المقالات

أسرار خدعة التفوق والاجتثاث المعكوس


سعد منصور

المقابلة التلفزيونية الاخيرة التي تحدث فيها الأمين العام لحزب الدعوة الاسلامية ورئيس ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة والمرشح الوحيد لمنصب رئيس الوزراء لدورة ثانية السيد نوري المالكي أثارت كثيرا من التعليقات في الاوساط الشعبية والحزبية على حد سواء لما اشتملت عليه من تناقضات وافكار مخالفة للواقع ، أغلب أقوال السيد المالكي هي من النوع الذي يشجع السامع على اتخاذ موقف مناقض وتفتح شهيته على الجدل وحرق الاعصاب والاحتجاج وكسر الاستكانات التي امامه أو رجم التلفاز بأي شيء يقع تحت اليد ، أحدى المغالطات العجيبة التي تمسك بها المالكي في هذا الحديث وفي غيره من الاحاديث استخدام طريقة غير عادلة في المقارنة بين حجمه الانتخابي وحجم الآخرين فحين يشير الى حجمه يذكر ائتلاف دولة القانون كله ، ولكنه يذكر في المقابل المجلس الاعلى لوحده وكأنه يتيم او مقطوع من شجرة ، وليس المالكي وحده من يتبع هذا الاسلوب فجماعة الطوق الدعائي الملتفة حوله كلها تكيل بهذا المكيال المثقوب ، ويعجب جماعة الطوق الدائرين في مداره ان يذكروا المجلس الأعلى ومعه رقم ثمانية الذي يرددونه في اليقضة والحلم ليقولوا انه عدد مقاعد المجلس الاعلى في البرلمان الجديد وكأنه عار ، هذه الطريقة مكشوفة في مغالطتها فلماذا تؤخذ الدعوة ضمن قائمتها ويؤخذ المجلس لوحده عند المقارنة ؟ ولو أن احدا من الائتلاف الوطني فعل الشيء نفسه في استخدام هذه المغالطة بشكل معكوس لأقاموا الدنيا وأقعدوها اعتراضا واحتجاجا على هذا الظلم ، وقد تحولت قضية الحجم الانتخابي والحجم الحزبي والحجم الحكومي الى هاجس يهيمن على ذهن وذاكرة رئيس الوزراء والمحيطين به ، كان هاجس الحجم وما يتعلق به من تضخيم وايهام هو الذي أوحى الى حزب الدعوة بتصورات الحجم الاستثنائي الذي لا يحتاج معه اصحابه الى البقاء ضمن قائمة انتخابية واحدة مع اشقاء الامس المجلس وبدر والتيار الصدري والفضيلة والاصلاح والمؤتمر ، هاجس الحجم هو الذي جعل المالكيين الجدد يشطرون الكيان الواحد الى فريقين ، نجح الوسواس الخناس السياسي في اقناعهم وحزبهم بأن يبتعدوا عن الآخرين ولم يكن اؤلئك مجرد مستشارين بل يمكن تسميتهم بالموسوسين ، وما يقومون به ليس استشارة بل وسوسة وما ينتجونه ليس قرارا بل حفنة اهواء وظنيات متهافتة ، بدأ هاجس التفوق الحجمي ووساوسه لديهم يتحول الى وهم راسخ يغذيه خليط من الجهل والغرور وضعف الخبرة في العمل السياسي ، كانت قيادة الدعوة قد تصورت قبل الانتخابات ان بقاءها ضمن القوى التي شكلت الائتلاف العراقي الموحد سابقا ودخول الانتخابات بقائمة واحدة تجمع الشركاء الاوائل سيحول الدعوة الى مائدة ايتام ، عندما تحقق حصادا غنيا تضطر بعده الى توزيع ذلك الحصاد على حلفاءها ، اعتقدوا ان الدعوة محبوبة الملايين وحاصدة الاصوات ورجال المرحلة وقبلة الجماهير ، وسيكون حلفاؤهم عالة عليهم فهم المغمورون والعاجزون وشحاذو الاصوات والباحثون عن الغنائم الباردة ، ولكي لا تسرق اصواتها عليها ان ترشح لوحدها جامعة حولها اسماء ومجموعات رمزية صغيرة من كافة المكونات كمكياج وطني ، هكذا كان الوهم وغرور الحجم الذي لامبرر له يهيمن على ذهنية حزب المالكي ومحيطه الاعلامي والتنظيمي ، وبتحليل الظاهرة اتضح أن اجواء الاستدراج والتملق والمبالغة والاسترضاء هي التي صنعت ذلك التقييم غير المنطقي للواقع السياسي الذي يعيشه حزب الدعوة ورموزه ، بدأت المشكلة تطل منذ بدأت اروقة الحكومة ودوائرها الخاصة والامانة العامة ومكتب السيد المالكي يتسابقون على تجنيد وتوظيف واستخدام بقايا النظام السابق من ذوي الادوار