حسن الهاشمي
هل فعلاًً أخذت الكفاءات حقها في هذا الوطن بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم؟ هل تقمص المهني ثوبه الإداري والفكري والثقافي في مراكزنا التوعوية؟! هل إن دوائرنا ووزاراتنا تستوعب الكفوء النزيه أم إنها وكرا للمتملق الانتهازي من أنصاف المثقفين أو المتطفلين عليها؟! وخلاصة القول هل حقاً وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟!سوء الخدمات والروتين الإداري والفساد المالي هذه الأمور وغيرها من منغصات الحياة نجدها في أسواقنا وبيوتنا وشوارعنا ودوائرنا في كل يوم بل في كل لحظة، وغالبا ما نعلق على شماعة عدم وجود الكفاءات كل المبررات التي تسوق هذا الإنسان الفاشل لهذه الوظيفة، بينما الغالبية تعرف أن هناك أبعاداً أخرى وأهداف استثنت الكفوء دون غيره، إما لأنه يمثل نمط فكري معين، أو اتجاه أو طائفة أو لمعادلة سياسيّة ذات مصالح بعيدة أو ولاء للمسؤول أو قرابة له أو أنه دفع مبالغ طائلة للوصول إلى ذلك الكرسي اللعين، وذلك أضعف الإيمان!! فالوضع لم يكن مصادفة أو عبث إنما كان له ترتيب مسبق، ومن الإنصاف أن تعترف الأقلام الحرة وتكتب بمصداقية وقناعات حقيقية من أن هناك توجهات أخرى تستبطنها الضمائر هي التي تعمل على تسويق هذه الفكرة على حساب الكفاءة، مبادئ مغيبة عن الواقع يظل البعض يتجاهلها عن قصد لغاية في نفسه ولقناعات ذاتية فيه.عندما نبعد المهنية في كل أمورنا فإن العراق لا محالة يتأخر سواء عاش في زمن الديكتاتورية أو الديمقراطية، في الأزمنة السابقة كنا نرى إن من ضمن من يقبع في السجون أصحاب شهادات عليا ومهنية وعلماء في اختصاصات متعددة، لان النظام السابق كان عنده عداء واضح ضد العلم والعلماء والبلد والمواطن، إذ كان يتبع سياسة التجهيل، أما الآن البلد بحاجة أن نمد أيدينا للكفاءات وان نفسح المجال لها بان تأخذ محلها الطبيعي، فالكفاءة إذا أريد لها أن تبني البلد لابد أن ندعمها ونقويها ولابد أن نوفر لها شروط النجاح .. فهل الفرص متساوية أمام الجميع؟ نظرة فاحصة واستقراء للواقع في مختلف قطاعات الأعمال والوزارات ستجد الفوضى ببعض صورها، الإحباط، الفساد، الظلم، والغبن الواقع على البعض، تغلغل الطائفية، المحسوبية، الواسطة، الحزبية، العشائرية، ضعف القضاء وهيئات النزاهة والرقابة... عوامل هدم تزداد قوة وانتشاراً في المجتمع وتفتك في أوصاله كداء عضال، فليعيد المتغنين بالكفاءة والنزاهة حساباتهم وسيجدون أنها حلم لم يتحقق بعد وأن بعضهم أول المنتفعين بغيابها! ونبقى على هكذا حال ما دام وضعنا يراوح مكانه ومادام المواطن يحمل هموم الدنيا عندما يحتم عليه الدهر الخئون أن يراجع إحدى الدوائر، فإنه يعاني لا محالة ضربة شمس أو لسعة برد خلف الشبابيك المغلقة، يجر أذيال الخيبة والهزيمة بعد أن تكون أعصابه ووقته وصحته عرضة للفتك أو تكاد أن تخرج روحه قبل أن تخرج معاملته من رفوف دوائرنا اللعينة. ويبقى الكلام عن الكفاءات والقدرات العراقية الموجودة في الداخل والخارج وضرورة الإستفادة منها بالطرق المثلى، فإن البناء ينهض به أهل البلد فهم احرص على البلد من غيره، ومسألة الكفاءة والقدرة والطاقة العراقية التي ملأت الدنيا ! لماذا ومع وجود كل هذه الطاقات في البلد ونحن لا نستفيد منها ونحن نعيش الفقر والفاقة والإرهاب وانعدام الخدمات، يحصل كل هذا ونحن في بلد ديمقراطي وبلد غني؟! والأدهى من ذلك إن بعض الكيانات تستجدي حل المشاكل من دول ديكتاتورية؟!جلب الكفاءات العراقية التي هاجرت خارج البلد، هذه قضية مهمة وهناك عمل على مستوى وزارات بهذا الخصوص، ولدينا بعض العوائق التي تحول دون رجوع الكفاءات التخصصية والعلمية، فعلى سبيل المثال في بريطانيا لدينا عدد كبير من المهندسين العراقين مرتبطين بجمعية (الكندي) ولدينا ما لا يقل عن خمسة الاف طبيب عراقي في نفس الدولة، هؤلاء من الممكن ان نلتقي بهم ونبحث الأسباب التي تحول دون رجوعهم، وعلى الحكومة أن تقوم بإعداد منهج متكامل لإعادتهم أو الاستفادة من خبراتهم على الأقل.بعض البلدان عندهم كفاءات قليلة لكن حسن تدبيرهم وطريقة إدارتهم لهذه الكفاءات جعلتهم في مصاف الدول المتقدمة، بينما نحن في العراق عندنا كفاءات ذات مستويات رفيعة ولكن المشكلة إلى الآن تكمن في أننا لا نعرف كيف ندير هذه الكفاءات! فالعراق الآن يحتاج إلى بناء واسع وكبير وأنا لا أتحدث عن مفاصل فيها مشاكل لكن هذا واقعا كلام يدمي القلب، فكثير من أموالنا تهدر بسبب عدم المهنية والكفاءة، لماذا إذن أصر بمجيء رجل قاصر واجعله في موقع مهم جداً؟!على المسؤولين جميعا أن ينهضوا لبناء البلد بالعقول الموجودة في داخل العراق وخارجه بما تحمل من كفاءة وليس بما تحمل من ولاء وإن كان الولاء الوطني مطلوبا، شريطة أن تفتح لها الأبواب من اجل الخدمة ولها القدرة على ذلك، وعلى المسؤولين أن يحسنوا كيف يديروا الطاقات والكفاءات حتى ننهض بالبلد خير نهضة، من خلال إيجاد فرص عمل مناسبة واستيعابهم عن طريق الرواتب والإمتيازات بقدر ما يتقاضونه ويحصلون عليه في الخارج.فلو أجرينا إحصائية في كل دول الشرق سنجد إن العراق يملك اكبر عدد من حاملي الشهادات العالية والتي جاءت بجدارة ومنهم من هو على مستوى عال جدا في الدول التي يقطنون فيها وهو يكرس كل خدماته لهذه الدول التي منحته الإقامة والجواز أو الدول التي لجأ إليها مرغما، وأكثر الذين يعيشون في الخارج متحمسون لخدمة بلدهم سواء إن رجعوا إلى الداخل أو من الخارج كل في موقعه، والواجب علينا الوقوف عند الرؤى والطموحات العراقية المختلفة من اجل المساهمة ببناء عراق جديد على أساس ديمقراطي حر.
https://telegram.me/buratha
