عبد الجليل مهنا
اعتادت المجلات الفكاهية أو التي تهتم بالكاريكاتير السياسي أو حتى المجلات العادية في العراق والعالم العربي على وضع صورة واحدة توازيها أو تقابلها صورة مشابهة للصورة الأولى وتضع ثمانية أخطاء في الصورة الثانية وتدعو القراء ومتابعي الكاريكاتير اكتشاف ثمان أخطاء تضعها دائما في الصورة الثانية!.أنا ككاتب عراقي وكمواطن أحرص على متابعة المقابلات السياسية لكبار قادة البلد والوزراء والمسؤولين والنواب وأعضاء مجالس المحافظات والشعراء والأدباء وزعماء النقابات العمالية والخدمية وأحاول أن أدقق قدر ما أستطيع بالاخطاء إن وجدت في لغة المتحدثين لاسيما إذا كانت تلك اللغة الواحدة تتحدث عن أكثر من أزمة أو قضية في البلد.. على هذا الأساس شاهد العراقيون خلال الأيام السبعة الأخيرة مقابلتين أعتبرهما على حد متابعاتي مثيرتين للجدل بين رئيس الوزراء نوري المالكي الذي ظهر في العراقية وباقر جبر الزبيدي وزير المالية الذي ظهر في الحرة عراق.أنا هنا حاولت قدر ما أستطيع أن أكون محايداً غاية الحياد رغم عدم وجود مصطلح الحياد في الثقافة العراقية وفي السياسة العراقية أيضا وحتى في صناديق الاقتراع وحتى في جوهر مصطلح الديمقراطية وحاولت أيضا أن أكون إيجابيا في رؤية نقدية إزاء المقابلتين اللتين استمعت إليهما بأناة وصبر كبيرين رغم أن العراقي هذه الايام يفتقد إلى الأناة والصبر بسبب مجمل التحديات الأمنية والاجتماعية والكهربائية والمائية والاقتصادية التي يتعرض لها وأردت فعلا في هاتين المقابلتين أن أظهر قدرا كبيرا من الانحياز لصالح الحقيقة التي ضيعها السياسيون العراقيون في غمرة السجالات السياسية وفي حمأة الكلام القديم الجديد والمستهلك عن تشكيل الحكومة العراقية أو ما يسميه السياسيون العراقيون هذه الأيام بحكومة الشراكة الوطنية مع أنني كمواطن عراقي لا أفهم كيف سيقيم السياسيون الذين يتعاركون منذ خمسة أشهر على منصب رئاسة الوزراء هذه الحكومة وتلك الشراكة.على كل حال أود الآن أن أكون حياديا لا باللجوء إلى مناهج التقييم السياسي والفني حيث يضع المنهج أدواته ومقاييسه لقراءة هذه الظاهرة أو تلك بتطبيق المعايير الموضوعة في إطار منهج معين بل باللجوء إلى عالم اللوحات الفنية ورسوم الكاريكاتير فأضع لقاء رئيس الوزراء في قناة العراقية كلوحة أولى كاريكاتيرية وأضع لقاء وزير المالية العراقي باقر الزبيدي في الجهة المقابلة وأدعوا نفسي مثلما أدعوا غيري من المتابعين المستقلين والسياسيين الإسلاميين والليبراليين العمال والفلاحين النواب وقادة الأحزاب السياسية إلى تبين الأخطاء الثمانية بين اللوحتين المالكية والزبيدية!.قبل أن أرسل المقال هذا كتبت هذه المقالة على الورق ووضعت النقاط الثمانية التي توصلت إليها على الورق أيضا وأدعوا البقية من إخواني الكتاب إلى اكتشاف أخطاء ثمانية أخرى للوحتين المذكورتين لأن اكتشافاتي مهما بلغت في العمق والتقاط المسائل المشتركة والحادة والمفقودة في اللقاءين ستبقى نسبية بالقياس إلى نسبة ما سيكتشفه الكتاب الآخرون من سلة أخطاء!.ما استطعت الوقوف عنده ثمانية أخطاء هي التالي:
أولاـ كان رئيس الوزراء متوترا حاد المزاج وكان الزبيدي هادئا ومبتسما.
ثانياـ كان الزبيدي يتحدث عن قضية مالية محددة هي التي أثارها في مجمل أحاديثه المالية ودعا وسائل الإعلام إلى تتبعها عبر موقع وزارة المالية الإلكتروني للفترة ما بين 2006 - 2010 والقضية هي التنفيذ الفعلي أي أن الوزير كان يتحدث عن نسب تنفيذ الوزارات المتدنية بالقياس إلى حجم الأموال المخصصة لهذه الوزارات بينما كان رئيس الوزراء يتحدث في واد آخر حيث كان يظهر تعجبا واضحا واندهاشا من نسبة الأموال التي صرفت خلال السنوات الأربعة الماضية وهي 280 مليار دولار بينما خرج وزير المالية وقال أنا أدعوا جميع فضائيات العالم وتصوير ما سأقوله وبالأرقام والمعلومات والمستندات والكشوفات المالية للوزارة.
ثالثاــ كان وزير المالية مؤدبا وهو يتحدث عن رئيس الوزراء إذ كلما ورد ذكره كان يقول السيد رئيس الوزراء بينما لم تكن اللغة التي تحدث بها رئيس الوزراء عن وزير المالية لائقة فكان يقول وزير المالية من دون أن يقدم أية صفة ليست شخصية وإنما هي رسمية مثل معالي الوزير أو السيد وزير المالية مع أن المهندس باقر جبر الزبيدي وزير مالية العراق شخصية مرموقة ومن عائلة معروفة في الأوساط البغدادية فضلا عن كونه أحد الشخصيات السياسية العراقية التي لعبت دورا مهما في فضح جرائم النظام السابق وتمثيل المجلس الأعلى خلال أكثر من خمسة وعشرين عاما من عمر الصراع بين المعارضة الوطنية والنظام الديكتاتوري في العراق.