السابقة الاعلامية والسياسية والتشريفاتية وحتى الشعراء والكتاب والمستشارين هذه الطبقة من المحترفين تمتلك قدرات هائلة على صناعة الحاكم الفرد واحاطته ، وهي الطبقة التي احاطت بصدام من قبل قتلقفت ادق طموحاته وراحت تنسج عليها وتوسعها بالاغواء والتسويل والتشجيع والتوريط والمدح وتصوير الشخصية بطريقة توهم الحاكم وتؤدي الى تنويمه مغناطيسيا وتستجيب لدوافعه وتمنياته الموغلة في اللاوعي ، حاشية السوء المتعددة الاختصاصات تخرج التعطش اللاواعي للهيمنة من اعماق الحاكم الفرد لتحوله الى مادة وعي وحس وقرار وممارسة ، فيستجيب هو ويمضي في تصوراته كحالة انفصام كاملة بين الواقع وبين الافتراضات الشائهة التي تملأ ذهن الضحية الأكبر بمساعدة الحاشية ، السيد رئيس الوزراء وقع في قبضة هؤلاء وهم ورثة مجموعة الشعوذة السياسية من مربع الزيتوني الذين جعلوا صدام يحارب ايران وفي ذروة الهزيمة يتكلم بلغة المنتصرين ، ويحتل الكويت ويرفض الخروج منها ويتم تدمير جيشه وبلده كله لكنه يضحك كالمخبول ويصدر بيانات المنتصرين ، هؤلاء الذين دخلوا تحت ابط صدام وجننوه اصبحوا يحيطون بالمالكي باسم المهنية والوطنية والمصالحة يحاولون ان يعجنوه بالطريقة التي خبزوا بها صدام ، فهم مابين مستشار وخبير قضائي وخبير اعلامي واكاديمي وحقوقي وكاتب وشاعر الى آخره من المسميات ، وليس بعيدا ان تكون لهذه المجموعة من المشعوذين خطوط اتصال مع اخوانهم المطلوبين المختفين في دمشق وعمان من كبار الموسوسين ، هؤلاء حالة غريبة بدلا من اجتثاثهم المزعوم اخذوا يجتثون المالكي الاسلامي ليخبزوه مجددا بصورة المالكي الحاكم المستعد ان يسلمها ترابا . بعد الانتخابات انكشف الحجم الحقيقي للمالكي وحزبه وكان يوم الفرز والعد قد شكل صدمة للرجل كصدمة صدام يوم عاصفة الصحراء ، عاصفة الصحراء ايقظت صدام من خدعة تضخيم الحجم واوهام القوة ، ويوم الفرز استيقظت الدعوة لتفقد اوهام الحجم الانتخابي الافتراضي وتبتلع الصدمة ، والاصرار على الحلم جعلهم يطالبون باعادة العد والفرز في محاولة لتقريب الواقع المر من الاحلام التسويلية الجميلة التي نسجها المخضرمون ، الا ان السيد المالكي لا يشفى من التنويم وايحاءات القوة والتفوق ، الامر الذي يؤكد ان طريقة الموسوسين في اعادة بناء الشخصية تعتمد فلسفة الاصرار ، لذا فان الرجل وبعد انكشاف الامر يصر على التمسك بالسلطة ومازالت اوهام التفوق العددي والضخامة الموهومة تسيطر على وعيه ، وهو يغذي هذا الوهم بالمقارنة غير الموضوعية بين حجمه المفترض كقائمة وحجم المجلس الاعلى كحزب وحيد مأخوذ من قائمته ! يبدو ان أول نتائج هذه الأداءات المؤسفة هو الافتراق الذي لايصدق بين الدعوة كذكرى والدعوة كواقع ، الدعوة التي تتكبر على حلفاءها المذهبيين واشقاءها السياسيين والعقائديين وتضع بينها وبينهم عقدة الحجم الوهمي الكبير ، مع نسيان كامل لحقائق التاريخ وشراكة الجهاد وسنوات المحنة ، ثم تفتح الابواب واسعة لبقايا نظام صدام وتصنع منهم طوق شعودة يفصل الرجل الضحية عن عالمه ومحيطه الوطني والديني ، ثم يتوزعون وفق مخطط على دوائر الدولة مهيمنين على السفارات والملحقيات والوزارات الامنية وشبكة الاعلام والقضاء العراقي ، ويصبحون بيضة القبان في التنافس مع الاشقاء فلو عرض اسم من الدعوة واسم من المجلس الاعلى لاختيار احدهما لشغل وظيفة كبيرة ومهمة حسمت الحكومة الخلاف بتسليم الوظيفة الى بعثي صالح كي لا تكون من حصة المجلس الاعلى ! هذه معالم في الطريق الذي يسلكه المالكي والدعوة واطواقهما الجديدة والمخضرمة و بأمكان أي مراقب أن يعرف بسهولة الى أين يسير القوم وما هي نهاية المطاف .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك