سعد منصور
عندما حدث التغيير الكبير في العراق واصبح ضحايا الامس هم اؤلو الامر توقع المعنيون بالشأن الثقافي والتعليمي أن تحظى مشكلة المناهج التعليمية باهتمام خاص لدى الحكومة في دورتها الماضية ، وتحتل الاولوية في تخطيطها الاستراتيجي ، وكانت تلك التوقعات منسجمة مع حجم المشكلة وابعادها العقيدية والثقافية وعلاقتها بالهوية الوطنية والدينية لاغلبية العراقيين ، والمعروف ان من اكبر مصاديق القمع الثقافي والاضطهاد ومصادرة الهوية هو ما كان يجري في مجال التعليم في العراق حيث اجبرت الاغلبية السكانية على دراسة التأريخ الاسلامي والوطني من وجهة نظر الاقلية وفرضت الاجندة الثقافية لتلك الاقلية على المدارس من الابتدائية الى الجامعة ، فاصبح الطالب الشيعي يتعلم الوضوء والصلاة وفروع الدين واصوله على اساس رؤية سنية يحترمها ولا يؤمن بها خاصة وان المذهبية سائدة في فهم الدين ، وفي كل الاديان السماوية ظهرت المذاهب بسبب اجتهادات العلماء ورؤاهم ، فالمذاهب ظاهرة طبيعية وفي الحديث ان الاسلام ينقسم الى ثلاث وسبعين فرقة والحديث شائع لدى الطائفتين وهذا يعني ان المطلوب التعايش والاعتراف المتبادل والاحترام بين هذه الفرق والا فالبديل هو الاقتتال والتناحر . ولكن مافعلته الانظمة الطائفية في العراق هو حجب عقيدة الاغلبية في التعليم الرسمي بدون أي مبرر ، وجعلها مقرونة بالقمع السياسي والذي حدث ان طائفة كبيرة بدأت تواجه انفصاما وتناقضا بين منهج المؤسسة الدينية أي الحوزة العلمية وبين منهج التعليم الرسمي ، فالطالب الشيعي يتعلم من مدرسته شيئا ويتعلم من المسجد والعلماء والاسرة شيئا آخر يخالفه ، وشمل التناقض التربوي والتعليمي مجال العقائد اصولا وفروعا والتاريخ والاخلاق وما يترتب على هذه العلوم الاساسية من رؤية كونية و مزاج وموقف اجتماعي وسياسي ، الطالب الشيعي يلعن معاوية في المجلس الحسيني ويترحم عليه في قاعة الدرس ، ويصلي مسبلا في البيت ومكتفا في المدرسة ، ويمسح رجليه في وضوء البيت ويغسلهما في وضوء المدرسة ، وغير ذلك كثير ، وهكذا يجبر الطالب على تمجيد اعداءه واعداء عقيدته ، لذا يمكن ان يسهم هذا الانفصام في ظواهر نفسية وثقافية خطيرة ، تهدد الاسرة والمجتمع كما تعتبر في كل المقاييس حالة قمع ثقافي ، وعندما تطلب الاغلبية السكانية تدريس التأريخ الذي تؤمن به والعقائد والعبادات من وجهة نظرها فهو ليس طلبا غريبا ولا مفتقرا للشرعية بل هو تنفيذ لما اقره الدستور في اطار حقوق الانسان . لذا ومنذ سقوط نظام صدام ظهرت في اوساط التعليم قضية تغيير المناهج ، وكان الخبراء بالشأن التعليمي يدرجون مشاكل هذا القطاع ويضعون في الاولوية تغيير المناهج وهو اهم في نظرهم من بناء المدارس أو تخريج المعلمين والمدرسين فما فائدة بناية المدرسة وما فائدة وجود حشد من المدرسين والمدرسات اذا كانت المناهج غير صحيحة وغير عادلة بل ان وجودها يمثل ضررا لا نفعا والاكثر من ذلك يجب حماية الطالب وعقله وعقيدته من خطر المنهج المدرسي وما يشكله من تحد للطالب ومكونات شخصيته المذهبية ، كانت وزارة التربية هي المنقذ المنتظر صحيح ان قضية تغيير المناهج تتطلب تدخلا من مجلس الوزراء ومجلس النواب لكي تنجز الا ان المتصدي للمشروع في كل الاحوال هو وزارة التربية ، فالوزارة لديها دوائر مختصة للمناهج واعادة تدوينها ، ولديها صلاحية تحريك المشروع في اعلى المراجع الادارية والتشريعية ، وكانت السنوات الماضية بكل المعايير كافية لاحداث ثورة في المناهج وقد اعلن كبار المثقفين واساتذة الجامعات والحوزة العلمية عن استعدادهم للاسهام في هذا المشروع منذ سنة 2004 الا ان وزارة التربية خلال السنوات الاربع الماضية لم تقدم خطوة يعتد بها في هذا الاتجاه وجرى تمييع المشروع وتأجيله ، كل الذي فعلته وزارة التربية انها جاءت متحمسة لاملاء المدارس ودوائر التعليم باتباع حزب الدعوة الحاكم ، ولم تبذل جهدا في البحث عن كوادر متقدمة لادارة دوائر الوزارة والدليل الاكبر على الفشل الذي راح يتندر به الكثير ان الوزارة همشت وأهملت خبراء تربويين متخصصين جانبا وقامت بتعيين اشخاص فاشلين على اساس المحسوبية والصداقة ليديروا دوائر في منتهى الاهمية داخل الوزارة ، والمشكلة ان بعض هؤلاء يحملون شهادات مزورة وقد كشف امر بعضهم لدى هيئة النزاهة فهربوا وصدرت عليهم احكام تقضي باعادة ما تقاضوه من رواتب ، ولو شئنا لذكرنا اسماء ممن هربوا وأسماء ممن همشوا ، انه الفساد السياسي الذي يلقي بثقله في قطاع التعليم وقد تحول الى مجموعات حزبية لاتعرف سوى جمع المال والسيارات والعقارات وتضخيم الحمايات وسرقة الاموال عبر عقود بناء وترميم المدارس ، الواقع الحالي للتعليم في العراق يؤكد فشل الوزارة والوزير ، والتهاون واهمال الملفات الساخنة في هذا القطاع الخطير . ان انقاذ التعليم في العراق يجب ان يسبقه انقاذ هذه الوزارة من هيمنة الجهلة واصحاب الشهادات المزورة ومن لايشعرون بالمسؤولية تجاه شعبهم وامتهم .
https://telegram.me/buratha