رابعاــ رئيس الوزراء لم يوفر انتقاداته على أحد فقد هاجم العلماء والمرجعية الدينية التي لم تقف كما قال مع الجهد الميداني للقوات المسلحة العراقية وهي تطارد المجموعات المسلحة وخلايا القاعدة وتقتل أبو أيوب المصري وأبو عمر البغدادي وكأنه يملي وصاياه وإرشاداته على المرجعية الدينية والعلماء بالشكل الذي يجعله هو المرجع والعلماء مجموعة من الأتباع الطائعين أو وزراء من الدرجة الثانية في مجلس وزراء نوري المالكي وفات السيد جواد المالكي أن العالم عالم لا يُسأل عن موقف من قبل رجل يشتغل في السياسة لأنه يعرف تكليفة الشرعي والوطني والإسلامي ولا موجب أو مبرر لمن يعرفه بشروط هذا التكليف وحدوده مع أن المرجعية الدينية في العراق هي مرجعية متصدية ومساهمة بحرية العراقيين وإرساء العدالة ومدافعة عن حقوقهم المدنية والسياسية وحقهم في الحياة بينما ورد ذكر العلماء والمرجعيات الدينية بشكل حسن على لسان المهندس الزبيدي الذي عاصر منذ نعومة أظفاره قيم المرجعية الدينية وعاشها ودافع عنها وهو في سن السابعة عشرة من عمره حيث وقف أيام حكومة عارف والحرس الوطني وضباطه ومجرميه ليلقي خطاب الترحيب بالإمام السيد محسن الحكيم في الكاظمية وكان هذا الوزير منسجما مع نفسه طيلة السنوات المديدة وسنوات ما بعد سقوط النظام وهو يعمل في وزارات ثلاث ويؤدي وظيفة سياسية واجتماعية وأمنية كبيرة في الإسكان والداخلية والمالية وحظي ويحظى بحب المرجعية الدينية وتقديرها وليس غريبا أن يهمس الإمام السيستاني وهو يقرأ واقع الوزارات العراقية ووزرائها من أنه يحب ويقدر باقر الزبيدي.
خامساــ انتقد المالكي الشارع العراقي وعيّره بالأمن كما عيّر صدام حسين العراقيين من أنهم كانوا يتحسرون على التمر والطماطة ولا يعرفون لبس النعال حيث عيّر المالكي العراقيين من أنهم بدأوا يمشون (على طولهم) لأنه فتح لهم الطرق الخارجية وأمن لهم الأسواق.. ما ذكره المالكي هو واجبه وواجب الدولة ومسؤولية صاحب المسؤولية الأولى في البلد بينما أكد الزبيدي أن العراقيين بحاجة إلى رجل غير سياسي كرئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد أي شخصية من طراز فريد قادر على معالجة مجمل التحديات التي ينوء بها المجتمع العراقي كالسكن والبطالة والفقر والإرهاب والأمن والكهرباء!.
سادساــ تحدث المالكي عن قوته وضعف الآخرين وأنه الرئيس الذي تمكن من بسط الأمن في ما كان الإرهاب يدك منازل ومحلات المواطنين الآمنين بقوة في الرمادي والكوت والبصرة ويذبح الشرطة العراقية ويركز علم دولة العراق الإسلامية في شوارع المنصور والأعظمية فأين هو الأمن؟.الزبيدي أكد أن حكومة الشراكة الوطنية تعني مشاركة كل القوى الوطنية الفائزة بالانتخابات ونحن بحاجة لكل الأيدي الخيرة ولا ينبغي استبعاد أحد من المشاركة في هذه الحكومة لأننا في مواجهة عدو لا يرحم وقوى أجنبية لا تريد الخير للشعب العراقي.
سابعاــ المالكي يعتقد أن وجود (89) مقعدا في البرلمان العراقي يعني وجوده على رأس الوزارة العراقية ونسي وجود (236) نائباً في البرلمان العراقي ومن مختلف مكونات المجتمع العراقي لا يحبذون وجوده على رأس الوزارة العراقية بينما تحدث الزبيدي عن واقع الخريطة الوطنية وأن العراق بحاجة إلى رئيس وزراء مقبول أو يحظى بمقبولية واقعية في الخارطة الوطنية.. إن المالكي ينظر بسلبية لمصطلح الخارطة الوطنية وإذا كان كذلك فإن حكومة شراكة يشكلها المالكي بموجب هذه الرؤية الطاردة لبقية المكونات والشركاء ستبدو مستحيلة الوقوع.
ثامناــ بدا المالكي متجهماً وبدا الزبيدي مرتاحاً وما بين التجهم والارتياح يكمن الفرق بين المالكي والزبيدي بين حكومة الخدمة الوطنية وحكومة المواطن والهوية الوطنية والحرص والإخلاص على وجود دولة قوية لن تؤثر فيها التدخلات الإقليمية والدولية من أي جهة أتت وبين دولة مرفوع على رأسها القانون وهي نهب للمستشارين وقادة العقود من خبازي الأمس.. من الذين كانوا يتمسحون بعتبة عدي ونعال السلطان.
https://telegram.me/buratha
