في حينها.
واليوم تبرز المواقف من جديد بالنسبة للحكام العرب الذين يخافون رياح الديمقراطية والتغيير وبخاصة إن شعوبهم يطالبونهم بذلك واظطروا إلى إجراء انتخابات وان كانت تحت حراب الشرطة كما هو الحال في مصر عندما تبوأ الإسلاميون مراكز متقدمة في الانتخابات وبدلاً من مساندة الشعب الفلسطيني الذي يعاني الإرهاب الإسرائيلي راح الحكام العرب يطرحون الخطر الإيراني والشيعي, فالملك عبد الله الثاني أبدى تخوفه مما اسماه الهلال الشيعي من اجل التغطية على الجريمة الإسرائيلية التي تشن حربا على الشعب الفلسطيني وحركته الإسلامية ومبارك منذ تسلم حركة حماس السلطة راح يتباكى على العراق الذي أصبح مستعمرة إيرانية كما يصوره للشعب العربي وللأمريكيين, بأنه الشيعة موالين لإيران, فبئس هذه القيادات العربية التي تكذب على شعوبها وتغطي جرائم العدو الحقيقي. وأريد أن أقول إن كنت جاهلاً عن طبيعة شيعة العراق ووطنيتهم فاسأل محمد حسين هيكل أيها الخرف واسأل فهمي هويدي وكتاب مصريين آخرين الذين نبهوا منذ عام 1978-1979 إن الخطر لا يكمن في الشيعة بل الخطر في إسرائيل. ولكن يبدو إن هنالك هدف آخر غير الذي ذكرناه هو أن يعطي تبريراً للسلفيين الإرهابيين للتوجه للعراق لإشاعة الإرهاب فيه وقتل الشيعة باعتبارهم وراء التدخل الخارجي, ولإبعاد العرب والمسلمين عن قضية فلسطين كي يسهل لإسرائيل وحلفها القضاء على المقاومة الفلسطينية لاسيما الإسلامية منها.
أ.م.د.علي عظمرئيس الجامعة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha