( بقلم : رئيس الجامعة الاسلامية د.علي عظم محمد )
مثل العقد الأخير من القرن العشرين مرحلة انهيار النظام العالمي القائم على القطبية الثنائية, ذلك العالم الذي شهد ما يعرف بالحرب الباردة طوال أكثر من أربعين عاماً, كان الوطن العربي مركزاً لهذه الحرب بين قطبي الصراع الدولي" الولايات المتحدة, والاتحاد السوفيتي" حيث كانت الولايات المتحدة تدعم الحكومات البيروقراطية الاستبدادية والقومية الدكتاتورية, وتقف بالضد من كل القوى الإسلامية التي تعادي إسرائيل وتدعو إلى إسقاط النظم المستبدة والدكتاتورية ومتهمة إياها بأنها تجاري الاتحاد السوفيتي وتريد تدمير المصالح الأمريكية, وفي الوقت ذاته كان الاتحاد السوفيتي يدعم الأنظمة العسكرية التي وصلت عن طريق الانقلابات في العالم العربي باعتبارها أنظمة تقدمية, وهكذا أصبح النظام السياسي العربي القائم في النصف الثاني من القرن العشرين كونه جزءاً من حالة الصراع الدولي.
وفي بداية تسعينات القرن العشرين بدأ بانهيار النظام العالمي الجديد حيث بدأ انهيار العالم الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي وقيام نظام عالمي يعتمد على القطب الواحد واستخدام سياسة العصا الغليظة لكل من يحاول الخروج على السياسة الأمريكية أما عن طريق الحصار الاقتصادي أو استخدام القوة العسكرية بغطاء دولي أو بدون غطاء. ثم انفردت الولايات المتحدة بتسوية النزاع العربي- الإسرائيلي- تلك التسوية التي لم تتم حتى الآن- لإثبات حسن نية الولايات المتحدة تجاه العرب, ونتج عن هذه السياسة ما يعرف باتفاقيات اوسلو التي أدت إلى انهيار الوحدة الفلسطينية وكبلت بعض عناصر المقاومة الفلسطينية في اتفاقات دولية لصالح إسرائيل.وفي الواقع العملي تبنت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة ضرب العرب والمسلمين بشكل عام, فشنت الحملات الإعلامية والعسكرية ضد ليبيا والسودان والعراق وسوريا وكلها كانت تدور ضمن منظومة الدول العربية التي ترتبط في علاقات خاصة مع الاتحاد السوفيتي السابق, كما شنت حرب إعلامية على إيران وأفغانستان زمن حكم طالبان, على الرغم من إن حركة طالبان كانت تتبناها الحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979, وتحصل على دعم مالي وبشري من الدول العربية الإسلامية المتحالفة مع الولايات المتحدة مثل السعودية والإمارات وباكستان وغيرها غير إن العد العكسي لأيام العسل بدأت تتناقص بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وأصبحت طالبان الصديق العتيد عدواً.
وفي بداية القرن الحادي والعشرين وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 اتخذت السياسة الأمريكية اتجاهين الأول: محاربة الأحزاب والحركات الإسلامية على حد وصفها مثل حركة طالبان وحزب الله في لبنان على الرغم من انه يحارب من اجل تحرير ارض لبنان من الاحتلال العسكري الإسرائيلي ومن يحارب إسرائيل يحارب الولايات المتحدة, وأصبح" الإرهاب" ذريعتها لكل من تريد ضربه أي كل من يخالف السياسة الأمريكية وما ينطبق على حزب الله ينطبق على إيران وسوريا والسودان وليبيا والعراق باعتبارها راعية الإرهاب, ورغم اعتقادنا إن هذه الطروحات فيها شيء من الصحة فيما يخص سوريا والعراق, إلا إن تعميمها لمن يخالف السياسة الأمريكية أمر مرفوض. والاتجاه الثاني في السياسة الأمريكية هو دعم الحركات المناوئة لأنظمة هذه الدول ومنها الحركات الإسلامية كما هو الحال في العراق, حيث يعتقد الساسة الأمريكيون بان الدولة العراقية في طريقها إلى الزوال, وبدأت الحركات الإسلامية تنشط داخل العراق لإسقاط النظام سواء على الساحة السياسية الداخلية والخارجية, أو عن طريق إيجاد تنظيمات مسلحة مدعومة خارجياً للقضاء على نظام صدام حسين. فلجأت إلى الضربة الاستباقية, وقامت باحتلال العراق ووضع الحركات الإسلامية أمام الأمر الواقع وعدم السماح لأية قوة أن تسيطر على العراق ذو الاحتياط النفطي الاستراتيجي بالنسبة للعالم, وتتملص إلى القول بان ذلك ضمن سياسة الاحتواء الأمريكي للحركات الإسلامية. كما استخدمت الولايات المتحدة السلاح الاقتصادي لاحتواء الحركات الإسلامية في فلسطين التي تأخذ على عاتقها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من اجل أن تروض حكومة حماس الإسلامية وبالتالي التعامل مع وجود إسرائيل وسياستها القائمة على الاحتلال كأمر واقع. غير إن الذي لا يريد أن يفهمه الأمريكيون إن هذه السياسة عامل قوة تناغم مشاعر الجماهير التي أصابها اليأس والقنوط من طروحات العلمانيين والقوميين والعسكريين الذين وصلوا إلى سلم السلطة.
الدكتور علي عظم محمد
https://telegram.me/buratha