سعد منصور
تتناقل الاوساط السياسية حكاية جديدة ملخصها ان الولايات المتحدة ومجلس الامن اصبحوا يتداولون بجدية تشكيل حكومة الانقاذ العراقية من اجل تلافي الازمة السياسية القائمة التي قد تجر البلاد الى انهيارات جديدة ، الكتل السياسية المتقاربة في نتائجها عجزت كما هو متوقع عن تشكيل الحكومة ، وكانت مبادرة تأليف التحالف الوطني النيابي محاولة لايجاد الكتلة الاكبر التي يمكن ان تشكل الحكومة بهدوء واغلبية جيدة مع عدم نكران حق القائمة العراقية وضرورة التنسيق معها ، الا ان التحالف الوطني ولد مشلولا بسبب اختلاف جذري في نوايا الطرفين اللذين شكلاه فدولة القانون تريد هذا التحالف زورقا يركبه المالكي للوصول الى ولاية ثانية فحسب ، بينما يريده الائتلاف الوطني وسيلة للخروج بمرشح غير المالكي ، وبسبب هذا التضارب اصبح التحالف غير ذي فائدة وعندما اعلن الائتلاف الوطني رفضه تولي المالكي دورة ثانية رسميا كان يفترض على الرجل ان ينسحب ويترك المجال لكتلته كي تقدم المرشح البديل او تعلن عجزها او أي اجراء آخر ، لكن الرفض والتعطيل استمر بانتظار المجهول ويقال ان المالكي احكم حلقات الضغط على رموز ائتلافه فهو اعد لكل شخصية منهم ملفا يذكر فيه مخالفاته واسراره وتجاوزاته بكل انواعها موثقة في فترة توليه لعمله واذا لمس من أي منهم موقفا مناوئا او متراخيا في نصرته او تغير هواه باتجاه آخر لوح بالملف الذي يمكن ان يفتح على صاحبه بلاء تطول مدته مابين هيئة النزاهة والقضاء والاعلام الفضائحي ، ولا يمكن لأحد ان يتبرع بدفع ثمن الأزمة التي يعيشها العراق ، فالشعب وحده هو صاحب المصيبة ، يعتقد المعاندون بأنهم سيمكثون مرتاحين في ظل حكومة تصريف الاعمال لم ينقص من امتيازهم شيء ، فالتاخير لصالحهم كما يتصورون ، فقد يتعب جميع الخصوم ليركعوا لهم في النهاية فينتصرون لينتقلوا من حكومة الى حكومة ومن امتياز الى امتياز ، وحين تنجح عملية المماطلة ستكون لعبة مفضلة فاذا انتهت السنوات الاربع الثانية الاضطرارية ولم يعد مسموحا لهم دستوريا بتكرار اللعبة في اربع سنوات أخرى فسوف يختلقون أزمة تجدد لهم الولاية وان ادى ذلك الى نسف الدستور والعملية السياسية ، لكن هذه الآمال الخطيرة قاطعتها بجدية الاخبار الجديدة حول حكومة الانقاذ الاممية المرتقبة التي تم اخراج ملفها المترب من خزانة الاوراق لتوضع على طاولة الرئيس اوباما ، يعاني الرئيس الامريكي الجديد من حساسية موقفه ، فهو الرئيس الزنجي الاول في تاريخ امريكا ويريد ان ينجح ولا بديل للنجاح لا يريد ان يقال ان هذا الاسود قد اضاع امجاد البيض وما بنوه لامريكا ، أو يقال ان مابناه الابيض بوش في العراق يحطمه الاسود اوباما ، صحيح ان الرجل يتصدى الآن الى مهمة اخراج قدمي واشنطن من المستنقعين العراقي والافغاني واعادة غسلهما ومعالجة أزمة البلدين باسلوب آخر في اطار محاربة الارهاب ، الا ان أي انتكاسة في العملية السياسية في العراق ستعطي مبررا للتيار الامريكي المناوئ لترؤس السود على البلاد دفعة جديدة تعزز قناعاتهم وتنعش دعوتهم ، لذا فالتهدئة مطلوبة والحفاظ على النجاح في رأي اوباما اصبح متوقفا على تاليف حكومة انقاذ في العراق وعدم اضاعة جهود سلفه بوش ودماء اكثر من خمسة آلاف امريكي مع عدة ترليونات دولار ، وحكومة الانقاذ عادة تتولى السلطة بالتعيين المباشر وليس الانتخاب والولايات المتحدة طبق لائحة واجبات الدولة المحتلة ومقررات البند السابع مخولة بتشكيل هذه الحكومة اذا لمست لذلك ضرورة ، على اساس اجراءات مركزية والمشروع برمته يعد خطيرا للغاية لان حكومة الانقاذ تتشكل في وقت يتم وقف العمل بالدستور وحل البرلمان واعتبار نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة ملغاة ، وتكون الحكومة ذات طابع عسكري مفرط ومركزية ولديها لائحة من الصلاحيات تصل الى حد استخدام الاحكام العرفية والعمل بمقتضيات حكومة الطوارئ ، ولا شك ان الولايات المتحدة مستعدة لتشكيل هذه الحكومة وستجدها فرصة لاستبدال القوى التي تسببت في هذه المشكلة ، وهذا يعني تغير جذري في شكل التوازن السياسي في البلاد فقد تستبعد قوى مهمة من مؤسسة الحكم وتطرد من المؤسسة السياسية ولن تجد مواطنا واحدا يطالب باعادتها ، ستكون حكومة الانقاذ ردا امريكيا على سلوك التفرد والعناد والتعطيل بسبب مصالح ذاتية ضيقة جدا ، ستشكل حكومة الانقاذ تحولا كارثيا في نظام الحكم ستضع نهاية للنظام الديمقراطي التعددي الانتخابي الدستوري ، ونهاية لحلم حكومة المؤسسات ونهج التداول السلمي للسلطة ، سيكون موقفنا كموقف راع متخلف اهداه الملك ثوب حرير فلوثه باللبن فاضطر الملك الى تاديبه فأخذ منه الثوب واعاد اليه سترة الصوف الخشنة ، الامريكيون البسوا نخبة هذا الشعب ثوب الديمقراطية والآن سينزعونه ويعيدون اليهم سترة الاستبداد القديم ، يترتب على المالكي وحزبه وائتلافه الاوسع ان يعترفوا ولو مع النفس بان اصرارهم على مواقفهم هو الذي تسبب في ظهور مشروع حكومة الانقاذ التي هي انقلاب هادئ على النظام الديمقراطي ، عليهم ان يتجردوا لحظة من كل شأن ذاتي ويروا ان كانوا قادرين على تقديم تنازل تأريخي بتغيير مرشحهم واحياء التحالف الوطني ، والعمل من خلاله كآلية محتملة لتشكيل الحكومة وانهاء المازق الخطير .
https://telegram.me/buratha
